مخاوف إسرائيلية من أن يكون تحالف نتنياهو وموفاز مقدمة لضرب إيران

63% من الإسرائيليين: التحالف لخدمة مصالحهما الشخصية والحزبية وليس المصلحة الوطنية

رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز بعد أدائه اليمين كوزير في الحكومة بالكنيسة أمس (أ.ف.ب)
TT

على الرغم من أن شاؤول موفاز، رئيس حزب كاديما، أبدى معارضة شديدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بدعوى منعها من تطوير سلاح نووي، فإن الكثير من الإسرائيليين يتخوفون من أن يكون تحالفه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في حكومة «وحدة وطنية»، دليل تراجع عن موقفه واقترابا من موقف نتنياهو. وقد تعززت هذه التقديرات، أمس، عندما اجتمع نتنياهو مع وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، في القدس، وأشرك في الاجتماع ثلاثة من نوابه هم: وزير الدفاع، إيهود باراك، ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ووزير الدولة الجديد، موفاز.

وكانت أشتون قد حضرت لإسرائيل من أجل إطلاع قادتها على التحضيرات التي تقوم بها باسم الدول العظمى الست (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) لجولة المحادثات الثانية مع إيران، والمقرر إجراؤها في بغداد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. وعلى غير عادتها، فإن أشتون لم تصدر بيانا عن هذه الزيارة، ولن تبحث في قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ولن تزور السلطة الفلسطينية.

وقالت مصادر سياسية في تل أبيب إن نتنياهو أراد من تركيبة وفده على هذا النحو، أن يوضح لدول العالم أنه رئيس حكومة قوية ثابتة، وأنه يتحدث باسم 94 من مجموع 120 عضو كنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وأن ما يطلقه قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية السابقون من تصريحات ضد ضرب إيران هو مجرد تصريحات غير ملزمة. وأكدت هذه المصادر أن نتنياهو ووزراءه الثلاثة أبدوا أمام أشتون موقفا موحدا من الموضوع الإيراني، وأن موفاز لم يذكر بكلمة تحفظاته من الضربة لإيران. وحرص مصدر مقرب من نتنياهو على تأكيد أن «هناك انسجاما تاما بين مواقف نتنياهو وموفاز في الموضوع الإيراني». وقال إن «جميع أعضاء الوفد الإسرائيلي تحدثوا بنفس واحد عن الشروط التي تعتقد إسرائيل أنها يجب أن تتوفر حتى تستمر الجهود الدبلوماسية مع طهران».

وعدد المصدر هذه الشروط قائلا: «موافقة إيرانية واضحة لا تقبل التأويل، ومع جدول زمني صارم لوقف تخصيب اليورانيوم، إخراج اليورانيوم الذي تم تخصيبه حتى الآن إلى خارج الحدود الإيرانية، تفكيك مفاعل تخصيب اليورانيوم الذي بني تحت الأرض في منطقة بوردو بالقرب من مدينة قم». وأضاف أن القادة الإسرائيليين أصروا على أن إيران لا تأتي إلى المحادثات بنوايا صادقة، وأنها تستخدمها فقط للمماطلة وكسب الوقت من أجل فرض أمر واقع تكون فيه إيران نووية.

وقد بدأ المجتمع الإسرائيلي يصحو من صدمته بالتحالف المفاجئ الذي أقامه نتنياهو، أول من أمس، مع حزب «كاديما» المعارض برئاسة موفاز، ويتساءل عن سبب هذا التحالف. وبالإضافة إلى الأسباب المعلنة حول خوف نتنياهو من سيطرة المتطرفين والمستوطنين على حزبه، وخوف موفاز من انهيار حزبه في الانتخابات المقبلة، طرح عدد من المحللين والسياسيين وكبار قادة الجيش والمخابرات السابقين احتمال أن يكون هدف هذا التحالف هو التمهيد لضرب إيران. وقال بن كسبيت، المحرر السياسي في صحيفة «معاريف»، إن عددا من الجنرالات يسمي هذا التحالف المفاجئ بـ«اللعبة الإيرانية». واستخدمت التعبير نفسه داليا ايتسيك، الرئيسة السابقة للكنيست الإسرائيلي، ورئيسة الكتلة البرلمانية لحزب «كاديما».

وتزداد هذه القناعة أيضا من مراجعة التاريخ السياسي الإسرائيلي، حيث إن حكومات الوحدة القومية أقيمت في إسرائيل عادة لأجل القيام بحرب أو مواجهة حرب، فقد أقيمت أول حكومة وحدة في سنة 1967، قبيل الحرب بخمسة أيام، برئاسة ليفي إشكول، من حزب العمل، مع مناحيم بيغن، من الليكود، الذي قبل في حينها بمنصب وزاري واحد في الحكومة، ومثله فعل موفاز. وخلال حرب الاستنزاف مع مصر شكلت غولدا مائير، التي فازت في الانتخابات العامة التي جرت في عام 1969، حكومة وحدة وطنية ضمت إليها بيغن، وكان أبرز نشاط لها هو تصعيد حرب الاستنزاف وضرب العمق المصري.

كما أن الحكومتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، وهما الحكومتان اللتان تناوب على رئاستهما شيمعون بيريس وإسحاق شامير، تشكلت الأولى عام 1984 وجاءت في أعقاب الحرب على لبنان والأزمة الاقتصادية التي عاشتها إسرائيل، خاصة مستويات التضخم التي وصفت في حينها بالمدمرة، إضافة إلى حرب الوراثة التي شهدها حزب الليكود بين الطامحين لخلافة مناحيم بيغن. وهذه هي الحكومة التي قررت الرد على الانتفاضة السلمية الفلسطينية سنة 1987 بالقمع الدموي الشرس. وبسبب الانتفاضة أقيمت حكومة وحدة وطنية أيضا بعد انتخابات 1988.

وقد ذكرت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن هذا التاريخ لحكومات الوحدة الوطنية قد ينذر بسوء، بغض النظر عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة المختبئة وراءها.

الجدير ذكره أن الجمهور الإسرائيلي، الذي يؤيد عادة إقامة حكومة وحدة، «لم يقبل» هذه المرة تفسيرات نتنياهو وموفاز بأنها جاءت لخدمة مصالح الدولة، ففي استطلاع رأي نشرته صحيفة «معاريف»، أمس، قال نحو 71 في المائة من الجمهور إن دافع موفاز في هذا التحالف هو مصلحته الشخصية والحزبية، وفقط 16.6 في المائة قالوا إنهم يرونه فعل ذلك بغية الحرص على مصالح الدولة. وقال 47 في المائة إنهم لا يصدقون أن هذه الحكومة ستحقق ما أعلنه نتنياهو وموفاز.

وفي استطلاع آخر نشرته صحيفة «هآرتس»، جاء أن 63 في المائة الإسرائيليين يعتقدون أن موفاز ونتنياهو لم يتحركا بدافع مصلحة الدولة، وأن 25 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع اقتنعوا بالحجج والأسباب التي ساقها كل من نتنياهو وموفاز لتبرير تحالفهما. وقال نصف المشاركين في الاستطلاع إن الحكومة الجديدة لن تفي بالتزاماتها وتعهداتها. وبحسب «هآرتس» فإن أبرز نتائج الاستطلاع هي انعدام الثقة بين الجمهور والحكومة في كل الأصعدة تقريبا.