وزير الشؤون القانونية اليمني: العفو سيسحب ممن يخالفون «الشرعية القائمة» و«المبادرة الخليجية»

قال لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته تتجه لإصدار قانون للعدالة الانتقالية وتعويض الضحايا

محمد علي المخلافي
TT

حذر وزير الشؤون القانونية في حكومة الوفاق الوطني باليمن، الدكتور محمد علي المخلافي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، المحسوبين على نظام الرئيس السابق أو المخلوع، علي عبد الله صالح، من سحب الحصانة التي منحت لهم، واتهم بعض الأطراف في الحكومة المشكلة من «اللقاء المشترك»، أو المعارضة سابقا، وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، سابقا، بالسعي لإجهاض إصدار «مشروع قانون العدالة الانتقالية» الذي بدأ مجلس الوزراء اليمني، أول أمس (الثلاثاء)، مناقشته، في ضوء صدور قانون خاص بالحصانة التي منحت للرئيس صالح وكبار معاونيه.

وقال الدكتور المخلافي إن مشروع القانون يعفو عن «الجرائم» التي ارتكبت قبل صدور القانون ولكنه لا يستثني الجرائم التي ارتكبت بعده، أو من قبل المشمولين بالعفو في اليمن، مؤكدا أن الجميع سيتعرضون للمحاسبة القانونية. وتطرق المخلافي في الحوار الضافي الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» إلى جملة من القضايا السياسية والقانونية والأمنية في الساحة اليمنية، فإلى نص الحوار:

*بدأتم في حكومة الوفاق الوطني مناقشة «مشروع قانون العدالة الانتقالية»، فعلام يحتوي بالضبط؟ وهل جاء في إطار عملية توافق أم إن طرفا معينا تقدم به؟

- مشروع القانون يأتي في سياق العملية السياسية، وكما هو معلوم، فإن هذه العملية قامت على أساس «العفو مقابل السلام»، ومعلوم أن السلام لا يتحقق دون العدل، فمقابل السلام جرى العفو عمن ارتكبوا الجرائم ضد الاعتصامات السلمية وضد المعارضين السياسيين، وهذا العفو تم بموجب قانون صدر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهذا القانون جاء ليكمل الركن الثاني وهو المتعلق بالعدالة، أي إنصاف الضحايا، وتنفيذا لما جرى الاتفاق عليه عند إبرام اتفاق آلية تنفيذ العملية الانتقالية التي نصت على العدالة الانتقالية، ثم، أيضا، ما جرى الاتفاق عليه عند إصدار قانون الحصانة الذي نص على إصدار قانون أو قوانين للعدالة الانتقالية، وهو أمر ليس شأنا داخليا بحتا، بل شأنا دوليا كذلك، وبالرجوع إلى بيان مجلس الأمن الدولي الصادر في 29 مارس (آذار) الماضي، فقد ألزم البيان الحكومة اليمنية بسرعة إصدار قانون العدالة الانتقالية للمصالحة الوطنية، والمصالحة بدأ التحضير لها ولعقد مؤتمر وطني يشمل الجميع لحل القضايا الرئيسية للتوافق على المستقبل من خلال بنية الدولة وإعادة هيكلتها بما يحقق الديمقراطية الكاملة. والأمر الآخر، هو حل «القضية الجنوبية» والأزمات السابقة التي أدت إلى حروب؛ ومنها حروب صعدة.

هذا القانون يحقق المصالحة المجتمعية الفردية والجماعية بإزالة الآثار الجسيمة لانتهاكات حقوق الإنسان. ويكفل القانون الحق في الحقيقة والكشف عنها، ويتمثل ذلك في الاستماع إلى الضحايا والاستماع إلى الشهود والتحقيق في الجرائم التي جرى ارتكابها من أجل إيجاد سجل وطني يكون دليلا للأجيال المقبلة بحيث لا تكرر تلك المآسي. والأمر الثاني؛ يتمثل في إنصاف الضحايا عن طريق جبر ضررهم، وجبر الضرر سوف يشمل التعويض المادي والمعنوي، ومن التعويضات المادية اعتذار الدولة عن ما ارتكبه مسؤولو الدولة السابقون ضد أبناء شعبهم. أما الأمر الثالث، فيتمثل في المستقبل، أي منع تكرار تلك الجرائم والصراعات التي، أيضا، كانت سببا في ارتكاب تلك الجرائم ويتمثل، هذا الأمر، في الإصلاح المؤسسي بحيث يشمل تغيير الهيكلية المؤسسية التي أدت إلى ارتكاب مثل تلك الجرائم، ومنها هيكلة مؤسسة الجيش والأمن، وأيضا، إعادة هيكلة مؤسسات الدولة أيا كانت عسكرية أم مدنية، التي كانت مصدرا لانتهاك حقوق الإنسان. ويضاف، في ما يتعلق بالمستقبل، الإعداد لتشكيل هيئة وطنية لحماية حقوق الإنسان تكون مستقلة عن الحكومة ومشروع القانون أشار إليها، ويجري الإعداد للقانون الآخر، وهناك مسودة لدى وزارة الشؤون القانونية للمشروع تلقتها من وزارة حقوق الإنسان، وسوف يجري وضع اللمسات الأخيرة على المسودة، ثم ستطرح على اللجنة الثلاثية المشكلة من وزيرة حقوق الإنسان ووزير العدل ووزير الشؤون القانونية، وهذا مجمل ما يشتمل عليه القانون.

*مشروع القانون أن لا يأتي في سياق تأكيد الحصانة القضائية لرموز النظام السابق، خاصة في ظل تمرد بعض المحسوبين عليه في الجيش على قرارات الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي؟

- قانون العفو أو الحصانة عفا عن الجرائم التي ارتكبت قبل صدوره، أما الجرائم التي ارتكبت أو يمكن أن ترتكب بعد صدوره، فلا يوجد عفو بشأنها، وهذا القانون لا يوفر مثل هذا العفو، وإنما يوفر العفو للضحايا وأهاليهم وللمجتمع. وهنا أحب أن أشير إلى أن من منحوا العفو ربما يفقدونه بسبب عدم التزامهم بالشرعية القائمة أو بسبب ارتكابهم انتهاكات جديدة، وأنا أصارح الجميع بالقول إن من حصلوا على العفو، بمن في ذلك، بعض الأشخاص في مجلس الوزراء، يسعون إلى إعاقة مثل هذا القانون ويعتبرون أنهم قد حصلوا على العفو، ولكنهم لا يرغبون في أن يتحقق العدل، وربما ما زالت لدى البعض منهم أحلام مريضة في أن يستعيدوا سلطة التسلط والاستبداد والسعي ليحاكموا من عفوا عنهم، وأنا أعتقد أن هذه المؤشرات ما زالت موجودة، ولكني لا أعتقد أنه سيكون بمقدورهم وقف صدور قانون العدالة والمصالحة الوطنية، لأن هذا القانون يقع في لب العملية السياسية، وخروجهم عن العملية السياسية قد يسقط ما حصلوا عليه؛ وفي مقدمة ذلك العفو عن الجرائم التي ارتكبوها.

*هل يعني ذلك أن مشروع القانون سوف يقر قبل أم بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي لم يحدد موعد له حتى الآن؟

- هذا الأمر جرت مناقشته عند التوافق على قانون الحصانة، وكان المشاركون في هذه المناقشة مدركين هذه المسألة لكي لا تجري الإعاقة تحت مبرر أنه يجب أن يناقش مثل هذا المؤتمر الوطني، وجاء بالنص على أن يصدر قانون وقوانين للعدالة الانتقالية، وما هو منوط بمؤتمر الحوار الوطني هو أن يقترح الطرق التي تحقق العدالة الانتقالية وليس التشريع المتعلق بالعدالة الانتقالية، وهذه الطرق قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها. ومنوط بالمؤتمر، أيضا، أن يقترح التدابير التي من شأنها أن تزيل الأسباب التي أدت إلى الانتهاكات، وهذه التدابير قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك، ومن ثم سوف يصدر هذا القانون. وفي ما يتعلق بالنتائج التي سوف يتوصل إليها المؤتمر الوطني الشامل للحوار بهذا الشأن، فيمكن أن تتحول إلى خطط ذات طابع إلزامي تحمل قوة القانون، كأن تلزم الحكومة بتبني هذا القانون وتقدمه إلى مجلس النواب (البرلمان) لإقراره أو إصدار تشريعات أخرى تتعلق بهذا الأمر، كالتشريعات الأخرى المتعلقة بالإصلاح المؤسسي بصورة شاملة وبهيكلية الدولة، بحيث تزول الأسباب التي أدت إلى اقتراف الجرائم التي تصنف على أنها جرائم ضد الإنسانية.

*ما الذي يتضمنه مشروع القانون في ما يتعلق بـ«القضية الجنوبية» بالتحديد؟

- القانون يتضمن، في الأساس، فترة الجمهورية اليمنية (22 مايو (أيار) 1990، وحتى اليوم)، وستقوم هيئة حقوق الإنسان بالتحقيق في كل الانتهاكات التي وقعت خلال ما بعد الوحدة، وستتلقى الشكاوى من المواطنين بشأنها وستستمع للضحايا، سواء كانوا ضحايا قبل أم بعد 1994 (الحرب الأهلية) أو خلال الفترة التي شهدت احتجاجات للجنوب والجنوبيين (ضد النظام) وجرى خلالها انتهاك حقوق الإنسان، لكن القضية الجنوبية بوصفها قضية سياسية، فقانون العدالة الانتقالية لن يعالجها؛ وإنما من خلال مؤتمر الحوار الوطني والنتائج التي سوف تتمخض عنه.

*مؤتمر الحوار الوطني لم يتم تحديد موعده أو أجندته، حتى الآن، هل هناك مؤشرات على مشاركة الحراك الجنوبي والحوثيين فيه؟

- لجنة الاتصال (شكلت من قبل الرئيس قبل أيام) مهمتها التواصل مع كل الأطراف غير الموقعة على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذ العملية الانتقالية، وسوف تتواصل مع الأطراف الأخرى كالحوثيين والحراك الجنوبي وستدعم لجنة الاتصال الخاصة بالساحات والشباب وستؤازر عملها وستتصل ببعض الفئات والحركات الاجتماعية التي صار لها دور في العملية السياسية. وهذا التواصل سوف يتجه إلى أمرين؛ الأول، التفاهم مع هذه الأطراف لكي تشارك في تشكيل اللجنة التحضيرية (للحوار الوطني الشامل). والثاني، الإطار أو التوجه العام للحوار، وهذه العملية يفترض أن تتم في أسرع وقت ممكن لكي يجري تشكيل اللجنة التحضيرية للحوار الوطني من كل الأطراف، وهي التي ستضع آليات وضوابط وإجراءات الإعداد والتحضير لعقد المؤتمر الوطني والقضايا التي ستطرح فيه.

*القانون اليمني يجرم الأنشطة المسلحة، ولكن هل هناك أي توجه لدى حكومة الوفاق الوطني لطرح تشريعات تجرم أنشطة تنظيم «القاعدة» في اليمن التي توصف بـ«الإرهابية» والتي باتت وكأنها بين قوات نظامية وقوات متمردة؟

*نحن حاليا بحاجة إلى حشد الإمكانات والطاقات واستعادة قوة الدولة من خلال استعادة القوات والأمن لنواجه هذه الأعمال الإرهابية. ومن وجهة نظري، المسألة لا تحتاج إلى قوانين جديدة، ففي قانون الجرائم والعقوبات ما يكفي لتطبيقه على الجرائم التي ترتكب، فهي من الجرائم الجسيمة التي من شأنها أن تزعزع أمن واستقرار اليمن، والعملية القانونية لسنا بحاجة إليها، وإنما بحاجة إلى استعادة إمكانات الدولة والوسائل التي تحقق الأمن، عبر أجهزة الأمن والجيش، وعندما تتمكن الدولة من استعادة هذه الأجهزة والمؤسسات، فاعتقد أن هذه التنظيمات التي اصطنعت في السابق لإحداث مثل هذا الخلل القائم، يمكن التغلب عليها.. وطبعا ليس فقط بالوسائل العسكرية والأمنية وإنما، أيضا، بإيجاد حلول للحاضنات الاجتماعية وفي مقدمتها الفقر والانقسام السياسي الجهوي. وأعتقد أن القوات المسلحة والأمن سيتمكنان، قريبا، بما هو متوفر لدى الحكومة اليمنية، من وضع حد لتطاول هذه التنظيمات الإرهابية. وكما هو معلوم؛ فإن «القاعدة»، في الأساس، لا تقدم على إيجاد تنظيمات للاستيلاء على مناطق، وإنما هذا عمل رتب له من قبل وقد يكون بالتعاون مع زعامات مع «القاعدة».

*كيف تفسر «حكومة الوفاق الوطني» استمرار الضربات الجوية الأميركية التي تستهدف «القاعدة» في اليمن؟

- في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب؛ فهي مهمة عالمية، ولم تعد مقتصرة على بلد بعينه؛ سواء الولايات المتحدة أو غيرها، وهناك برنامج أممي لدى الأمم المتحدة وتلتزم به دول مختلفة، واليمن من هذه الدول التي تتعاون في الإطار الدولي على مكافحة الإرهاب ومحاربته.