تساؤلات حول قدرة الصين على احتواء مشكلاتها المتصاعدة

أزمة بو تشيلاي واضطرابات التبت وتراجع النمو تتفاعل قبل عملية انتقال السلطة

صينيون يتجولون في شارع تجاري بمنطقة شونغكينغ الصينية (نيويورك تايمز)
TT

عقب انهيار اقتصادات الدول الأوروبية في أواخر عام 2008، بدأ القادة الصينيون في التباهي بتفوق بلادهم، حيث انتشرت بعض الأحاديث، ليس فقط في الصين وإنما في الغرب أيضا، حول مزايا ما يسمى بالنموذج الصيني - والذي يتكون من مجموعة مبهمة من السياسات الاستبدادية والرأسمالية التي تحركها الدولة - وأن هذا النموذج يعد بمثابة النبراس في هذا القرن.

أما الآن، وبعد الاضطرابات السياسية التي حدثت مؤخرا ومطالبة أعداد متزايدة من الشخصيات المؤثرة بإعادة إحياء السياسات الاقتصادية الأكثر تحررا، يبدو أن هذا الشعور بالانتصار كان، في أحسن الأحوال، سابقا لأوانه أو ربما مضللا بشكل كبيرة.

ويواجه القادة الصينيون الآن مجموعة كبيرة من الأمور غير الواضحة، بداية من الفضائح السياسية الهائلة التي تشوب عملية انتقال القيادة في الحزب الشيوعي التي من المقرر أن تحدث في العام الجاري والتي تحدث مرة واحدة كل عقد، إلى تباطؤ نمو الاقتصاد، نظرا لقيام الشركات الحكومية الضخمة ضاربة الجذور في الصين والقادة السياسيين الذين يدعمونها بإعاقة قوى السوق وعمل شركات القطاع الخاص.

ويقول زانغ مينغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة رنمين في بكين: «في الواقع، تعد معظم المشكلات الاقتصادية التي نواجهها مشكلات سياسية متنكرة، مثل طبيعة الاقتصاد وطبيعة نظام الملكية في البلاد وجماعات المصالح الخاصة في البلاد. تعتبر هذه المشكلات من الخطورة بمكان بحيث ينبغي حلها الآن، حيث لم يعد من الممكن تأجيلها بأي صورة».

وتظهر البيانات التي أصدرتها الصين الثلاثاء استمرار تراجع الاقتصاد الصيني، مما يدفع العديد من الخبراء الاقتصاديين إلى مطالبة الحكومة بتخفيف الرقابة على النظام المالي ودعم عمليات الإقراض لشركات القطاع الخاص وكبح جماح الشركات المملوكة للدولة والسماح بالمزيد من الحركة في أسعار الصرف وأسعار الفائدة وتحسين المزايا الاجتماعية.

ومن شأن مثل هذه التغييرات أن تؤدي إلى الحد من دور الدولة وتقليل الفساد وتشجيع المنافسة، ولكن القيام بها قد يتطلب صراعا هائلا داخل السلطة، حيث يفتقر المديرون التنفيذيون للتكتلات الصينية وجنرالات الجيش وأعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي والمسؤولون المحليون وأبناء كبار الشخصيات في الحزب، إلى وجود الحافز الذي يحثهم على إعادة تشكيل النظام الذي يملأ خزائنهم بالأموال.

وتعتبر الزيادة التي تشهدها الأجهزة الأمنية الصينية واحدة من المظاهر المهمة الأخرى في النموذج الصيني، حيث أثارت الأساليب العنيفة التي تستخدمها تلك الأجهزة في سعيها لتحيق الاستقرار تساؤلات كثيرة بعد قيام أكثر من 30 شخصا من أهالي التبت الساخطين بالانتحار وعقب الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين الصين والولايات المتحدة على خلفية أزمة اضطهاد المنشق الصيني تشن غوانغتشينغ، بالإضافة إلى غيرها من الأمور. وأدت الانتفاضة، التي تم توثيقها بصورة جيدة، والتي اندلعت في الشتاء الماضي ضد المسؤولين الفاسدين في قرية ووكان الجنوبية إلى إثارة الكثير من الجدل حول كيفية التعامل مع الاحتجاجات، وهل ينبغي أن يتم ذلك من خلال عصا قوات الأمن الغليظة أم عن طريق وساطة كبار المسؤولين.

وأدت فضيحة بو شيلاي، الذي كان حتى وقت قريب عضوا في المكتب السياسي، أي المكتب الذي يضم صفوة رجال الحزب الشيوعي، إلى فضح هؤلاء الأشخاص الذين أشادوا من قبل بطبيعة النظام السياسي الصيني القوي ومظهره القوي.

وقبل أن يفقد شيلاي، الذي يتمتع بطبيعة كاريزمية، منصبه الرفيع كرئيس للحزب الشيوعي في مقاطعة تشونغتشينغ، كان بعض القادة الآخرين ينظرون إليه على أنه شخص خارج عن السيطرة. فبعد وصوله إلى تشونغتشينغ في أواخر عام 2007، بدأ شيلاي فيما وصف بأنه حملة مداهمات ضد الجريمة، بالإضافة إلى إعادة إحياء بعض فقرات الغناء الجماعي التي تنتمي لحقبة الزعيم ماو تسي تونغ وتبني سياسات الرعاية الاجتماعية الرامية إلى خلق دعم شعبي وكسب التأييد السياسي لتيار «اليسار الجديد» والاشتراكيين المتشددين لمحاولاته الدائمة للانضمام إلى اللجنة الدائمة رفيعة المستوى للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، الذي من المقرر أن يشهد عملية انتقال للسلطة في العام الحالي. انحرفت محاولات بوشلاي بشكل كبير عن المسار التقليدي للصعود في الحزب، والتي ظلت منذ عهد دنغ شياو بينغ تتم في الغرف الخلفية وتخضع لمفاوضات غامضة من جانب كبار الشخصيات في الحزب. تتمثل المشكلة الحالية في الصين في تضاؤل سلطة الشخصيات البارزة داخل الحزب من جيل إلى جيل - حيث يعد جين تاو، الرئيس الصيني الحالي ورئيس الحزب الشيوعي، أضعف من سلفه جيانغ زيمين، والذي كان بدوره أضعف بكثير من دنغ.

ومع تفكك السلطة، ينشأ عدد كبير من الفصائل والتحالفات تحت حكم الحزب الواحد، في ظل غياب أي صوت قادر على فرض النظام. ويقول وانغ كانغ، كاتب ليبرالي من تشونغتشينغ: «تحتاج الصين إلى تطبيق النظام أكثر من أي وقت، حيث إن النظام هو الشيء الوحيد الذي يضمن الاستقرار».

يقول البعض إن عملية التطهير الخاصة ببو شيلاي جاءت بمثابة تصحيح مسار النظام السياسي، وإن بمقدور النظام الآن العودة إلى وضعه الطبيعي، في حين يؤكد كثيرون آخرون أنه بالنظر إلى حالة التنافر الموجودة بين كبار الشخصيات، فضلا عن تنوع وتوغل وسائل الإعلام في الصين، فمن المؤكد قيام الكثير من السياسيين بتبني أساليب شيلاي الشعبية.

وساعدت سياسات بو شيلاي على كشف صدع أخر في النموذج الصيني، ألا وهو الأولوية التي يحظى بها النمو الاقتصادي من خلال المشروعات الاستثمارية التي تنفذها الشركات المملوكة للدولة عن طريق قروض سخية من البنوك المملوكة للدولة، وهو ما يعد بمثابة الإطار الذي يدعم الاقتصاد الصيني. بلغ معدل النمو الاقتصادي في مقاطعة تشونغتشينغ، التي تزخر بمشروعات البنية التحتية ويبلغ عدد سكانها 31 مليون نسمة، نحو 16.4 في المائة في العام الماضي، وهو المعدل الأعلى بين كافة المقاطعات. وزادت ديون الشركات التابعة للحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة لتبلغ 160 مليار دولار، وفقا لتقديرات فيكتور شيه، الذي يدرس الاقتصاد السياسي في الصين، والذي يضيف أنه من المحتمل ألا يتم سداد الكثير من هذه القروض. ويشدد واضعو السياسات على ضرورة تبني نموذج مختلف في شتى أنحاء الصين، والذي يعتمد بصورة أكبر على إنفاق المستهلكين ويقوم بتشجيع الشركات الخاصة، بينما يصرون في الوقت نفسه على ضرورة استئناف الإصلاحات الهيكلية المتوقفة منذ زمن بعيد. يرى البعض أن عملية انتقال القيادة القادمة ربما تكون بارقة أمل، ولكن قد تمثل الشركات المملوكة للدولة العقبة الأكبر في طريق القادة سواء الراحلين أم القادمين، نظرا لحرصها على إبقاء الوضع على ما هو عليه.

يزيد تباطؤ الاقتصاد الصيني من التردد الذي يحيط بالخطوة التالية التي ينبغي اتخاذها، حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 8.1 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، في الوقت الذي قام فيه رئيس الوزراء الصيني ون جياباو في شهر مارس (آذار) بتخفيض توقعات النمو الاقتصادي في العام الحالي إلى 7.5 في المائة. تشهد سوق العقارات تقلصا كبيرا، حيث أظهرت البيانات التي صدرت يوم الثلاثاء ضعف الطلب المحلي وانخفاض الصادرات.

نجحت الصين في درء مخاطر الأزمة المالية العالمية عن طريق حزمة حوافز بلغت 580 مليار دولار، بالإضافة إلى تخفيف القيود المفروضة على الإقراض المصرفي. ربما يلجأ القادة الصينيون لنفس هذا النهج القائم على الاستثمارات التي تقودها الحكومة في حال استمرار تباطؤ الاقتصاد لوقت طويل.

يعد الخوف من تفشي التضخم أحد الأمور التي تعيق تبني مثل هذا النهج، حيث ربما يؤدي التضخم إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية. وتعد حالة السخط المنتشرة في أوساط الطبقات الفقيرة والمتوسطة مصدرا رئيسيا للقلق بالنسبة للقادة الصينيين، ولكن لا توجد حلول سهلة لمشكلة اتساع فجوة الثروة، طالما كان النمو السريع هو الأولوية.

ويعتبر تزايد الاحتجاجات الناشئة عن هذه الفجوة من نقاط التوتر الأخرى في النموذج الصيني. ويعتمد المسؤولون الصينيون بشكل كبير على قوات الأمن المحلية في قمع المظاهرات والاضطرابات التي يطلقون عليها «الحوادث الجماعية»، والتي قدرها عالم الاجتماع سونغ ليبينغ بنحو 180,000 في عام 2010. أعلنت الحكومة في شهر مارس (آذار) أنها تخطط لإنفاق 111 مليار دولار على قوات الأمن المحلية في العام الحالي، وهو الرقم الذي يزيد بنحو 12 في المائة عن موازنة الأمن في عام 2011 وبنحو 5 مليارات دولار عن موازنة الجيش في العام الحالي.

وخلال الانتفاضة التي شهدتها قرية ووكان في الشتاء الماضي، والتي اندلعت بسبب ما يطلق عليه القرويون عمليات مصادرة الأراضي غير المشروعة من جانب المسؤولين المحليين، قامت وحدات الشرطة بتطويق القرية، ولكنها تراجعت بعد دخول مسؤولي مقاطعة قوانغدونغ في مفاوضات مع السكان المحليين. يرجع الفضل في التوصل إلى هذه التسوية السلمية إلى وانغ يانغ، رئيس الحزب الشيوعي في المقاطعة، والذي اقترح تبني هذه الاستراتيجية على نطاق واسع، في انتقاد ضمني للأساليب المتشددة التي يتم استخدامها لـ«للحفاظ على الاستقرار». وظهر ضعف هذه الأساليب المتشددة مرة أخرى عندما تمكن تشن، وهو ناشط سياسي أعمى تم وضعه رهن الإقامة الجبرية في عام 2010، من الهرب ليلا من حراس القرية الذين قاموا بضربه هو وزوجته، حيث قام باللجوء إلى سفارة الولايات المتحدة في بكين. كادت مثل هذه الوحشية أن تتسبب في تفجير أزمة دبلوماسية بين أكبر قوة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، ومنافستها الصاعدة، الصين، وهو ما يعد إشارة واضحة على وجود خلل عميق في الأساليب الأمنية التي تنتهجها الصين. ويقول تشين: «أعرف، من مرات الحوار القليلة التي جمعتني بهم، أن لديهم نية الإصلاح وتطبيق سيادة القانون بصورة بطيئة، ولكنني لا أعرف متى سيشرعون في ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»