المشغولات اليدوية تجتاح سوق الموضة في مصر

وسيلة تمرد على النمط الأوروبي وإحياء للتراث

مجموعة من الرسومات على الأقمشة
TT

في سياق سعيهم الحثيث للتمرد على النمط الأوروبي المسيطر على الملابس والأثاث في الوطن العربي، بدأ مصممو المشغولات اليدوية في مصر ينافسون المنتجات الجاهزة بخطى قوية من خلال إقامة المعارض المخصصة لهذا الشأن والتي تلقى إقبالا متزايدا من السيدات المصريات.

وانعكس نجاح هذه المعارض على ثقة المصممين في منتجاتهم بأنها وصلت إلى الجمهور المستهدف، خاصة بعد أن فتحت شبكة الإنترنت عن طريق موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» الباب أمام تلك المواهب لتسويق معروضاتهم. وقد ابتكر معظم هؤلاء ماركات معظمها مشتق من أسماء عربية محلية للخصوصية، فيما أصبحت معارضهم البسيطة الوسيلة المباشرة للتواصل مع زبائنهم وإشاعة جو من الدعاية لها، بعد أن كانوا يعتمدون في الماضي على ما يعرف باليوم المفتوح أو الـopen day للتسويق لمعروضاتهم. وكان هذا المصطلح دارجا في الأوساط النسائية المصرية على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية، وكانت بداياته عندما تأتي مجموعة من السيدات بملابس أو إكسسوارات من الخارج ويقمن بعرضها في أحد المنازل لبيعها.

وكانت منظمات لهذا اليوم، أو النشاط، يعتمدن على الأصدقاء والأقارب والمعارف في التسويق وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية لاستقطاب عدد كبير من السيدات. ومع الوقت أصبح الأمر بمثابة منافذ بيع أخرى اعتمدت عليها السيدات في المجتمع المصري لشراء ما يحتجنه من ملابس أو زينة أو مستلزمات للمنزل من دون عناء السفر للخارج.

وتطور اليوم المفتوح، حيث بدأ أصحاب المواهب في عرض تصميماتهم مستعملين الطريقة نفسها تقريبا، لكن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شكل معارض تقام بشكل شبه دوري سواء في القاهرة أو في إحدى القرى الساحلية في فصل الصيف. ومنذ فترة قصيرة، أقيم معرضان في القاهرة تنوعت فيهما المنتجات بين المشغولات اليدوية من الإكسسوارات والحلي والملابس والحقائب والأثاث المنزلي والعطور ومستلزمات أخرى.

وعلى الرغم من كون الأذواق في الملابس والأثاث في المجتمع المصري منخرطة بشكل أساسي داخل النمط الأوروبي والثقة في كل ما هو غربي، فإن الكثيرين يرون أن هناك حالة من التمرد على الأنماط المفروضة على المجتمع الشرقي من الغرب، وهو ما سجل بداية للعودة للتراث وتطويره بما يتناسب مع متغيرات العصر وسعيا للتخلص من «عقدة الخواجة» التي كان المصريون يعانون منها.

المصممة أمينة خليل، التي درست التصميم والتسويق بلندن، عرضت مجموعة متنوعة من الملابس المستوحاة من التراث المصري خاصة المشغولات اليدوية، وأزياء عمال المراكب بالمناطق الساحلية بمصر، مثل السراويل الواسعة والصديري، والتي أدخلت عليه لمحات أنثوية مشغولة بالكروشيه على الأكمام.

وتوضح سامية أبو الفتوح، أحد أفراد المجموعة المنظمة للمعرضين، أن معرض «الهوانم» يضم مجموعة من الفتيات المبتكرات (Boutique Online) في مصر للدعاية لمنتجاتهن من خلال شبكة الإنترنت، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية الرواج لهذه المشغولات اليدوية ذات الطابع الشرقي تحسنت بشكل تدريجي، وفي كل البلاد العربية هناك الأزياء المستوحاة من التراث الخاص بكل دولة». وتضيف أن «لمصر ميزة في هذا الشأن من حيث التنوع الكبير الموجود في ثقافتنا من التراث السيناوي والساحلي والبدوي والريفي والجنوبي». وشهد المعرض مشاركة مصممين من الأردن وسوريا ولبنان، مثل الفنانة السورية العصماء تقي الدين صاحبة ماركة «نقوش» للتصاميم، والتي عرضت مجموعة مختلفة من رسومات على الأقمشة مستوحاة من التراث الشرقي وبعض المستلزمات المنزلية الأخرى مثل المصابيح المصنوعة من النحاس الطبيعي والتي تستخدم في ديكورات المنازل.

وتتابع أبو الفتوح أن المعرض الثاني بعنوان «صنع في مصر» مستوحى من الاتجاه السائد في المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في تشجيع الصناعة المصرية والثقة في المنتجات المصرية. وكانت المشغولات الجلدية أيضا من أبرز المنتجات التي أصبحت تلقى إقبال قاعدة واسعة من السيدات في المجتمع المصري. وتقول هبة فارس، مصممة ماركة «ناعومي هانم» للحقائب، إنها تستوحي تصاميمها من التراث المصري خاصة السينما في عصرها الذهبي من القرن الماضي. وعرضت فارس مجموعة من تصاميمها من حقائب جلد النعام وعليها رسومات للفنانة الراحلة سعاد حسني وأيضا لأفراد العائلة المالكة المصرية مثل الملك فاروق والأميرات.

وبينما تعتمد معظم الفتيات على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» للدعاية لمعروضاتهن، تلجأ إيفا فتحي وإيمان فاروق إلى المعارض الخاصة التي تعرف في المجتمع المصري باسم «اليوم المفتوح» لعرض تصاميمهن مثل حقائب اليد من الجلد الطبيعي المشغولة بالأحجار شبه الكريمة، خاصة في حقائب السهرة.

وترى مونييت يسري، إحدى مصممات الإكسسوارات، أن الأعمال اليدوية تعرف إقبالا كبيرا، خاصة تلك المطلية بالذهب. والسبب كما تشير يعود إلى ارتفاع أسعار الذهب والأزمة الاقتصادية، مما جعل المرأة تقبل بشكل أكبر على هذا النوع من الإكسسوارات.

وتصمم يسري إكسسوارات من النحاس المطلي بالفضة، معتمدة على الطراز الشرقي، على العكس من شريهان الزمر التي تستسيغ الطراز الشبابي، رغم اقتناعها بأن الإكسسوارات لا تمثل بديلا حقيقيا للمشغولات الذهبية، فهي تقول إنها مهما علت جودتها فإنها لا تقارن بقيمة الذهب الذي يدوم أطول. وتعتمد الزمر في تصاميمها على الفضة المطلية بالذهب والأحجار شبه الكريمة، التي تصنعها في لبنان نظرا لأن الحرفية فيها أعلى من مصر.

وترى منى جمعة، إحدى مرتادات المعارض، أنها تمثل فرصة لتنويع اختياراتها بين الموضة العالمية والطابع الشرقي الذي أصبح يضفي لمسة خاصة على الأزياء، خصوصا أن المنتجات التي يتم عرضها لا تقتصر على الملابس والإكسسوارات اليدوية فقط بل تشمل الأثاث المنزلي أيضا، بما في ذلك شتلات النباتات والورود المهجنة والأواني الفخارية والزجاجية المشغولة بالأصداف وغيرها.

واللافت أن قطع الأثاث التي تنال الإعجاب هي المشغولات الخشبية مثل تصاميم «طاولات فقط» للفنانة عالية قنديل، فهذه الأخيرة تتخصص في تصميم قطع أثاث من خشب الزان تجمع الأناقة بالعملية، مثل طاولة شاي حفر فيها مكان لوضع أطباق الحلوى وفناجين الشاي.