الولايات المتحدة تتجه للتخلي عن جهود تدريب قوات الشرطة العراقية

البرنامج التدريبي لا يفي بالغرض.. والعراقيون لا يجدونه مجديا

طلبة بكلية الشرطة في بغداد التي ألغيت خطط لتطويرها («يويورك تايمز»)
TT

في مواجهة التكاليف الآخذة في الارتفاع بشكل حاد وإشارة المسؤولين العراقيين إلى عدم رغبتهم في البرنامج مطلقا من الأساس، قامت وزارة الخارجية الأميركية بتقليص حجم برنامج تدريب لقوات الشرطة العراقية تقدر تكلفته بمليارات الدولارات، وربما تتخلى عنه بالكامل نهاية العام.

وكان من المقرر أن يكون هذا البرنامج التدريبي محور مهمة مدنية أميركية موسعة في العراق، لكن تم تقليص الطاقم التدريبي الذي كان يقارب عدد أفراده 350 ضابطا إلى 190، ثم إلى 100. لكن آخر دعوات إعادة الهيكلة تطالب بأن يكون مؤلفا من 50 ضابطا فقط، غير أن معظم الخبراء وبعض المسؤولين بوزارة الخارجية الأميركية يقولون إن هذا العدد ربما ينسحب أيضا بنهاية هذا العام.

وكان يعتقد أن البرنامج التدريبي، الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) وقدرت تكلفته فعليا بمبلغ 500 مليون دولار، سيكون أكبر مكون في مهمة اعتبرت أكثر جهود المساعدات الأميركية طموحا منذ خطة مارشال. لكنه أصبح مثالا واضحا لتضاؤل التأثير الأميركي في العراق في أعقاب انسحاب الجيش الأميركي، كما أنه يعكس أخطاء في التقديرات من جانب المسؤولين الأميركيين كبدتهم تكاليف طائلة، حيث إنهم لم يتوقعوا أن تؤكد الحكومة العراقية سيادتها بالقوة التي أكدتها.

وقال جيمس جيفري، السفير الأميركي لدى العراق، في مقابلة أجريت معه: «أعتقد أنه مع رحيل الجيش الأميركي قرر العراقيون أن يسألوا: حسنا، كم كان حجم وجود الأميركيين كبيرا هنا؟»، وواصل قائلا: «إنهم يتساءلون عن حجم الوجود الأميركي المطلوب وكيف يتكافأ مع سيادتهم. في مجالات عديدة، عبروا بشكل واضح عن بعض مخاوفهم».

في العام الماضي، شرعت وزارة الخارجية الأميركية في تنفيذ مشروعات بناء تقدر تكلفتها بـ343 مليون دولار في مختلف أنحاء العراق لتحديث المنشآت بحيث تستوعب برنامج تدريب رجال الشرطة، الذي كان من المقرر أن يضم مئات المتدربين وأكثر من 1000 عضو في فريق دعم يعمل في ثلاث مدن هي بغداد وأربيل والبصرة لمدة خمس سنوات. لكن على غرار كثير من الأمور الأخرى خلال فترة الأعوام التسعة من الحرب والغزو وإعادة الهيكلة هنا في العراق، لم يسر البرنامج على النحو المخطط له.

وكشف درس قدمه مدرب لقوات الشرطة الأميركية لفصل من المتدربين العراقيين بشكل واضح عن مواطن ضعف البرنامج. طرح المدرب إشارتين ربما تنمان عن أن شخصا ما يخطط لشن هجمة انتحارية: سحب كم هائل من الأموال من المصارف والإفراط في الشراب. كانت المشكلة المتعلقة بتلك النصيحة، التي روتها جينجر كروز، النائبة السابقة للمفتش العام الأميركي الخاص لبرنامج إعادة إعمار العراق، هي أن عددا محدودا فقط من العراقيين هو من لديه حسابات مصرفية وأن أصوليا متطرفا مصرا على تنفيذ هجوم انتحاري لن يعاقر على الأرجح ما هو محرم.

الشهر الماضي، رفض عدد كبير من ضباط الشرطة العراقيين الذين يشاركون في التدريب بشكل مفاجئ حضور الحلقات الدراسية والعروض التقديمية في إطار برنامج «باور بوينت»، قائلين إنهم لم يجنوا سوى فائدة محدودة من تلك الدورات التدريبية. كما أراد العراقيون أن تنظم الدورات التدريبية في منشآتهم الخاصة، وليس في منشآت أميركية. لكن، على نحو يعكس انعدام الثقة بين العراقيين والمسؤولين الأميركيين، لن يسمح الحرس التابع لوزارة الخارجية الأميركية للمدربين بتحديد أوقات معينة للاجتماع في منشآت عراقية، وذلك حتى لا يقدموا أهدافا واضحة للمتمردين، الذين ما زالوا يخترقون قوات الجيش والشرطة العراقية في بعض الأحيان.

يذكر أنه تم مؤخرا وقف أضخم مشروعات البناء، وهو عبارة عن مشروع لتطوير كلية الشرطة في بغداد، الذي تضمن تركيب أغطية واقية على المقطورات السكنية الضخمة (لتأمينها ضد الهجمات بقذائف الهاون) وإنشاء مطاعم ومغاسل وصالات جديدة مخصصة لعقد الندوات، بعد إنفاق أكثر من 100 مليون دولار. وسوف يعمل مسؤولو الشرطة الباقون خارج مجمع السفارة الأميركية، حيث سيتمتعون بقدرة محدودة على التفاعل مع مسؤولي الشرطة العراقيين.

ووصف روبرت بيريتو، مدير مركز الابتكار التابع لإدارة القطاع الأمني بالمعهد الأميركي للسلام، المشروع بأنه «برنامج مصغر لجمع مبلغ ضخم». وقال بيريتو، الذي كتب في العام الماضي عن تاريخ تدريب الشرطة الأميركية في العراق: «المشكلة الأولى هي أن وزارة الخارجية لا تعمل في بيئات محفوفة بالمخاطر». وأضاف: «بمجرد انسحاب الجيش الأميركي، أصبحت وزارة الخارجية وحدها. وأدى هذا بالتالي إلى زيادة التكاليف وتقييد قدرة المستشارين على التحرك».

من جهتها، دافعت وزارة الخارجية الأميركية عن البرنامج، حتى بعد أن تم تقليص حجمه وتعرض لانتقاد معلن من قبل وكيل وزارة الداخلية العراقية، عدنان الأسدي، الذي تساءل عن المغزى من إنفاق ذلك المبلغ الطائل على برنامج لم يطلبه العراقيون أساسا. وقال توماس نيدس، نائب وزيرة الخارجية للإدارة والموارد، في مقابلة في فبراير (شباط) الماضي مع صحافيين في واشنطن: «لقد وضعنا برنامجا قويا لتدريب قوات الشرطة، الذي يقوم بعمل رائع مع الشرطة المحلية في التدريب وتطوير البرنامج التدريبي.. أعتقد أنه سوف يحقق أرباحا ضخمة.. في واقع الأمر، واجه البرنامج تحديات ثقيلة في كل مرحلة».

وفي مقابلة معه الجمعة الماضي، قال نيدس: «لا أظن أن أي خطأ قد وقع». وأضاف: «العراقيون لا يؤمنون بأنهم في حاجة لبرنامج بهذا الحجم والنطاق». وأشار نيدس إلى أن تقليص حجم البرنامج يأتي جزءا من جهد أوسع نطاقا لتقليص حجم السفارة.

وقال بيريتو إن وزارة الخارجية لم تضع مطلقا منهجا مناسبا، بل إن المستشارين عادة ما «ينتهي بهم الأمر إلى الحديث عن تجاربهم الخاصة أو يروون قصصا عن الحرب ولا يكون هذا في محله». وقال اللفتنانت جنرال المتقاعد، جيمس دوبيك، وهو الآن زميل رفيع المستوى في «معهد دراسة الحرب»، الذي أشرف على تدريب قوات الأمن العراقية في الفترة من 2007 إلى 2008: «الأدلة تشير إلى أن وزارة الخارجية لم تشرك العراقيين على الإطلاق في تحديد ما يحتاجونه وما يرغبون فيه».

ومنذ عام 2003، أنفقت الحكومة الأميركية نحو 8 مليارات دولار على تدريب قوات الشرطة العراقية. كان البرنامج في البداية خاضعا لإشراف وزارة الخارجية، لكن تم نقله إلى وزارة الدفاع في عام 2004 مع احتدام حركة التمرد. غير أن القوة التي تركها الجيش الأميركي كانت مدربة على خوض معركة ضد المتمردين، لا على العمل على أنها منظمة تقليدية لتفعيل القوانين. على سبيل المثال، لا يقوم ضباط الشرطة هنا في العراق بمعاقبة السائقين الذين يتجاوزون حدود السرعة المسموح بها. ويقول بيريتو: «المطلوب في واقع الأمر إعادة هيكلة هذه القوة وتغيير وجهتها بحيث تصبح وكالة تطبيق قانون تخدم دولة ديمقراطية».

* خدمة «نيويورك تايمز»