المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا تقترب من نهاية ولايتها

ملاديتش المتهم ما قبل الأخير سيحاكم الأربعاء بعد 17 عاما على مجزرة سريبرينيتسا

بوسنية تضع ملصقات ورقية على لعب ومتعلقات أخرى تعود لأطفال قتلوا في سراييفو خلال الحرب جرى عرضها بمعرض مخصص لضحايا الحرب في سراييفو.. وذلك قبل أيام من بدء محاكمة ملاديتش (أ.ب)
TT

مع مثول القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش، الأربعاء المقبل، أمام محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، باتت هذه المحكمة قريبة من نهاية ولايتها؛ إذ لن تنظم سوى محاكمة متهم واحد متبق أواخر العام ولم يبق أي متهم ملاحق من قبلها فارا.

وكان مجلس الأمن الدولي قد أنشأ عام 1993 هذه المحكمة المكلفة بمتابعة المسؤولين المفترضين عن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991. وتعمل هذه المحكمة، ومقرها لاهاي، وفق قواعد أخذت بمعظمها من القانون الأنغلوسكسوني وتستخدم أكثر من 800 شخص من 76 جنسية مختلفة. والعقوبة القصوى التي يمكن أن يواجهها المتهمون هي السجن المؤبد، وقد حكمت المحكمة بهذه العقوبة أربع مرات.

وقد وجهت المحكمة الاتهام إلى 161 شخصا لجرائم ارتكبت بين 1991 و2001 ضد أفراد مجموعات عرقية على أراضي يوغوسلافيا السابقة. وبعد توقيف غوران هادجيتش الرئيس السابق لجمهورية كرايينا التي أعلنت استقلالها من جانب واحد (ثلث أراضي كرواتيا الحالية) في 20 يوليو (تموز) 2011 لم يعد هناك أي متهم فار. ولم يبق أمام المحكمة سوى النظر في قضية ملاديتش الذي سيمثل أمام القضاة ابتداء من الأربعاء المقبل، بعد 17 عاما على المجزرة التي كان ضحيتها نحو ثمانية آلاف مسلم في سريبرينيتسا، ثم هادجيتش الذي سيحاكم ابتداء من 16 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وملاديتش، 70 عاما، متهم بشن حملات إبادة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهي التهم نفسها الموجهة إلى نظيره السياسي رادوفان كرادجيتش، 66 عاما، الذي يحاكم في لاهاي منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2009. وتعتبر هيئة الاتهام الرجلين الفاعلين الأساسيين في «منظمة إجرامية مشتركة» عملت على أن «تطرد إلى الأبد» مسلمي وكروات البوسنة من الأراضي التي يطالب بها الصرب في البوسنة والهرسك، بلجوئها إلى حملة اضطهاد.

وكان ملاديتش القائد الرئيسي لجيش جمهورية الصرب في البوسنة والهرسك منذ 1992 إلى 1996 وأعلى رتبة ضابط فيها. وقد اعتقل في 26 مايو (أيار) 2011 في لازاريفو على بعد ثمانين كلم شمال شرقي بلغراد حيث كان يعيش في بيت متواضع مع أحد أقربائه. وتوارى ملاديتش عن الأنظار منذ عام 2000 سنة سقوط الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش الذي توفي خلال محاكمته في لاهاي في 2006. وقد استسلم من دون مقاومة بعدما نجح في الإفلات من العدالة الدولية 16 عاما.

وعند مثوله أمام محكمة الجزاء للمرة الأولى في الثالث من يونيو (حزيران) 2011، بدا ملاديتش رجلا مسنا نحيلا يختلف بشكل كامل عن الجنرال الذي كان يتجول في 1995 في جيب سريبرينيتسا شرق البوسنة. وقتلت قوات صرب البوسنة نحو ثمانية آلاف رجل وفتى مسلم في يوليو (تموز) 1995 في مجزرة وصفت بالإبادة. وملاديتش متهم أيضا بارتكاب إبادة أثناء وبعد الاستيلاء على بلديات في البوسنة إلى جانب تسع جرائم حرب وضد الإنسانية. وسيحاكم أيضا في قضيتي حصار سراييفو الذي قتل خلاله عشرة آلاف مدني وتم احتجاز مائتي جندي ومراقب تابعين للأمم المتحدة في 1995.

وقال الجنرال السابق الذي يدفع ببراءته وقد يحكم عليه بالسجن مدى الحياة، عند مثوله للمرة الأولى أمام القضاء في لاهاي: «دافعت عن بلدي وعن شعبي». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول الموضوع، عن برانكو لوكيتش، محامي ملاديتش قوله إن موكله «ما زال يفكر بالطريقة نفسها ويعتقد أن لا علاقة له بالجرائم وهو واثق من أنه لن تتم إدانته».

ولم يتحدث ملاديتش كثيرا خلال نحو عشر جلسات للإعداد لمحاكمته، وتركز حديثه على شكاوى من وضعه الصحي. وقال المحامي: «إنه مريض بالتأكيد، ولست متأكدا من أنه سيتمكن من حضور خمس جلسات أسبوعيا». والجنرال السابق يعاني من شلل نصفي في الجانب الأيمن من جسمه. وأكد لوكيتش أن «وضعه أفضل حاليا مما كان عليه عند وصوله إلى لاهاي، لكنه لم يتعاف بشكل كامل».

ولا يتوقع أن يدلي ملاديتش بأي تصريح في جلسة الأربعاء، كما قال محاميه. وستبدأ محاكمته بتلاوة محضر الاتهام الأربعاء والخميس قبل أن تستأنف في 29 مايو (أيار) الحالي الاستماع لأول شاهد يطلبه مكتب الادعاء الذي يتوقع أن تستمر المحاكمة ثلاث سنوات. وطلبت هيئة الدفاع عن ملاديتش يوم الجمعة الماضي استبدال القاضي الهولندي الذي يترأس المحكمة المكلفة محاكمة ملاديتش بسبب «انحيازه» وعبرت عن أملها في تعليق المحاكمة في انتظار قرار.

وبمحاكمة ملاديتش ثم هادجيتش، باتت محكمة الجزاء الدولية قريبة من نهاية مهمتها، وستحل مكانها تدريجيا آلية متبقية أي «كيان صغير فاعل مؤقت» يبدأ عمله في 1 يناير (كانون الثاني) 2013 لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بعد مراجعة كل سنتين، بحسب الموقع الإلكتروني لمحكمة الجزاء. وفي البداية ستتعايش المحكمة والآلية المتبقية لأن المحكمة مكلفة بإنهاء المحاكمات وإجراءات الاستئناف المفتوحة قبل 1 يناير 2013. أما الملاحقات أو الطعون التي تستأنف بعد 1 يناير 2013 فستكون، إضافة إلى أخرى، من اختصاص الآلية.