جماعة «الإخوان المسلمين» المستفيد الأكبر من الصراع في سوريا

تكتسب نفوذا متزايدا في الثورة ضد نظام الأسد

عائلة سورية فزعة بعد القصف الذي طال منزلها في باب تدمر بينما يظهر الأب ممسكا بجزء من بقايا قذيفة مورتر أمس (أ.ف.ب)
TT

عقب ثلاثة عقود من الاضطهاد أدت إلى محوها تقريبا، بعثت جماعة الإخوان المسلمون السورية من مرقدها من جديد لتصبح الجماعة المهيمنة على حركة المعارضة المقسمة التي بدأت ثورة ضد بشار الأسد قبل 14 شهرا.

يشغل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنفيون وأنصارهم أكبر عدد من المقاعد في المجلس الوطني السوري، مركز المعارضة الرئيسي. كذلك، يفرضون سيطرتهم على لجنة الإغاثة التي تقوم بتوزيع المساعدات والأموال على السوريين المشاركين في الثورة. هذا، وتنهض جماعة الإخوان المسلمين بمسؤولية إرسال التمويل والأسلحة للثوار، الذين واصلوا الاشتباك مع القوات السورية يوم السبت، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي فرضته الأمم المتحدة عبر وساطة من مبعوثها قبل شهر.

وتسجل عودة ظهور جماعة الإخوان المسلمين استعادة لمكانة جماعة كانت قد أبيدت تقريبا بعد آخر ثورة اندلعت في سوريا، التي انتهت بقتل القوات الحكومية 25.000 شخص في مدينة حماه عام 1982. ولم ينج من عملية التطهير إلا هؤلاء الذين تمكنوا من الفرار إلى خارج البلاد.

يثير صعود جماعة الإخوان المسلمين مخاوف في بعض دول الجوار - وفي المجتمع الدولي الأوسع نطاقا - من احتمال أن يتبع انهيار النظام الحاكم المنتمي إلى الأقلية العلوية في دمشق إمساك حكومة سنية بتلابيب السلطة، لتتحول سوريا إلى منطقة تعج بالقلاقل، مثلما حدث في مصر وتونس. في هاتين الدولتين، فازت الأحزاب المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التي أجريت بعد الثورة.

ويقول قادة «الإخوان» إنهم يسعون إلى التواصل مع دول جوار سوريا؛ ومن بينها الأردن والعراق ولبنان - وأيضا مع دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين - بهدف طمأنتهم إلى أنهم لا ينتوون السيطرة على النظام السياسي السوري في المستقبل أو إقامة أي شكل من أشكال الحكومات الإسلامية.

يقول ملهم الدروبي، وهو عضو بقيادة جماعة الإخوان المسلمين وعضو بلجنة الشؤون الخارجية التابعة للمجلس الوطني السوري: «هذه المخاوف ليست مشروعة حينما يتعلق الأمر بسوريا لأسباب عدة»، وتابع: «أولا، نحن حركة إسلامية معتدلة مقارنة بحركات أخرى بشتى أنحاء العالم. نحن أصحاب عقول متفتحة». وأضاف: «وأنا شخصيا لا أظن أننا نستطيع أن نسيطر على السياسة في سوريا، حتى وإن شئنا ذلك. فليست لدينا الإرادة أو الوسائل».

تتضح عوامل، تثير مخاوف أكبر بالنسبة للولايات المتحدة ودول غربية أخرى، في المؤشرات الأخيرة الدالة على أن المتطرفين يسعون إلى فرض سيطرتهم على الثورة، هذا ما قاله آندرو تابلر من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». لقد حمل التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع الأسبوع الماضي في دمشق، الذي سقط فيه 55 قتيلا في ظل ظروف تذكر بأسوأ أحداث العنف التي وقعت في العراق، سمات هجوم من قبل تنظيم القاعدة، على نحو يعمق شكوك مفادها أن المسلحين ينتقلون من العراق إلى سوريا. وفي يوم السبت، أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم «جبهة النصرة» مسؤوليتها عن الهجوم في بيان نشر على موقع إلكتروني خاص بالجماعات الجهادية.

إن جماعة الإخوان المسلمين تتوق لعزل نفسها عن الجهاديين، الذين لا تتشابه رؤيتهم المتطرفة عن قيام خلافة إسلامية والتي تعم أرجاء العالم، مع فلسفة الجماعة. ومع بدء الجماعة في توزيع أسلحة داخل سوريا، من خلال تبرعات من أعضاء فرديين ومن دول، سوف تذهب إلى أبعد مدى لضمان عدم استحواذ المتطرفين عليها، بحسب الدروبي.

قال الدروبي: «لدينا شبكاتنا الخاصة على الأرض، ونحن نتأكد من أنهم لا يوزعون أسلحة على أي أفراد خلاف الثوار». ويشدد قادة آخرون أيضا على اعتدال سياسات الجماعة، حتى مقارنة بحركة الإخوان المسلمين الأصلية التي نشأت في مصر، التي لا ترتبط بها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ارتباطا وثيقا.

قد تدعم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تدخل حلف الناتو من أجل مد يد العون للمعارضة في الإطاحة بالأسد، وقد نشرت بيانا رسميا توجز فيه رؤيتها لدولة ديمقراطية مستقبلية لم تورد فيه أية إشارة للإسلام، وتؤكد فيه على الحريات الفردية، بحسب محمد فاروق طيفور، نائب المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا ونائب رئيس المجلس الوطني السوري ورئيس لجنة الإغاثة بالمجلس، الأمر الذي ربما يجعله الشخصية الأكثر نفوذا في صفوف المعارضة.

وقال: «لم يجتث النظام في تونس ومصر الحركة الإسلامية كما فعل النظام في سوريا»، مشيرا إلى قانون عام 1980 الذي جرم الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وجعل عقوبتها الإعدام. وأضاف: «استنادا إلى هذا، لا أتوقع أن تحظى الحركة بكل هذا الدعم بعد سقوط النظام».

تاريخ سوريا الطويل من العلمانية وما يرتبط بها من أقلية رئيسية، يجعل من الصعب على الإخوان المسلمين الهيمنة بالشكل الذي حدث في مصر أو تونس، على حد قول محللين ونشطاء. ويتوقع الدروبي أن يفوز «الإخوان» بنحو 25 في المائة من الأصوات في حال إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة. ويرى الخبراء أن هذا مدعاة للتفاؤل. وينتمي ثلث السوريين إلى أعراق وطوائف دينية مختلفة، حيث يوجد مسيحيون وعلويون وشيعة وأكراد يشعرون جميعا بالقلق من احتمال بزوغ نجم السنة.

ويرى يزيد الصايغ من «معهد كارنيغي للسلام» في بيروت أن قصور باقي أطياف المعارضة هو سبب نجاح «الإخوان» في تقديم نفسها بصفتها المجموعة الوحيدة الوطنية في وقت تلتف فيه أكثر القيادات الداخلية للثورة حول لجان محلية ليس بينها أي تنسيق. وقال: «لا يوجد حزب سياسي منظم الصفوف على مستوى الدولة سوى الإخوان المسلمين». ويعد تزويد المقاتلين بالسلاح والمال من أكبر مباعث قلق العلمانيين السوريين؛ حيث يخشون أن يمنح هذا الإخوان المسلمين سيطرة في غير محلها على مسار الثورة أو مستقبل البلاد عقب رحيل الأسد في حال سقوط النظام.

وقال عامر العظم، معارض سوري وأستاذ تاريخ في جامعة شوني في أوهايو: «أداء الإخوان المسلمين بارع حقا، فقد نأوا بأنفسهم عن التطرف ويحاولون اتخاذ نهجا وسطيا». ورفض عامر العظم الانضمام إلى المجلس الوطني السوري لشعوره بخضوعه للإسلاميين. وأضاف قائلا: «إنهم يحاولون بأقصى وسعهم ضمان تدخلهم في كل صغير وكبيرة». ولا تدعم الغالبية العظمى من النشطاء السوريين على الأرض الإخوان المسلمين كما يوضح العظم وسوريون آخرون.

وقال عمر الخاني، ناشط باسم مستعار وعضو اتحاد منسقي الثورة السورية في دمشق: «لا نريد أن يحدث في سوريا ما حدث في مصر». وقبل هو وزملاؤه تبرعات قليلة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين يقيمون خارج البلاد، لكن لم تؤثر هذه الأموال على نفوذ الجماعة في منطقة دمشق، على حد قوله. وأضاف: «لن نسمح للمقيمين خارج البلاد بأن يأتوا إلى هنا ويملوا علينا، نحن صناع الثورة، أوامرهم».

رغم أن الدعم الذي يحظى به الإخوان المسلمون داخل سوريا يبدو محدودا، فإن النشطاء يقولون إنه يزداد مع استمرار الثورة. وقال مصعب الحمادي، ناشط في حماه وعضو لجان التنسيق المحلية ذات التوجه العلماني: «لدى الإخوان المسلمين موارد، ويمكنهم طلب المساعدة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج. إن تاريخهم طويل، في حين أن التنظيمات الأخرى مثلنا ما زالت ناشئة»، وأضاف: «أما من جهة الدين، لا يتقبل أكثر السوريين الإسلام السياسي، لكنهم مسلمون محافظون، مما يجعلني أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين ستصبح أكبر قوة سياسية في سوريا بعد رحيل الأسد. وسأكون أنا الخاسر الأكبر».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»