الوجه الجديد للدبلوماسية الفرنسية: وزن ثقيل تنقل بين عدة وزارات

لوران فابيوس: الحكومات تتعاقب.. ومصالح فرنسا ثابتة

فابيوس (إ.ب.أ)
TT

خلال احتفال التسلم والتسليم القصير الذي جرى في حديقة وزارة الخارجية الفرنسية صباح أمس بين الوزير المغادر ألان جوبيه والوزير الحالي لوران فابيوس، داعب الثاني الأول بقوله إن «وجوه الشبه بيننا كثيرة ولا تختصر فقط في المظهر الخارجي الذي يسعد رسامي الكاريكاتير»، في إشارة إلى صلعتي كليهما. فالوزيران اللذان ينتميان إلى الجيل نفسه (65 عاما لفابيوس و67 عاما لجوبيه) يعتبران من الألمع؛ كل في معسكره السياسي. فالرئيس السابق جاك شيراك كان يقول عن جوبيه إنه «الأكثر تألقا» من بين كل وجوه الحزب الديغولي الذي أطلقه وأوصله إلى السلطة. وفابيوس أصبح وهو في سن الـ37 أصغر رئيس حكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية بين عامي 1983 و1985 بإرادة الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. وشغل جوبيه المنصب نفسه بين عامي 1995 و1997 بإرادة الرئيس شيراك. وقبل ذلك، تدرج كل منهما في المناصب الوزارية قبل أن يصل إلى رئاسة الحكومة.. جوبيه شغل سابقا حقائب وزارية عديدة؛ منها المالية، والخارجية، والبيئة، والدفاع، ليعود إلى الخارجية في آخر عهد الرئيس ساركوزي. وفابيوس تنقل بين وزارات المالية والصناعة والبحث العلمي والاقتصاد فضلا عن أنه شغل مرتين منصب رئيس البرلمان.

يجر فابيوس الذي يعد من أكثر السياسيين تأهيلا أكاديميا وراءه 31 عاما من الخبرة السياسية وممارسة المسؤوليات في أعلى مناصب الدولة. وكان طموح هذا الرجل الذي يهوى الفروسية والذي يعتبر من «فيلة» الحزب الاشتراكي؛ أي من الأوزان الثقيلة فيه، يدفع به إلى الترشح لرئاسة الجمهورية. وفي عام 2007، سعى لأن ينال ترشيح الحزب الاشتراكي له للمنافسة الرئاسية. غير أنه كان عليه أن يمر عبر الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الاشتراكي حيث نافسه دومينيك ستروس - كان، مدير عام صندوق النقد الدولي ورجل الفضائح الجنسية، وخصوصا سيغولين رويال. وكانت النتيجة أن رويال سبقت منافسيها ليتبدد حلم فابيوس الرئاسي. وفي الأشهر التي سبقت الاستحقاق الرئاسي، نأى فابيوس بنفسه جانبا لأنه وجد أن حظوظه معدومة؛ فدعّم ترشيح ستروس - كان. وبعد أن خرج الأخير من المنافسة، وقف إلى جانب مارتين أوبري وبوجه فرنسوا هولاند. ولكن فابيوس أنقذ نفسه بعد فوز هولاند على أوبري في الانتخابات الاشتراكية التمهيدية بأن وضع خبرته وإمكاناته تحت تصرف المرشح الجديد، مما يعني أن وزير الخارجية الحالي ليس من المقربين من ساكن قصر الإليزيه ولا من أوائل مناصريه. ولكن هولاند قلب الصفحة واستعان بفابيوس في بلورة برنامجه الانتخابي ولتحديد أولويات العهد الجديد كما أنه كلفه بمهمات دبلوماسية في بلدان الشرق الأوسط واليابان والصين وغيرها.

وقبيل التسلم والتسليم، قال فابيوس لقناة «بي إف إم تي في» الإخبارية الفرنسية إن وزارة الخارجية هي الوزارة «الوحيدة» التي كان يمكن أن يقبلها، مضيفا أنه «يتعاون مع فرنسوا منذ وقت طويل في الملفات الدولية». وكشف فابيوس أن هولاند اتصل به بعد انتخابه مباشرة وسأله عن الحقيبة التي يرغب بها، وكذلك فعل رئيس الحكومة جان مارك أيرو، وأنه حصل على ما يريد بعكس أمينة عام الحزب الاشتراكي التي لم تقبل أية حقيبة وزارية لأنها كانت ترغب في رئاسة الحكومة وإلا «فلا معنى» لوجودها في الوزارة.

وستكون أول مهمة خارجية للوزير الجديد مرافقة الرئيس هولاند إلى الولايات المتحدة حيث سيلتقي بداية الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض قبل المشاركة في قمة مجموعة الثماني في كامب ديفيد ثم في القمة الأطلسية بمدينة شيكاغو. ولا يتوقع المطلعون على تفاصيل ملفات الدبلوماسية الفرنسية حدوث تغيرات «حادة» في مواقف باريس من القضايا الساخنة باستثناء الملف الأفغاني؛ حيث يريد الرئيس الجديد سحب وحدات بلاده الموجودة هناك بنهاية العام الحالي، بينما كان الرئيس السابق يخطط لإنجازه نهاية عام 2013.

وأمس، قال فابيوس إن عددا من معالم السياسة الخارجية الفرنسية «لن يتغير» لأنه «إن تغيرت الحكومات بفعل نتائج الانتخابات، فإن مصالح فرنسا ثابتة». وكان جوبيه قد أشار إلى أنه من بين الأزمات التي تترك له طعما مريرا، أزمة سوريا. ووصف جوبيه مهمة المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان بأنها «الفرصة الأخيرة» التي قال عنها إنها «لا يمكن أن تدوم إلى الأبد». وأشار جوبيه، من ناحية أخرى، إلى أن مهمة فرنسا في منطقة المغرب العربي وبلدان الساحل هي «تعبئة دول المنطقة» من أجل محاربة «فرع» تنظيم القاعدة في المنطقة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».

وكانت مصادر دبلوماسية فرنسية أفادت بأن الحكومة الجديدة ستعمد إلى «مراجعة» السياسة الخارجية الفرنسية. لكنها استبعدت أن تقلب رأسا على عقب خصوصا بصدد الأزمات المرتبطة بالشرق الأوسط والمنطقة العربية. غير أن تقارير غير رسمية أفادت بأن باريس، رغم استمرارها في نهج متشدد إزاء إيران، فإنها ربما تتخلى عن الموقف الذي وصفته بـ«الحاد» الذي التزمت به فرنسا إزاء هذا الملف، حيث كانت تعتبر نفسها «حارسة الهيكل» وتنتهج سياسة أقرب إلى سياسات اليمين الإسرائيلي الممثل في الليكود.