مطربون وملحنون ومثقفون يودعون وردة الجزائرية «عصفورة الطرب العربي»

جثمانها اكتسى بعلمي مصر والجزائر.. وطائرة عسكرية نقلتها لتدفن في مقابر الزعماء

TT

«سأظل أغني حتى آخر نفس في حياتي».. هكذا كانت تردد دائما المطربة الراحلة وردة الجزائرية التي غيبها الموت عن عالمنا مساء أول من أمس عن عمر يناهز 73 عاما، على أثر أزمة قلبية تعرضت لها في منزلها بحي المنيل على ضفاف نيل القاهرة.. ورحلت وردة صاحبة «يا نخلتين في العلالي» و«وبتونس بيك» و«أنا على الربابة بغني» وطوت عصفورة الطرب العربي «حكايتها مع الزمان»، بينما ظل عطاؤها الفني يحرسها ويظلل عليها حتى وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، مودعة حياة عاشتها بالأمل والحب والعطاء، وجمَّلتها بباقة خالدة من أروع الأغنيات ستظل باقية في تراث الطرب العربي الأصيل.

ويبدو أن وردة كانت تشعر في أيامها الأخيرة بأنها غريبة عن الزمن الذي نعيشه حاليا، حيث صورت في أواخر حياتها «كليب ديو» غنائي مع المطرب عبادي الجوهر بعنوان «زمن ما هو زماني» والتي تقول في أحد مقاطعه «على نفسي ترى عتبي ولومي، ولا بعتب ولا بشكي الثاني.. أنا ايش إلى بقا لي غير يومي، لقيته في زمن ما هو زماني».

ورحلت وردة بعد شهور قليلة من طرحها لآخر ألبوم غنائي لها بعنوان «اللي ضاع من عمري» تعاونت فيه مع العديد من الشعراء والملحنين منهم مروان خوري ومحمد يحيى وخالد عز.

برز حب وردة الشديد للغناء حينما منعها زوجها جمال قصيري أحد رجال الدولة البارزين في الجزائر من الغناء، فظلت تغني فقط في منزلها ويداعب ذاكرتها نجاحها الفني وتصفيق الجمهور لها، وعندما فاض بها الكيل أخبرت زوجها برغبتها في العودة للغناء، حينئذ خيرها بين العودة للغناء أو الطلاق فاختارت عالم الموسيقى والطرب وعادت له مرة أخرى بعد اعتزالها سنوات قصيرة، حيث عادت وردة إلى الغناء عام 1972 لتغني في عيد استقلال الجزائر.

وكانت النجمة الراحلة في صغرها تحلم بأن تصبح مطربة كبيرة حيث ولدت عام 1939 لأب جزائري وأم لبنانية، وبدأت مشوارها الغنائي في فرنسا لتعيد تقديم أغاني أم كلثوم وأسمهان وعبد الحليم حافظ، وكان يشرف على تعليمها المغني التونسي الصادق ثريا في نادي والدها في فرنسا.

اسمها الأصلي وردة محمد فتوكي، وجاءت شهرتها الفنية عندما جاءت إلى مصر بدعوة من المخرج حلمي رفلة، حيث قدمها للجمهور المصري من خلال فيلم «ألمظ وعبده الحامولي» عام 1960، وطلب رئيس مصر الأسبق جمال عبد الناصر أن يضاف لها مقطع في أوبريت «وطني الأكبر» مع شادية وصباح وغيرهما من النجوم ليصبح الأوبريت أول تعبير غنائي يشكل إطارا وجدانيا عربيا فنيا يعبر عن القومية العربية.

وزاد تألقها الغنائي عقب زواجها من الموسيقار الراحل بليغ حمدي لتبدأ معه رحلة غنائية وسينمائية، وقدمت معه العديد من روائعها الغنائية منها «العيون السود» و«حنين» و«خليك هنا» و«وحشتوني» والتي زادت كثيرا من شعبيتها، وتعاونت وردة مع العديد من الملحنين وكأنهم يستخرجون منها في كل عمل فني أفضل رحيق، حيث تعاونت مع رياض السنباطي الذي لحن لها أغنيتها الشهيرة «لعبة الأيام» ولحن لها سيد مكاوي رائعة «أوقاتي بتحلو»، كما قدمت عددا من الأعمال الناجحة مع الموسيقار صلاح الشرنوبي كان من أشهرها أغنية «بتونس بيك»، كما قدمت كذلك أفلاما رائعة منها «أميرة العرب»، و«حكايتي مع الزمان»، و«صوت الحب»، وكان آخر أعمالها السينمائية عام 1994 في فيلم «ليه يا دنيا»، وآخر عمل فني درامي شاركت فيه كان مسلسل «آن الأوان» عام 2006.

لم تسلم كنجمة خلال مشوارها من مطاردة الشائعات وكان أبرزها شائعة علاقتها بالمشير الراحل عبد الحكيم عامر وزير الدفاع في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، حيث بدأت خيوط تفاصيل تلك الشائعة تعرف طريقها إلى أذان الجمهور والإعلام بعدما التقى عامر وقتها وردة في طريق عودته إلى دمشق بعد رحلة إلى مصيف بلودان، حيث كانت المطربة في طريقها إلى دمشق ولكن سيارتها تعطلت فأمر المشير بتوصيلها إلى المكان الذي تقصده، ولم تكن وردة معروفة في مصر حينئذ وألحت أن تنقل للمشير رغبتها في مقابلته لتقدم له الشكر، وحضرت بالفعل إلى استراحة المشير عبد الحكيم عامر في منطقة أبو رمانة بدمشق، وأدت تلك الشائعة إلى إصدار قرار من جمال عبد الناصر بمغادرتها لمصر، لكن النجمة نفت قبل رحليها تلك العلاقة تماما، وهو ما أكده الموسيقار حلمي بكر لـ«الشرق الأوسط» حيث قال إن كل الشائعات التي ترددت حول أنه كانت هناك علاقة بينها وبين عامر غير صحيحة على الإطلاق، والأمر يقتصر فقط على أن أخو المشير كان يسكن معها في نفس العقار، فروج بعض رجال الإعلام لهذه الشائعة المغرضة.

كما طاردت وردة شائعة أخرى كبيرة هي أن النجمة سميرة سعيد كانت السبب في طلاقها من زوجها الثاني بليغ حمدي بعد 7 سنوات من الزواج، وهو ما نفته أيضا في أواخر حياتها حيث كشفت عن أن غيرة الملحن المصري سبب طلاقها حيث كان يغضب عندما كانت تغني من ألحان فنان غيره وأبرزهم سيد مكاوي، وقالت إن طلاقها لم يكن بسبب سميرة، ولكنه القدر، فهو كان زوجا فاشلا، ولكنه كان فنانا عظيما.

وكما كانت الراحلة أيقونة في الغناء العربي واهتزت على صوتها مشاعر الكثيرين من معجبيها، جاء خبر وفاتها بمثابة الصدمة على الفنانين المصريين والجزائريين والعرب، وذلك على المستوى الشعبي والسياسي أيضا.

وغادر جثمان المطربة الراحلة بعد ظهر أمس مطار القاهرة الدولي إلى الجزائر وذلك، على متن طائرة حربية خاصة أرسلها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وسادت حالة من الحزن العميق داخل المطار بين محبيها الجزائريين والمصريين، وتعالت الصيحات المودعة لها والهتافات من محبيها الذين جاءوا لوداعها بمطار القاهرة الدولي، بينما انهمرت الدموع من عيون الكثيرين. وتم إنزال جثمان وردة ملفوفا بعلمي مصر والجزائر من السيارة التي نقتله ليتم شحنه على الطائرة الجزائرية الخاصة والتي أقلعت به لدفنه في الجزائر، ورافق الجثمان أثناء السفر من القاهرة إلى الجزائر نذير العرباوي سفير الجزائر بالقاهرة وبصحبته شخصان من طاقم السفارة.

صاحب الجثمان مجموعة من الفنانين والإعلاميين المصريين ورجال السياسة، من بينهم الإعلامي وجدي الحكيم الذي تجمعه علاقة صداقة قوية بالفنانة الراحلة، وقال إنها كانت ترغب دائما في أن تموت في مصر وعبرت له عن رغبتها تلك في عدة لقاءات جمعتهما معا، وجاء أيضا لتوديعها النجم هاني شاكر الذي بكى كثيرا لوفاة المطربة خصوصا أنه كانت تجمعهما علاقة طيبة وكان جارها في عمارة المنيل التي رحلت بها، موضحا أنها كانت فنانة عظيمة ومن يتعامل معها يجدها «طفلة» وتتعامل بحب وتلقائية مع الجميع، ورحيلها خسارة كبيرة للوسط الفني في الوطن العربي.

كما كان في وداع وردة بالمطار الفنان هاني مهنى، وممدوح الليثي، ولبلبة، وصلاح الشرنوبي الذي لم يستطع الكلام بسبب حزنه الشديد على وفاة المطربة، كما حضر المنتج محسن جابر، الذي كشف عن نيته إقامة عزاء خاص لوردة في مصر بمسجد الحامدية الشاذلية بمنطقة المهندسين، لأن الفنانة ستدفن في الجزائر، وجاء أيضا النجم محمود ياسين، وسامح الصريطي والعديد من نجوم الوسط الفني الذين جاءوا في مسيرة فنية حاشدة انطلقت من مسجد صلاح الدين بمنطقة المنيل إلى منزل الراحلة وردة الجزائرية عقب صلاة الجمعة للصلاة على جثمانها.

وفي اتصال هاتفي عبر المطرب مدحت صالح لـ«الشرق الأوسط» عن حزنه الشديد لفقدان النجمة العربية التي أحيا معها ثاني حفل غنائي له في بداية مشواره الفني، وكانت تشجعه دائما في بدايته على الغناء ويعتبرها بمثابة «والدته» ولمس فيها التواضع الشديد رغم أنها كانت قيمة فنية كبيرة، وأشار مدحت إلى أن تاريخها الفني باق وهو ما سيجعلها موجودة مع جمهورها دائما.

بينما قال النجم محمد فؤاد لـ«الشرق الأوسط» إنه تخيل في البداية أن خبر رحيل وردة مجرد شائعة ولم يصدق نفسه إلا بعدما تداولت الصحف والمواقع الإلكترونية الخبر الذي جاء صادما له، بينما عبر أيمن بهجت قمر عن حزنه الشديد على فقدان المطربة الراحلة التي لن تتكرر في الوطن العربي فهي صاحبة صوت مميز أجمع كل الناس على جماله، سواء المثقف أو الجاهل والكبير والصغير، وأشارت المطربة سميرة سعيد إلى أنها كانت تستمع دائما إلى أغاني وردة في خلوتها، وعبرت عن حزنها لفراقها وكذلك المطربة السورية أصالة نصري التي بكت فور سماعها الخبر وتأثرت بشدة لرحيل نجمة الغناء العربي صاحبة الرحيق الخاص وردة الجزائرية.