وزارة النفط العراقية تخرج بابل من التاريخ بمد أنبوب نفط بين آثار المدينة القديمة

رئيس هيئة الآثار لـ«الشرق الأوسط»: مد الأنبوب يخرب السور الخارجي وقصر نبوخذ نصر في المدينة التاريخية

TT

صراع كبير وجدل ما زال مشتعلا بين وزارتي النفط والسياحة والآثار العراقيتين، وصل إلى حد التراشق بالأعيرة النارية وإقامة دعاوى قضائية من الطرف الأخير لإنقاذ السور الخارجي لمدينة بابل الآثارية من أعمال تخريب بسبب مد أنابيب النفط التي تخترق المدينة، مما يعني فشل محاولات إدراج المدينة على لائحة التراث العالمي لاختراق أصالة الموقع التاريخي بأعمال بناء حديثة، إضافة إلى تقييد حركة السياح والزوار وما يسببه من تلوث للبيئة. في حين ما زالت وزارة النفط تشدد على عدم مساس أنبوبها بأي آثار عراقية.

رئيس هيئة الآثار والتراث، قيس حسين، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «وزارة النفط العراقية تجاهلت كل المخاطبات والمناشدات التي وجهت لها لمنعها من مد الأنبوب عبر آثار بابل، أو تغيير مساره إلى مجال أبعد، وكذلك دعتهم المخاطبات التي وجهت لهم من قبل مكتب رئيس الوزراء بعد تأييدهم عدم جواز تنفيذ المشروع وأهمية تغيير مسار خط التصدير، إلا أن الأعمال لا تزال جارية بهدف بناء خط استراتيجي لتصدير النفط يمر عبر ست محافظات في وسط البلاد وجنوبها».

وأضاف أن «شرطة آثار بابل تحاول منذ فترة منع العاملين بمد الأنبوب من مواصلة عملهم، ووصل الأمر إلى حد التصادم والشروع في إطلاق النار ما بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يجدِ في إيقاف العمل».

وعن أضرار استمرار مد الأنبوب يقول حسين: «ذلك يعني اختراق جدار قلعة بابل، وهو ما يتسبب بضرر مباشر بأجزاء كبيرة من القلعة وقد يؤدي إلى هدمها، إلى جانب التعرض إلى مخاطر التلوث البيئي، ناهيك عن الخطر الأكبر من احتمال عدم إدراج بابل على لائحة التراث العالمي، لكن بعض أعضاء مجلس محافظة بابل والمنتسبين في وزارة النفط أيدوا مد الأنبوب على الرغم من توضيحاتنا، بذريعة حل مشكلة أزمة الوقود في المحافظة وعدد من محافظات الفرات الأوسط».

وحول الدعوى القضائية يقول رئيس هيئة الآثار والتراث إن «قانون الهيئة يتضمن بنودا قانونية مهمة تحاسب من يقوم بأي أعمال لها مساس بالآثار والتراث وتضر بها، وهو ما نستند إليه في دعوانا القضائية المقامة حاليا ضد وزارة النفط العراقية»، مشيرا إلى أن «الآثار الموجودة في باطن أرض مدينة بابل الأثرية لا تقل ثمنا وأهمية عن احتياطي النفط غير المكتشف بعد، إذ تقول البروفسورة فون أيسن إن (ما تم كشفه من آثار بابل حتى الآن لا يعدو قطرة ماء على صفيح ساخن، وأمامنا 500 سنة من العمل كي نفي بأهداف البحث في بابل)».

من جهته دافع مسؤول شركة خطوط الأنابيب بوزارة النفط، مؤيد السلطاني، عن تلك الاتهامات في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إن الأنبوب تم إنشاؤه في نفس المنطقة التي يمر بها أنبوبان آخران، أحدهما لنقل الغاز والآخر لنقل المشتقات النفطية منذ عام 1975»، مؤكدا أن «هذه المنطقة تعتبر من المحرمات التي توجب الابتعاد عنها لمسافة 300 متر، وأن عمليات الحفر للأنبوب التي تمت يدويا لم تكشف عن وجود أي آثار تذكر».

وتضم مدينة بابل الآثارية آثارا مهمة مثل أسد بابل وبقايا قصر الملك نبوخذ نصر الثاني، والتي لا تزال شاخصة ببعض جدرانها المرتفعة من الطابوق المتهالك ذي اللون الأحمر والترابي، كما تم العثور بين خرائبها على أهم وأول مسلة للقوانين المدنية سنها الملك البابلي الشهير حمورابي، لكن هناك بناء جديد فوق الآثار القديمة، أنشأه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين خلال الثمانينات عندما أمر بإعادة تشييد مدينة بابل فوق الآثار القديمة، فأصبح هذا الموقع الأثري القديم عبارة عن مزيج من بقايا المدينة التاريخية وما تم بناؤه فوقها. ويصعب التمييز بين القديم والحديث.

وتعاني المباني التراثية والأثرية بالعراق من تعرضها للإهمال والهدم، حيث أفادت إحصائية بأن قرابة أربعة آلاف مبنى تراثي تعرض للهدم، وهو ما دفع الهيئة العامة للآثار لمطالبة الحكومة والبرلمان بتشريع قوانين صارمة تمنع هدم المواقع التراثية والأثرية.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) زارت موقع بابل الأثري وأعدت خطة بعد أن قدمت دراسة لتحليل التربة وإنقاذ المواقع التي تدهورت من أجل إعادة إدراج آثار بابل ضمن لائحة التراث العالمي.

وقامت السلطات العراقية عام 1988 ببعض أعمال الصيانة لآثار بابل، إلا أن اليونيسكو بعد معاينتها ذكرت أن الترميمات «لا تتطابق» والمعايير الدولية التي تتعامل بها في تهيئة الآثار، إذ استخدمت مواد مخالفة للمواد الأصلية التي استعملها البابليون، وبينها قطع حجر مكتوب عليها عبارة «من نبوخذ نصر إلى صدام حسين المجيد بابل تنهض من جديد»، وعلى ضوئها أوصت اليونيسكو بعدم إدراج مدينة بابل الأثرية ضمن لائحة التراث العالمي.

وكانت القوات الأميركية اتخذت بعد سنة 2003 من موقع بابل الأثري مقرا لها، فضلا عن قيام مجلس المحافظة للدورة السابقة بافتتاح مدينة للأعراس في موقع بابل الأثري، على الرغم من اعتراض الهيئة العامة للآثار.

يذكر أن كلمة بابل تعني في اللغة الأكادية «باب الإله»، كما سميت بابل بأسماء عدة منها «بابلونيا»، وأرض بابل ما بين النهرين، وتعد الحضارة البابلية استمرارا للحضارات العراقية القديمة بعد أن ورثت حضارة سومر، وكانت بابل القديمة عاصمة الدول الأمورية والبحرية والكيشية، أما بابل الثانية فكانت عاصمة الدولة الكلدانية.