خصصت نهى سلطان ما يقرب من 9 آلاف ريال من مهرها لتزيين جهازها (دبشها) قبل أن ترسله لبيت الزوجية، معللة ذلك بأنه سيكون تحت أنظار أهل زوجها حين وصوله لمنزلها.. فالعادة عند بعض الأسر في السعودية، وبخاصة أهل الحجاز، أن يستقبل أهل الزوج «دبش» عروس ابنهم عندما ترسله مع والدتها وبعض من نساء عائلتها إلى منزلها، مصحوبا بزفة. وغالبا ما يهتم أهل العروس بجهاز ابنتهم بشكل كبير لأنه يعكس صورتها وقيمتها أمام أهل الزوج.
تبدأ رحلة العروس شراء جهازها بعد الخطبة، ولا تنتهي إلا قبل موعد الزفاف بشهر، ومن ثم تتفرغ للتجهيز لحفل الزفاف.
و«دبش» هي كلمة حجازية تعني جهاز العروس والأغراض التي قامت بشرائها قبل موعد الزواج، من ملابس وحلي وأحذية ومكياج. أما تزيين «الدبش» فهو أمر قديم في المجتمع السعودي، وتحديدا لدى أهل الحجاز، وإن شهد بعض التغير في الآونة الأخيرة. فقد جرت العادة دائما أن يتوجه أهل العروس بجهاز ابنتهم لمنزلها قبل موعد الزفاف، حيث تقوم والدتها بمساعدة نساء من العائلة بوضع كل قطعة في المكان المخصص لها، إلا أن الأمر بات اليوم مكلفا بعض الشيء الآن، فالعروس ترغب بتغليف وتزيين «دبشها» بأغلى أنواع الزينة من أقمشة مرصعة بقطع من الكريستال والأحجار الكريمة واللؤلؤ، مما جعل هذه الزينة مكلفة للغاية.
توضح العروس نهى سلطان أنها عمدت إلى تغليف «دبشها» وتزينه بوضعه في سلال وصناديق خصصت لكل قطعة منه، وغلفتها بأرقى أنواع الأقمشة والكريستالات، إضافة إلى أنها زينت كل قطعة من المكياج والعطور والإكسسوارات بأدوات مخصصة لذلك. تشرح: «أصبح تزيين (الدبش) أمرا أساسيا للعروس العصرية قبل إرساله إلى بيت الزوجية، لذلك اقتطعت مبلغا من المهر لهذا الأمر، وبخاصة أن مواد الزينة باتت مرتفعة الأسعار».
ونظرا لكثرة الإقبال على تغليف وتزيين «الدبش» خصصت محلات الزينة في السعودية قسما لهذا الغرض، وبين ماجد الحارثي صاحب معرض «غاردينيا فلاورز»، الذي يعمل في مجال تغليف وتزيين الهدايا منذ أكثر من 25 سنة، أن فكرة تغليف وتزيين «دبش» العروس قديمة نوعا ما، ولكنها لم تكن بهذه التكلفة، حيث كانت العروس في السابق تكتفي بوضع شريط وبعض الورود على الصندوق الذي يوضع داخله «الدبش».
وأضاف الحارثي أن ما يقرب من 50 في المائة من العرائس الآن اللاتي يترددن على المحل يطلبن تزيين الـ«دبش» كاملا، وقال: «لم تعد الزينة البسيطة ترضي عروس اليوم، حيث أصبحت تطالب بتزيين كل قطعة ابتداء من الملابس والأحذية وانتهاء بالمكياج والإكسسوارات والعطور أيضا».
وتبدأ عملية التزيين قبل موعد الفرح بشهر على الأقل، إذ يتسلم الحارثي والعاملون معه «الدبش»، فيقترح على العروس أحدث أنواع الزينة والأشكال والطرق المبتكرة، لتختار ما يناسبها منها، علما بأنه لا توجد موضة محددة للتزيين بقدر ما هناك حاجة للابتكار. ومع ذلك، هناك من العرائس من تأتي ولديها صورة واضحة عن شكل الزينة التي تريدها.
وحول الألوان التي ترغبها العروس، يقول الحارثي إن اللون الأبيض يكون من أولوياتها، بينما تميل بعضهن لإدخال ألوان أخرى مثل الوردي أو الأحمر، خصوصا أنه لا يوجد لون محدد يجب التقيد به. وعموما فإن العروس تحرص على استخدام أفخم الخامات حتى يظهر «الدبش» بشكل لائق أمام أهل الزوج، وبالتالي تميل إلى تزيينه بقطع الكريستال أو الترتر والأحجار الكريمة، مثل اللؤلؤ مع قطع الأورغنزا. ويلاحظ أن الطلب على أقمشة الدانتيل تراجع بالمقارنة.
أما من حيث الأسعار فهي تختلف وفقا للخامات وكمية «الدبش» المطلوب تزينه، حسب ما يقول الحارثي، «فسعر تزيين الصناديق التي يوضع داخلها (الدبش) بسيط على العكس من سعر تزيين كل قطعة على حدة. فهذه تكون أعلى، عدا أننا نأخذ بعين الاعتبار المواد والأقمشة المستعملة أيضا. تبدأ الأسعار من 8 آلاف ريال لتصل إلى أكثر من 50 ألف ريال، بينما كان أغلى سعر لتزيين (الدبش) 90 ألف ريال. والسبب أن العروس طلبت تزيين (دبشها) كاملا بالأحجار الكريمة ووضعها على كل قطعة، إضافة إلى أن قطع (الدبش) كانت كثيرة».
من جهتها تعلق، أم إسراء التي تعمل في هذا المجال منذ 4 سنوات أن تزيين وتجهيز «الدبش» عادة قديمة اندثرت في السعودية في فترة من الفترات، لكنها عادت في الآونة الأخيرة بشكل مختلف ومتطور، «كباقي العادات التي دخل عليها شيء من الحضارة».
وعادة ما تستخدم أم إسراء الخامات التي تناسب العروس في محاولتها ابتكار أشكال جديدة للتزيين، لأنها تعرف أن كل عروس ترغب في زينة مختلفة وفريدة وبتكلفة أقل، لا سيما أن العروس تقتطع قيمة تزيين «الدبش» من مهرها، وهذا ما يجعلها تستحق أن تحصل على نتيجة ترضيها.
ونظرا لانتعاش هذه السوق، فقد أصبح تزيين «الدبش» مصدر رزق للكثير من النساء اللاتي يعملن من بيوتهن في السعودية. وفي الغالب تفضلهن العروس لأنها تثق فيهن وفي قدراتهن أكثر. وهذا ما أكدته أسماء علي، وهي عروس تجهز لزواجها، بقولها إنها عمدت إلى تزيين «دبشها» لدى سيدة تعمل من منزلها، والسبب كما فسرته، يعود إلى أن المرأة أكثر من تفهم المرأة. فـ«على الرغم من وجود محلات متخصصة في تزيين (الدبش) فإنني فضلت أن تتم العملية في منزل إحدى السيدات حيث حصلت على رقم هاتفها عبر موقع إلكتروني، وبتكلفة مناسبة».
وبينت أم إسراء أن تكلفة تزيين «الدبش» تختلف من عروس لأخرى، «في حال وفرت العروس الخامات قد تصل تكلفة تزيين (الدبش) إلى 5 آلاف ريال، ولكن في حال طلبت مني أن أوفر الخامات فإن المبلغ يرتفع وفقا لنوع الخامات المطلوبة، وأسعارها».
الطريف أنه، بسبب ارتفاع تكلفة تزيين «الدبش»، بدأت بعض المحلات بتأجير الصناديق والسلال التي يوضع فيها «الدبش» وتوفيرها بأسعار مناسبة للجميع، رغم أن نسبة الإقبال عليها لا تزال قليلة.
يشار إلى أن الجهاز، أو «الدبش»، كان قديما ينتقل من بيت أهل العروس إلى بيت الزوجية، يحمله مجموعة من الشباب في موكب يمر بين الحواري والحارات والشوارع مشيا على الأقدام في مظهر جميل تصحبه الأهازيج الفلكلورية ويلاحقه الصغار. ولكن الآن، ومع التطورات التي شهدها المجتمع، تطورت هذه العادة أيضا، وأصبح «الدبش» يغلف بشكل مرتب داخل حقائب وصناديق أيضا مغلفه تتضمن كل ما يخص العروس من ملابس وعطور وإكسسوارات. وعوض الشباب والحمالين، فإن أم العروس وقريباتها هن اللاتي يحملنه إلى بيت الزوجية، حيث يكون في استقبالهن والدة الزوج وقريباته ليساعدن في ترتيب كل قطعة ووضعها في مكانها.