لندن تحتضن معرضا يظهر مأساة غزو العراق

يركز على الفن السياسي

TT

تحت اسم «العراق: كيف؟ وأين؟ ومن أجل من؟»، تم افتتاح معرض يضم أعمال ثلاثة فنانين يمثلون وجهات نظر مختلفة عن الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ولكنها تتفق جميعا في عرض حالة من الغضب والسخرية والتطلع لمعرفة الحقيقة. ويقوم المعرض، الذي تم افتتاحه في قاعات المزاييك بالعاصمة البريطانية لندن، بعرض أعمال الفنانة العراقية المعاصرة هناء مال الله، والبريطانيين بيتر كينارد وكات فيليبس. وقد سيطرت السياسة على الفنانين الثلاثة، وكان الاختلاف الوحيد بينهم هو أن مال الله كانت في ساحة المعركة في العراق، في حين عانى كينارد وفيليبس من الحرب ولكن عن بُعد.

وإلى جانب استكشاف العناصر البصرية والتجريبية للغزو العراقي عام 2003، كانت هناك أيضا عناصر عملية وعالمية. إن هذا المعرض الذي يركز على الفن السياسي يطرح سؤالا مهما، ربما من دون قصد، وهو: كيف يمكن للفن، من خلال التعليق على السياسة والتفكير فيها، أن يحدث تغييرا؟ ومع ذلك، يخبرنا المعرض نفسه وملصقاته الدعائية بأنه لم يحدث تغيير يذكر منذ عام 2003.

وفي إطار تقديمها أعمالها الفنية بالمعرض، قالت مال الله: «قدر لي أن أكون فنانة سياسية، ولم يكن هذا باختياري. لقد أصبحت سياسية لأنني من العراق، وقد نجوت بالصدفة». وردت فيليبس على ذلك قائلة: «لسنا فنانين سياسيين تماما بالاختيار، لأنه لم يكن أمامنا سوي خيارين، إما الفن وإما الجنون. كنت على وشك الجنون في عام 2002 وأنا أشاهد التمهيد لشن الحرب على العراق، والطريقة التي كان يتم بها تصوير الأمر في وسائل الإعلام. وبناء على ذلك، فقد اخترت الفن». لقد تم تصوير وجهتي النظر هاتين، سواء مشاهدة الحرب بصورة آمنة وعن بعد عبر التلفاز، أو العيش وسط النيران والقنابل، بصورة رائعة ومن خلال وسائل محكمة للغاية.

من جهته، قال بيتر كينارد: «لم يكن لدينا أي خيار آخر، لقد أصبحنا جزءا مما يحدث في العالم». وبالطريقة نفسها التي يتم بها الحوار بين الفنانين الثلاثة، كانت أعمالهم الفنية في جميع أنحاء المعرض يرد بعضها على بعض وتملأ الثغرات الموجودة في الانفعالات والاحتجاجات على عمليات التدمير التي لا تزال مستمرة في العراق حتى الآن.

ومن خلال الملصقات الكثيرة والأدوات والتجهيزات والفن التصويري والقطع الفنية المدمرة والمحروقة، والعنيفة في بعض الأحيان، كان المعرض يدعو الزائر إلى أن يشارك الفنانين تجربتهم الحقيقية. ويكمن عمل كل من كينارد وفيليبس، اللذين يعملان معا للتعبير عن مأساة غزو العراق عام 2003 منذ ذلك الحين، في عرض ملصقات من وسائل الإعلام، علاوة على بعض الرسومات. وعن ذلك تقول فيليبس: «عندما نأخذ تلك الصور بأيدينا ونستغرق بعض الوقت معها، بعيدا عن الوقت الحقيقي الذي تم تصويرها فيه، نقدم بذلك رسالة جديدة فيها قدر أكبر من التأمل وتحظى بأهمية أكبر، وتعمل على توصيل معنى جديد».

وتؤكد مال الله على وجود صلة مباشرة بين ما تنفسته وشمته وتذوقته في بغداد، على حد قولها. ولا تقتصر تجربتها على الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والأحداث المترتبة عليه فحسب، ولكنها تمتد لتشمل أيضا حرب الخليج الثانية عام 1991 مع الكويت، وحرب الخليج الأولي مع إيران في الثمانيات من القرن الماضي والعقوبات التي فرضت على العراق. وتتعامل مال الله مع الأخبار التي تأخذها من وسائل الإعلام بصورة سياسية في المقام الأول، وتروي تجربتها وذكرياتها مع ما حدث بصفتها عراقية. وتشير لوحاتها عن الكتب بصورة مباشرة إلى أسواق الكتب في شارع المتنبي بالعاصمة العراقية بغداد، الذي يتم فيه بيع وتداول الكتب. والآن، يختلف شارع المتبني اختلافا كبيرا عما كان عليه في الماضي، بسبب الهجمات والتفجيرات التي يشهدها باستمرار.

وعلى الرغم من بعض الاختلافات السياسية، فإن التشابه في طريقة عمل تلك اللوحات يعد شيئا خارقا للغاية، حيث تم صنع بعض اللوحات الفنية الخاصة بمال الله من القماش والورق المحروق، في حين تم تكوين طبقات من «الحقائق» بحجم الجدار من صفحات الصحف. وفي هذه القطعة الفنية، يتم وضع صورة شخصية لجورج بوش من صحيفة «هيوستن» موضوعة على صحيفة «القدس العربي». وتم خدش بعض الأجزاء على السطح بهدف إظهار الحقائق المختلفة لمدينة هيوستن التي ولد فيها بوش وحقيقة تأثيره على منطقة الشرق الأوسط.

وقالت مال الله: «كل شيء في الحياة وهمي». وفي الحقيقة، تعبر وسائل الإعلام عن طريقة فهمنا للأشياء ومدى معرفتنا بالأحداث التي تقع على حدودنا، والتفكير في مدى تأثير ما نقوم به على حياة الآخرين. ويمكن التلاعب بوسائل الإعلام بسهولة وتغيير الحقائق وتوجيه المشاعر، مما يثير التساؤلات حول حقيقة الأخبار التي يتم تداولها. ويعمل كينارد وفيليبس على توصيل رسالة مفادها أن التلاعب في الإعلام أصبح شيئا عاديا. ومن خلال إعادة ترتيب الصور المنتقاة من وسائل الإعلام المختلفة، تمكن كينارد وفيليبس من الوصول إلى رواية تعتمد على وجهة نظرهما، بحيث يتم إظهار العنف الذي يرتكبه ممثلو الحكومة والمكاسب المادية الهائلة التي يحققها رؤساء المؤسسات الإعلامية، وفي نهاية المطاف الدماء التي تلوث أيدي الجميع.

وواجه كينارد وفيليبس رقابة شديدة على الملصق الدعائي للمعرض، ولكن الشيء الذي كان واضحا للعيان هو أن التحيز والتحكم في الصور، حتى ولو كان ذلك يتعلق بـ«أخبار قديمة» عن إحدى الحروب، لم يتغير مطلقا. وفي بداية شهر مايو (أيار) الماضي، قامت هيئة النقل في لندن بإزالة كل الملصقات الدعائية للمعرض بسبب الشكاوى التي تلقتها. وكان الملصق عبارة عن صورة لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وهو يبتسم ويستخدم هاتفه الجوال، في حين كانت خلفية الملصق عبارة عن انفجار ضخم.

وعن ذلك تقول فيليبس: «اشتكي شخص واحد فقط، وكانت هيئة النقل بلندن قد وضعت فقرة تتيح لها إزالة كل الملصقات في حالة تلقيها أي شكوى من أي شخص. وفي الواقع، كانت هذه الفقرة لا تسمح بتوجيه انتقاد أو التحيز ضد أي عضو في البرلمان أو الحكومة، ولكن توني بلير لا يوجد في البرلمان ولا في الحكومة. وعلى الرغم من أن هيئة النقل قد تراجعت عن ذلك في ما بعد، فإن هذا يدل على وجود تدخل من قبل الحكومة».

وبينما يتعامل كل من كينارد وفيليبس مع الرقابة الحكومية وسيطرة وسائل الإعلام البريطانية على الصور التي توضح مأساة هذه الحرب والسياسيين الذين يسيطرون على وسائل الإعلام، لا تزال هناء، وهي عراقية تعيش في المملكة المتحدة، تخشى من العودة إلى العراق في المستقبل القريب بسبب العنف المنتشر هناك.

وقالت مال الله: «النقطة الأساسية في هذا المعرض هي اختلافات وجهات النظر بيننا. ويجب أن لا ننسى أنهما فنانان بريطانيان، وبريطانيا كانت بالفعل إحدى الدول المشاركة في الغزو. أنا فنانة عراقية انتقلت من العراق إلى لندن، عاصمة الدولة التي احتلت بلادي. وأنا هنا أعمل مع البريطانيين». وقالت فيليبس: «كوني قادرة على عرض أعمالي بجانب تجربة حقيقية هو شيء رائع في حقيقة الأمر. ويكمل هذه الأعمال بعضها بعضا بصورة رائعة. إن إمكانية التعاون معا قد نشأت نتيجة تلك الحرب أيضا. ولم نكن لنجتمع معا هنا لو لم يعان العراق من الدمار الكامل والخطر المحدق».

يذكر أن معرض «العراق: كيف؟ وأين؟ ومن أجل من؟» يستمر حتى 9 يونيو (حزيران) الحالي.