عودة الحنين إلى الفونوغراف القديم

البعض يفضل أسطوانات الموسيقى التناظرية

«برو - جكت ديبيوت 3 سبيريت»
TT

إن شراء التسجيلات (الأسطوانات) الموسيقية والغنائية عملية سهلة، فقد تجدها أكواما في محلات وأكشاك البيع العادية، مقابل دولارات قليلة للتسجيل الواحد القديم منها. لكن هناك الجديد منها المصنوع بشكل خاص، التي تعود إلى الموسيقيين المعاصرين، والتي تباع بسعر 30 دولارا للواحدة منها. لكن شراء الجهاز الضروري لتشغيلها، وهو الغرامافون، أو الفونوغراف القديم، الذي يشغل الأسطوانات الدوارة، فإنه أمر آخر.

«شباب اليوم لم يشب ويترعرع مع الأسطوانات الدوارة القديمة»، استنادا إلى كيني باورز مدير «نيدل دوكتر»، وهو مخزن في مينيسوتا متخصص في هذه الأسطوانات، «فالأمر هنا يبدو غامضا ومعقدا، نظرا لأنه يتعدى ضغط زر للاستماع إلى ما تريده»، كما يضيف.

* أسطوانات دوارة

* وثمة بعض المميزات التي تعود إلى الموسيقى القديمة التناظرية، استنادا إلى بعض عشاق الموسيقى. «لأنها تتميز بصوت ممتلئ وعميق»، وفقا إلى رايان هوليداي مدير التسويق في «أميركان أباريل»، الذي مقره نيو أورليانز. فهو من عشاق الجاز الجدد، ومن المعجبين بالمغني ديفيد بووي، كل ذلك بفضل هذه الأسطوانات. «إذ بمقدوري الاستماع إلى الأيدي التي ترتفع وتنخفض مع وقع الموسيقى والأشياء الأخرى التي قد لا ترغب الشركات المنتجة منك سماعها، وهي تشكل مفاجأة جميلة»، كما يقول.

ومثل هذا التقدير لا ينحصر في هوليداي وحده، فقد ارتفعت مبيعات هذه الأسطوانات الدوارة على مدى السنوات الـ5 الماضية، وبنسبة 50 في المائة بين يناير (كانون الثاني) العام الماضي ويناير العام الحالي.

وقد يكون لمحبي الأصوات العالية النقاء «هاي - فاي» حجتهم في حسم مسألة التقنيات المتنافسة بين الملف اللولبي المتحرك، والخراطيش المغناطيسية، وأيهما الأفضل، لكن مشغلات الأسطوانات الدوارة هي في الواقع آلات بسيطة جدا. ولا تكلف كثيرا للحصول على واحدة جيدة منها، وهي اليوم توفر لك قيمة أفضل للمالك مما كانت تفعل أيام مادة الفينيل القديمة (وهي المادة التي كانت الأسطوانات تصنع منها) التي كانت سائدة آنذاك.

خذ جهاز «ثورين 125 إم كيه 2» (Thorens 125 MKII) مثلا الشهير الذي كان بتكلفة 500 دولار تقريبا في عام 1975، وهو اليوم بسعر 2000 دولار. والأجهزة المقارنة له على صعيد الأداء، مثل «ميوزيك هول إم إم إف 2.2» (Music Hall MMF - 2.2)، أو «برو - جيكت ديبيوت 3 اسبريت» (Pro - Ject Debut III Esprit)، يكلفان 300 و500 دولار على التوالي. ومع ذلك فإن بعض الأجهزة هذه، مثل «كليرأوديو ماستر ريفيرنس» (Clearaudio Master Reference)، تكلف نحو 28 ألف دولار، أي أغلى من سعر سيارة كبيرة.

* دقة وتقنية عالية

* وأنت تدفع هنا ثمن شيئين، وهما الدقة والحرفية، وإليكم دليلا توجيهيا لبعض نواحي هذه الكلفة: فمشغل الأسطوانات الدوارة هو في الأساس مكون من 3 مجموعات مركبة، وهي المنصة الدوارة التي تجلس عليها الأسطوانة، وتسمى الطبق، مع محرك التدوير، ثم ذراع التقاط النغم التي تطبق وتتحرك على الأسطوانة وهي تدور، وثم أخيرا الخرطوشة والإبرة التي تقبع في نهاية ذراع النغم التي تلتقط الرجرجات المسجلة على أخاديد الأسطوانة وثلومها.

ومشغلات الأسطوانات هي آلات تقرأ الارتجاجات، لكنها غالبا لا تستطيع التمييز بين الارتجاجات الجيدة لألبوم موسيقي، والأخرى السيئة الصادرة عن خطوات الأشخاص الذين يسيرون عبر الغرفة. والآلة الجيدة منها هي تلك المصممة لعزل الارتجاجات عن العالم الحقيقي الخارجي.

ويتوجب هنا على المحرك الكهربائي أن يكون صامتا ويعمل بسرعة ثابتة. ومن شأن الطبق الثقيل مساعدة السرعة في أن تظل ثابتة لا تتغير. لكنها لعبة هندسية. فالأطباق الثقيلة تحتاج إلى محركات كبيرة التي قد تكون مثيرة للضجيج ومكلفة أكثر. أما الأطباق الخفيفة فقد تبث ارتجاجاتها بسهولة، وقد تصدر رنينا. والحكم الساري هنا هو التأكد من أن المنضدة تزن 10 أرطال (4.53 كلغم) على الأقل. «فإذا كانت غير ذلك، فهذا يعني أنها مصنوعة من تركيب بلاستيكي، وستغني مع الموسيقى»، كما يقول هاري ويزفيلد الذي يملك شركة «في بي آي» الصانعة للأسطوانات الدوارة التي مقرها كليفوود في ولاية نيوجيرسي الأميركية. أي أنه يحبذ الأطباق المعدنية. ويمكن شراء الحصائر والفرش والقوائم الخاصة أيضا لعزل الجهاز عن الارتجاجات الخارجية.

كما أن نوع المحرك هو موضوع نقاش أيضا. فأحد أساليب قيام المحرك بتشغيل الطبق هو عن طريق السير. أما الأسلوب الآخر فهو وضع الطبق فوق المحرك مباشرة. ومثل هذا التركيب المباشر هو الأفضل حسب رأي بعض الأشخاص لأن هناك احتمال أقل في تفاوت السرعات. والسيور المطاطية قد تتمدد وترتخي مع الزمن. لكن الآلات ذات التشغيل المباشر هي أكثر احتمالا لتصدير الأصوات، في حين أن السيور المطاطية تمتص ارتجاجات المحرك.

والأمر الغريب أن أكثر هذه الأجهزة غلاء في السعر تكون من النوع العامل بالسيور. لكن يبقى الأمر أفضلية شخصية. المهم أن تثق في أذنيك. ويتوجب على ذراع النغم أن تحافظ على الإبرة على المكان الذي تلتقط فيه أكثر الارتجاجات من الأسطوانة، من دون أن تمارس عليه ضغطا كبيرا من شأنه أن يتلف الأخاديد والأتلام. «المهم هنا هو الوزن»، كما يقول سكوت شو، المتخصص في الحلول السمعية في شركة «أوديو - تكنيكا» التي تصنع المعدات الصوتية، الذي أردف قائلا: «إن تعقب الأخاديد بضغط خفيف من شأنه أن ينتج نوعية صوت أفضل».

وبخلاف استثناءات قليلة، فإن أفضل أذرع النغم هي المصنوعة من قطعة واحدة من الفولاذ الخفيف الوزن، وليس من الحديد الصب أو المكبوس. وثمة الكثير من هذه الأذرع المثيرة للاهتمام المصنوعة من الألياف الكاربونية، والمواد الصناعية المركبة، وحتى من الخشب، لكن سعرها قد يتجاوز الألف دولار، استنادا إلى شو.

وقد جرى تركيب الخرطوشة الحاملة للإبرة في نهاية ذراع النغم. «وفي الإبرة هذه تحدث جميع الأمور»، يقول مايكل بيتيرسون، مدير هندسة التطبيقات في «شور» التي تنتج الخراطيش، الذي أردف قائلا: «عندما تقوم بشراء خرطوشة ثمنها 100 دولار، يكون 90 دولارا منها سعر الإبرة».

* «إبر موسيقية»

* وتكون هذه الإبر إما بيضاوية إهليجية الشكل، أو كروية، من دون أي فرق كبير في السعر. فالبيضاوية هي أفضل لإنتاج الأصوات ذات النبرة العالية، كما يقول بيتيرسون. أما الكروية فتؤدي عملا أفضل في تخطي العيوب الموجودة عادة على مادة الفينيل، وقد تكون أفضل للأسطوانات من نوع «45 إس»، وتلك التي استهلكت وتآكلت.

وثمة نوعان أيضا من الخراطيش بمغناطيس متحرك، أو ملف لولبي متحرك. وغالبية الخراطيش هي من النوع الأول. وعلى الرغم من أنها تميل إلى أن تكون أثقل من اللولب المتحرك، يمكن تغيير الإبرة بنفسك، إذا ما رغبت في تعديل وضع الفينيل، أو تغيير الصوت الذي تسمعه.

والنوع المصنوع من الملف اللولبي المتحرك هو المفضل عادة من قبل عشاق الموسيقى، لأنه أخف وزنا. لكن تغيير الإبرة يتطلب الذهاب إلى الشركة الصانعة للقيام بذلك. والنوعان يستهلكان ويتآكلان بعد 600 إلى 800 ساعة من الاستخدام. وعلى الرغم من عدم وجود حدود للسعر هنا، فإن الخرطوشة الجيدة تكلف ما بين 75 و100 دولار، وفقا إلى بيتيرسون.

والحصول على الأفضل من هذه الأجهزة يتطلب تركيبها وإعدادها بعناية، ولكن ليس بالدرجة التي يوصي بها الأشخاص الذين يسوقون معدات المعايرة. «والقيام بذلك ليس بالأمر المعقد، كما يزعمون»، وفقا لشو. وقد يكون ذلك بعيدا بعض الشيء عن المواصفات الدقيقة، و«هذا أمر مقبول من دون الحاجة إلى التدقيق كثيرا».

وإحدى القطع الإضافية التي يوصي بها شو هي معيار الإبرة لقياس وزن الخرطوشة على الأسطوانة، حيث أشار إلى عدم الاعتماد على الأرقام الصغيرة الموجودة في ظهر ذراع النغم. «فهي غير دقيقة إطلاقا». ويوصي باورز من «نيدل دكتور» بمعيار «إس إف جي - 2» من «شور» الذي يتوفر على الشبكة بسعر يراوح بين 20 و40 دولارا.

والجدير أيضا شراء أداة للتأكد من تراصف الخرطوشة بشكل صحيح، لذا يوصي باورز بـ«موبايل فايلتي جيو - ديسك» (Mobile Fidelity Geo – Disc) التي يبلغ سعرها من 50 إلى 80 دولارا.

وأخيرا يمكن الكشف على عملك عن طريق أسطوانات خاصة بالاختبارات يبلغ سعرها بين 15 و30 دولارا التي تسمعك ألحانا تساعد في التثبت من التركيب والإعداد الصحيحين. وقد تجد عند ذاك أن الأفضل ليس ما أوصي به على صعيد الإعداد، أو ما تمليه علينا المعايير، بل هو في نهاية المطاف علم وفن. وهذا هو جمال العالم التناظري.

* خدمة «نيويورك تايمز»