تقدم لتياري المؤيد والمناهض لأوروبا في انتخابات اليونان

اليمين واليسار الراديكالي متساويان تقريبا.. واللجوء إلى الاشتراكيين حتمي لتشكيل الحكومة

يوناني يدقق في قوائم المرشحين قبل دخوله مركز اقتراع للتصويت في أثينا أمس (أ.ف.ب)
TT

تقدم حزب «الديمقراطية الجديدة» اليميني المؤيد لأوروبا بفارق طفيف بلغ نصف نقطة على حزب «سيريزا» اليساري الراديكالي المناهض للتقشف، وفق استطلاع بثته قنوات التلفزيون اليونانية مساء أمس بعد إغلاق مكاتب الاقتراع في انتخابات حاسمة في اليونان. وأظهر الاستطلاع أن اليمين الذي يريد إبقاء اليونان في منطقة اليورو مع تمسكه بالتفاوض مجددا حول خطة التقشف فاز بما بين 27.5 و30.5 في المائة من الأصوات مقابل فوز حزب سيريزا الذي يريد إلغاء هذه الخطة بما بين 27 و30 في المائة.

وخيمت أجواء من التوتر والقلق على الناخبين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع أمس في ثاني انتخابات عامة خلال أقل من شهرين. وبدا يونانيون كثيرون ومعهم الكثير من المراقبين المحليين والخارجيين، متخوفين من التداعيات السلبية لخروج محتمل لبلادهم من منطقة اليورو، ومن الرسائل السلبية أيضا التي ترسل إلى عدد من الدول الأوروبية التي تسير على نهج الأزمة اليونانية مثل إيطاليا وإسبانيا.

وشهدت علميات الاقتراع أمس حادث إلقاء قنبلة يدوية لم تنفجر على مقر مجموعة صحافية. ونددت الحكومة المؤقتة واليمين المحافظ بالحادث باعتباره يطعن في الديمقراطية في البلد واعتبر الناطق باسم الحكومة ديمتريس تسيودراس أن الهجوم يهدف إلى «بلبلة الانتخابات». وكانت الشرطة تتفحص بعيد الظهر القنبلة اليدوية التي استهدفت محطة «سكاي» التي تنتمي إلى مجموعة صحافية يمينية تابعة لعائلة الأفوزوس. وقد تم إخلاء مقر التلفزيون في أثينا.

وعدا هذا الحادث، جرت عمليات التصويت عموما في هدوء فيما وعد كل من المرشحين الأبرزين بطي صفحة الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنتين. وأعلن ألكسيس تسيبراس (37 عاما)، زعيم اليسار الراديكالي الذي يثير مخاوف الحكومات الأوروبية بدعوته إلى التخلي عن خطط التقشف المفروضة على البلد لقاء حصوله على مساعدات «اليونان تغلبت على الخوف». وفي حين هدد شركاء اليونان ودائنوها في هذه الحالة بقطع الموارد عنها وإقصائها من منطقة اليورو، قال تسيبراس بعد الإدلاء بصوته في حي شعبي من العاصمة محاطا بحشد من الصحافيين «إننا نفتح الطريق أمام يونان تسودها العدالة الاجتماعية وتكون عضوا على قدم المساواة في أوروبا تتحول».

وفي المقابل أعلن خصمه اليميني أنطونيس ساماراس (61 عاما)، من معقله في ميسينيا في البيلوبونيز، أن «عهدا جديدا يبدأ لليونان».

وفي مواجهة حزب سيريزا، يقدم زعيم المحافظين نفسه على أنه ضمانة لإبقاء اليونان في منطقة اليورو، حتى لو أنه طالب بتليين شروط خطة التقشف المفروضة، وإن كانت استطلاعات الرأي أشارت مسبقا إلى منافسة شديدة بين المعسكرين، فإن بورصة أثينا سجلت الخميس الماضي ارتفاعا بنسبة 10 في المائة، مراهنة على فوز اليمين. وفي ظل النتائج الأولية وعدم تمكن اليمين أو اليسار الراديكالي من الحصول على أغلبية، بات مرجحا التوجه إلى اشتراكيي حزب باسوك أو اليسار المعتدل من حزب ديمار لتشكيل ائتلاف في مهلة دستورية لعشرة أيام. ودعا الرئيس كارولوس بابولياس إلى تشكيل «حكومة مستقرة تتحرك بشكل فوري لتسوية المشكلات التي يعاني منها الشعب».

وكان السياسيون فشلوا في تشكيل التحالفات الضرورية بعد الانتخابات السابقة في السادس من مايو (أيار) الماضي.

وشدد زعيم الحزب الاشتراكي باسوك، إيفانغيلوس فينيزيلوس الذي يعتبر «الرجل الثالث» في هذه الانتخابات، على ضرورة قيام «حكومة وحدة وطنية» لدى إدلائه بصوته في سالونيكي المدينة الكبرى شمال اليونان.

وتثير الانتخابات اليونانية ترقبا شديدا بين قادة مجموعة العشرين عشية عقد قمتها في لوس كابوس بالمكسيك اليوم (الاثنين)، وفي الأسواق المالية الآسيوية. أما الناخبون اليونانيون، فهم يعربون من مشاعر تتراوح ما بين الغضب والأمل والقلق. وقال يانوليس زيونيسيس وهو موظف عمومي لـ«الشرق الأوسط»، إن انتخابات هذه المرة يجب أن تكون الأخيرة، لأن فشل الأحزاب في تشكيل حكومة يسيء للشعب، مشيرا إلى أن قطاعا كبيرا من اليونانيين وصلوا إلى خط الفقر. كما قالت تونيا كاتيريني (54 عاما)، وهي مهندسة معمارية صوتت لسيريزا في وسط مدينة كولوناكي الراقي «هناك بالطبع خطر خروج اليونان من اليورو، لكن هذا كله على علاقة بوضع إجمالي في أوروبا. أعتقد أن الحل سيكون شاملا».

وفي حي بانغراتي المتواضع، علق كوستاس ياناكوبولوس الخمسيني العاطل عن العمل منذ أربع سنوات آماله على ساماراس وقال إن زعيم سيريزا «سيخرجنا من منطقة اليورو»، مشيرا إلى أنه «سيضطر قريبا إلى تناول وجبات في الكنيسة» لنفاد جميع موارده.

وعلق رئيس الوزراء اليوناني السابق جورج باباندريو على احتمال خروج بلاده من منطقة اليورو، بالقول إن هذا السيناريو سيكون كارثة كبيرة. وأضاف باباندريو «المشكلة لا تكمن في اليونان، بل هناك مشاكل متجذرة في منطقة اليورو، وهناك عملة موحدة لكن من دون أي نظام مصرفي موحد أو نظام مالي موحد، كما أن هناك اختلافات شتى في قوانين العمل وبنظام التقاعد بين مختلف دول اليورو». وأشار باباندريو الذي ترك مقاليد الحكم في البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إثر ضغوط شعبية وحزبية، إلى أن خروج اليونان من منطقة اليورو سيؤدي إلى إفلاس البنوك والتضخم واقتطاع كبير من رواتب الموظفين مما يشكل كارثة كبرى لا تحمد عقباها، منوها بأن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ خطوات حازمة بشأن الأزمة التي تعصف بها نظرا إلى هشاشة تركيبتها التي هي بحاجة للعمل على تقويتها.

وقبل ساعات من بدء الاقتراع اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أول من أمس أن من «المهم» أن تنتج الانتخابات غالبية تحترم التزامات التقشف، مما يعني الدعوة إلى التصويت لليمين. ووجهت صحيفة «بيلد» الشعبية الألمانية التحذير ذاته مهددة بقطع الأموال عن اليونان. وفي مفاجأة سارة وسط هذا المشهد القاتم، فوجئ اليونانيون مساء أول من أمس بفوز منتخبهم على روسيا 1 - صفر في وارسو في الدور الأول من كأس أوروبا 2012 لكرة القدم، مما يضمن بقاءه في المباريات الأوروبية. وأثار هذا الخبر تفاؤلا بين اليونانيين وعمت المشاعر الوطنية الصحافة الرياضية اليونانية وكتبت صحيفة غول متوجهة إلى الألمان «لن تخرجوا اليونان أبدا من اليورو».