سعاد حسني.. ألغاز ما بعد الرحيل وحياة مليئة بالمفارقات الدرامية

تفوقت على شخصيات نجيب محفوظ وعملت مع عظماء الفن السابع في مصر

TT

«أنا سعاد أخت القمر، بين العباد حسني انتشر، طولي شبر.. وجهي بدر، صوتي سحر.. كلي بشر».. تلك الكلمات غنتها الفنانة الراحلة سعاد حسني في أول ظهور لها أمام الجمهور في حديقة الحرية من خلال برنامج الأطفال الشهير «بابا شارو»، ويبدو أن النجمة الراحلة كانت تصف نفسها بتلك الأغنية، ورغم أن عمرها في ظل هذا الوقت لم يكن يتعدى الـ4 أعوام فإنها استطاعت أن تبهر جميع الموجودين في الحفل في منتصف الأربعينات من القرن الماضي.

وكما أذهلت طلتها الأولى الجمهور مع أول ظهور لها، فإن رحيلها أيضا كان بمثابة المفاجأة لمحبيها، حيث لا ينسى الكثيرون يوم 21 يونيو (حزيران) عام 2001 عندما قطع التلفزيون المصري إرساله ليعلن عن رحيل النجمة سعاد حسني التي تحمل بجدارة لقب السندريلا، حيث أكد التلفزيون وقتها أنها سقطت من شرفة سكنها بمبنى ستيوارت تاور في العاصمة البريطانية لندن لتلقى مصرعها في الحال، وهو الخبر الذي أصاب جمهورها في مصر والعالم العربي بصدمة كبيرة، خصوصا أن النجمة صاحبة مكانة خاصة لدى جمهور السينما والتلفزيون.

وتمر هذه الأيام الذكرى الـ11 لوفاة سعاد حسني، ولكن ما زال سر مقتلها أو وفاتها يحير الكثيرين، ولم يضعوا حتى الآن إجابة عن السؤال الأشهر منذ رحيلها، وهو: من قتلها؟ وهل انتحرت أم لا؟ ويبدو أن القدر شاء للنجمة الراحلة أن تبقى تلك الأسئلة بلا أجوبة، وذلك هو أيضا مصير الكثير من نجوم السينما والغناء في العالم، أشهرهم مارلين مونرو ونجم البوب الراحل مايكل جاكسون، فظروف وفاتهما تشبه إلى حد كبير ظروف وفاة النجمة المصرية، ولم يعرف أحد حتى وقتنا هذا أسرار رحيل هؤلاء النجوم وهل انتحروا فعلا بسبب إصابتهم بالاكتئاب أم أن هناك جهات وأشخاصا غير معلومين يقفون وراء رحيلهم عن عالمنا.

ويرفض محبو الفنانة الراحلة مجرد تصديق أن السندريلا أصيبت بالاكتئاب في أواخر حياتها وأن ذلك سببا في انتحارها، حيث ما زالت أفلامها وأغانيها واستعراضاتها عالقة في أذهانهم، ولا يكادون ينسون وجها البريء الذي تكسوه ملامح الفتاة الشرقية البسيطة والفلاحة في ظهورها الأول على الشاشة عام 1959 من خلال فيلم «حسن ونعيمة» مع الفنان الراحل محرم فؤاد ومن إخراج بركات، حيث شعرت سعاد عندما وقفت أمام الكاميرا للمرة الأولى أن الحظ أخيرا بدأ يطرق بابها، خصوصا مع دعم المؤلف والكاتب عبد الرحمن الخميسي لها، حيث كان يعرفها منذ صغرها ويرى فيها موهبة فنية شديدة الثراء تدعمها ملامح طفولية تحمل بين طياتها أحزانا وأفراحا رغم صغر سنها.

وأجادت سعاد تجسيد دور الفلاحة، رغم أنها عندما وقفت للمرة الأولى أمام الجمهور على المسرح وقبل دخولها مجال السينما، كانت قدمت شخصية مختلفة تمام في مسرحية «هاملت أمير الدنمارك» وجسدت خلالها دور «أوفيليا» حبيبة هاملت.

ومع نجاح «حسن ونعيمة»، طرق الحظ بقوة أبواب النجمة الراحلة، حيث عرض عليها المخرج فطين عبد الوهاب المشاركة في إحدى قصص فيلم «البنات والصيف» للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، لتقف في هذا العمل أمام العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وجسدت دور شقيقته، وعلمت سعاد بعد ذلك أن عبد الحليم هو من رشحها للمشاركة في بطولة العمل، لكنها لم تكن تعلم أنه بعد رحيلها ستتناثر الشائعات حول وجود علاقة عاطفية بينهما وصلت إلى حد الزواج، وهو السر الذي لم يعرف أحد حقيقته حتى الآن.

ورغم رحيل النجمين، فإن الحديث عن وجود علاقة يبنهما ما زالت أصداؤه تتردد بين حين وآخر، تارة بالنفي وتارة بالتأكيد، لكن تبقى الحقيقة الواضحة أن القدر كان يجمع بين الاثنين، والمفارقة أن ذكرى رحيل سعاد حسني هي نفس ذكرى ميلاد عبد الحليم حافظ الذي شاركته بطولة فيلم واحد فقط لم تكرره طوال مشوارها الفني.

ويبدو أن ظهورها مع عبد الحليم حافظ كان بمثابة نقطة انطلاقتها الفنية، حيث توالت عليها بطولة الأعمال السينمائية، وجسدت أكثر من شخصية تتشابه إلى حد بعيد في شقاوتها وحبها للحياة سواء في «ثلاثة رجال وامرأة» و«غراميات امرأة» و«مال ونساء»، و«إشاعة حب» مع النجم عمر الشريف ويوسف وهبي، وجميعهم تم إنتاجهم عام 1960، لتتبعهم في العام التالي أفلام بعنوان «الضوء الخافت» و«هاء 3» و«لماذا أعيش» و«مفيش تفاهم» و«السفيرة عزيزة» و«السبع بنات» و«أعز الحبايب».

وبعد نحو 5 سنوات من تجسيد أدوار الفتاة الشقية، يأتي المخرج حسام الدين مصطفى ليشجع سعاد حسني على القيام ببطولة تجربة مختلفة من خلال فيلم «الطريق» عام 1964، حيث يعد ذلك الفيلم بمثابة نقطة انطلاق جديدة للسندريلا، خصوصا أنه شاركتها بطولته الفنانة شادية، وإن كانت الأخيرة أكثر حضورا في الفيلم من سعاد حسني، لتعقبه بعدها بعامين بفيلم «القاهرة 30» لرائد السينما الواقعية المخرج صلاح أبو سيف ومن رواية نجيب محفوظ، حيث جسدت دور «إحسان شحاتة» - تلك الفتاة الجميلة الصغيرة الفقيرة التي تضحي بشرفها من أجل أن يعيش والداها وأخواتها في أمان وتوفر لهم لقمة العيش، حيث توافق على أن تصبح صديقة لـ «قاسم بك» - السياسي صاحب النفوذ القوي في البلد، الذي جسد دوره الراحل أحمد مظهر، وتتزوج بـ«محفوظ عبد الدايم» الذي يوافق على الزواج بها حتى يضمن وظيفة محترمة في جهاز الدولة، وعبرت سعاد حسني باقتدار عن الشخصية التي جسدتها، ويرى البعض أنها أعطت للشخصية التي رسمها نجيب محفوظ أبعادا أخرى ليست موجودة في الراوية الأصلية، وهو ما أذهل الأديب العالمي صاحب «نوبل» للآداب نفسه.

وخطت بعد ذلك سعاد حسني خطوات جادة في السينما، ابتعدت خلالها أحيانا عن دور الفتاة الشقية التي يبدو أنها كانت تحن لها بين الحين والآخر لتقدم أعمالا رائعة ومحفوظة في ذاكرة السينما، منها «صغيرة على الحب» مع النجم رشدي أباظة، و«شقاوة رجالة» و«خلي بالك من زوزو» مع حسين فهمي الذي نال نجاحا كبيرا في دور العرض السينمائية لدرجة أن زملاءها بالوسط الفني كانوا ينادونها بـ«زوزو» وهو ما أسعدها كثيرا، ويتردد أن بعض الفنانات أصابتهن الغيرة من نجاح الفيلم، ليضاف إلى رصيدها من الأعمال الناجحة مثل «أميرة حبي أنا» و«الزواج على الطريقة الحديثة» و«فتاة الاستعراض».

وأجبرت قدرة سعاد حسني التمثيلية المخرجين على أن تنال ثقتهم بتجسيد أدوار مختلفة، فيرشحها المخرج صلاح أبو سيف لبطولة فيلم «الزوجة الثانية»، وجسدت فيه دور فاطمة - تلك المرأة الريفية التي تصون عرض زوجها وترفض الزواج بعمدة قريتها، لتظهر مخالبها الأنثوية في أوقات الشدة. وكان للمخرج علي بدرخان لمسة وبصمة خاصة في مشوار سعاد حسني السينمائي، فهو الذي تحمس ورشحها لبطولة فيلم «الكرنك» الذي جسدت فيه دور الطالبة الجامعية الثورية، وفيلم «أهل القمة» وأيضا «الجوع» عام 1986 المأخوذ عن قصة «سارق النعمة» من ملحمة «الحرافيش»، حيث جسدت دور بائعة بطاطا فقيرة «زبيدة»، يغتصبها أحد الفتوات ويتزوجها شخص شهم لكي يتستر عليها. ورغم أن سعاد حسني قدمت في التلفزيون عملا واحدا فقط بعنوان «هو وهي» عام 1987، فإن ذلك المسلسل حصل على نجاح جماهيري ونقدي كبيرين، وفازت عنه بجائزة أحسن ممثلة من وزارة الإعلام، ولكن بدأت آلام الظهر تطاردها بعد المسلسل، ويتردد أن النجمة الراحلة كانت تعاني آلام الظهر دائما، حيث إنها سبق أن سقطت في الثالثة من عمرها من على السلم بمنزل والدها في حي بولاق الذي ولدت به عام 1942 وأصيبت في عمودها الفقري حينئذ، وعاودتها الآلام مع كبرها في السن. ويبدو أن لقب «السندريلا» الذي حازته بجدارة كان يحاكي حياتها، حيث مرت بمراحل صعبة ولحظات بكت فيها بشدة كما في القصة التراثية الشهيرة، لكن انشغالها بالفن كان بمثابة الساحرة الطيبة التي تعطيها أملا متجددا في العثور على ضالتها وتحقيق الطمأنينة، حيث عانت سعاد حسني وكانت دائما تشتكي من معاملة أزواجها لها، وهم المصور والمخرج صلاح كريم الذي تزوجته لمدة عام واحد فقط، وعلي بدرخان وزكي فطين عبد الوهاب، وكاتب السيناريو ماهر عواد الذي ماتت وهي على ذمته. كما يعد رحيل الشاعر صلاح جاهين بمثابة الصدمة الكبيرة لسعاد حسني، حيث كانت تجمعهما صداقة قوية، وكان جاهين بمثابة الأب الروحي، وفوجئت يوم 21 أبريل (نيسان) عام 1986 بخبر رحيله، وهو ما جعلها تكتئب لعدة شهور وترفض الخروج من منزلها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية والنفسية أيضا وأجبرها الأطباء على تناول بعض الأدوية والعقاقير المضادة للاكتئاب.