مهرجان «الساف» التونسي للطيور المهاجرة.. تقاليد رومانية متوارثة

انطلق تحت شعار «شوف حكايتنا.. وعيش فرحتنا»

وجدت بالمنطقة فسيفساء ضخمة تجسم مشاهد الصيد عن طريق طائر الساف كما عرضت باللوحة نفس الأدوات التي تستعمل اليوم في الصيد
TT

منذ أكثر من 45 سنة تحتفل مدينة الهوارية التونسية بمهرجان الساف رمز مدينة «أكيلاريا» وتعني مدينة الجوارح. طائر الساف يعرف باسم «الباشق» وتقام طقوس مميزة يحضرها أهالي الهوارية وحمام الأغزاز وقليبية، ويشارك في فعالياته أجانب من مختلف الجهات والجنسيات.

ويحافظ البيازرة على تقاليد متوارثة منذ العهد الروماني حيث وجدت بالمنطقة فسيفساء ضخمة تجسم مشاهد الصيد عن طريق طائر الساف كما عرضت باللوحة نفس الأدوات التي تستعمل اليوم في الصيد. ويؤكد باحثون في تاريخ منطقة الوطن القبلي (شمال شرقي تونس) على عراقة هذه الممارسة الرياضية الممتعة.

هذه السنة انطلق المهرجان قبل أسبوع تحت شعار «شوف حكايتنا.. وعيش فرحتنا»، وذلك بعد أن اختفى في دورته الماضية لسيطرة ظروف الثورة التونسية على البلاد، إلا أن نادي البيازرة بالهوارية أصر على تنظيم الدورة الجديدة التي تمتع الزائرين بلوحات صيد أصبحت نادرة الوجود في منطقة المغرب العربي.

عن الدورة الجديدة للمهرجان يقول رياض بن إبراهيم المدير الجديد «لقد حرصنا على تنظيم المهرجان على الرغم من الصعوبات العديدة مادية ومن حيث المدة الزمنية». وأضاف أن الغاية الأساسية من وراء مواصلة الاحتفال بطائر الساف هي المحافظة على عادات الأجداد والتعريف بميزات مدينة الهوارية أقرب نقطة إلى الضفة الشمالية للمتوسط. ويعتبر أن فرحة السكان كبيرة بموعد المهرجان فهم يوفرون كل الظروف الملائمة للاحتفال ولمدة أشهر قبل موعد المهرجان.

وتنطلق رحلة البياز في علاقته بطائر الساف خلال فصل الربيع حيث تأتي الآلاف من الطيور المهاجرة إلى الراس الطيب باعتباره أقرب مسافة إلى القارة الأوروبية حيث يواصل الهجرة. وغالبا ما تطلب الطيور المهاجرة بعض الوقت للراحة في جبل «شيشو» بالهوارية قبل مواصلة السفر عندها تبدأ مهمة البياز (صائد طائر الساف) فيعتمد طريقتين للاصطياد الأولى بواسطة شباك ثابتة والثانية عن طريق شباك متحركة. ويروض طائر الساف على صيد الفرائس وخاصة طائر السمان العابر في أشهر أبريل (نيسان) ومايو (أيار) وأول شهر يونيو (حزيران) من كل سنة وتتم العملية وفق تمارين محددة ويقع استعراض خصال الطيور أمام الزائرين ويقدم طائر الساف مهاراته بالقبض على الفريسة في الهواء.

ويتعامل البياز مع طائره باعتباره أحد أفراد العائلة فإذا كان ممتازا في صيد السمان، فإنه عادة ما يطلق عليه اسم «الشنتي» وهو عبارة عامية تونسية تعني الطفل الصغير أي يصبح أحد أطفال البياز.

ويقول حسين الغانمي (أحد الزوار) إن مشاهد الصيد هي التي تجلبه إلى المهرجان، كما أن الموقع المميز لمنطقة الهوارية والإحساس بالانطلاق من أعلى جبالها يشحذه بطاقة كبرى لزيارتها في أكثر من مناسبة.

أما بالنسبة لطائر البرني وهو طائر يسكن جبل الهوارية ويقع استخراجه من أعشاشه في بداية الربيع ولا تمنح إدارة الغابات التونسية أكثر من أربعة طيور في السنة ويستعمل بالخصوص في صيد الحجل عند موسم الخريف وهو طائر سريع تفوق سرعته القصوى حدود 200 كلم في الساعة عند الانقضاض. ويعتبر التونسي مروان المؤدب (أحد المهتمين بمهرجان الساف بالهوارية) أن علاقة المدينة بطائري الساف والبرني قديمة جدا، فقد أظهرت إحدى اللوحات الفسيفسائية التي عثر عليها سنة 1977 في سفح برج مدينة قليبية أن تاريخ علاقة المدينة بالجوارح تعود القرن الرابع بعد الميلاد وهي تصور مشهد بيازين يستعملان نفس المعدات التي يستعملها أهالي الهوارية في صيد الساف وبقية الأنشطة المرافقة وتتضمن أدوات الصيد «المشنة» و«النصابة» و«المحراك» وطائر «الزريس» الذي يجلب بتحركاته طائر الساف.