سانيا ميرزا المسلمة.. أول هندية تحرز لقبا من ألقاب «رابطة التنس للمحترفات»

تنوراتها القصيرة أثارت حفيظة الجماعات المسلمة المتشددة.. وصدرت فتوى ضدها

سانيا ميرزا في حفل زفافها إلى لاعب الكريكيت الباكستاني شعيب مالك
TT

إنها كبرى نجمات التنس في الهند، والمسلمة الوحيدة التي أحرزت لقب فردي «رابطة التنس للمحترفات». لقد حققت بطلة التنس الهندية الكبيرة سانيا ميرزا مؤخرا ثاني ألقابها في بطولات «غراند سلام»، بعد أن فازت بنهائي الزوجي المختلط في بطولة فرنسا المفتوحة للتنس لعام 2012.

لم تكن سانيا قد تجاوزت السادسة من العمر حين بدأت في ممارسة تنس الأراضي العشبية في «نادي النظام»، في مسقط رأسها حيدر آباد. والآن، بعد أن بلغت الخامسة والعشرين من عمرها، أصبحت تشتهر بضرباتها الأمامية الأرضية القوية. وقد فازت ميرزا بما يزيد على 500 مباراة طوال مسيرتها الاحترافية، وهي صاحبة أعلى تصنيف بين جميع لاعبات التنس الهنديات على الإطلاق، حيث سجلت أعلى مركز لها طوال مسيرتها مع اللعبة وهو المركز رقم 27 في الفردي ورقم 7 في الزوجي.

وهي أول هندية يتم إعفاؤها من المباريات التمهيدية في إحدى بطولات «غراند سلام»، وأول هندية تحرز لقبا من ألقاب «رابطة التنس للمحترفات»، من خلال فوزها بلقب الزوجي المختلط في بطولة أستراليا المفتوحة لعام 2009، ثم فوزها باللقب ذاته في بطولة فرنسا المفتوحة لعام 2012، كما حققت المركز الثاني في بطولتين أخريين من بطولات «غراند سلام»، وهما زوجي المختلط في بطولة أستراليا المفتوحة لعام 2008، وزوجي السيدات في بطولة رولان غاروس لعام 2011.

كان أول ظهور لسانيا على الساحة الدولية من خلال تمثيلها للهند في بطولة العالم للناشئين التي استضافتها جاكرتا عام 1999، ثم جاء إنجازها الرائع في عام 2003 حين فازت مع زميلتها الروسية أليسا كليبانوفا بنهائي زوجي السيدات، لتسجلا لنفسيهما انتصارا بأم بطولات «غراند سلام»، وهي بطولة «ويمبلدون».

ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك نظر إلى الوراء بالنسبة لهذه الفتاة المسلمة المتألقة. وتعد سانيا أول رياضية هندية تظهر صورتها على غلاف الإصدار الآسيوي من مجلة «تايمز»، التي وصفتها بأنها قدوة للمرأة الهندية، وصنفتها ضمن 50 بطلا آسيويا في عام 2005. وفي العام نفسه، أثبتت سانيا همتها وجرأتها حين التقت مع سيرينا ويليامز في الجولة الثالثة من بطولة أستراليا المفتوحة، وهي المباراة التي ظلت تقاتل فيها حتى الرمق الأخير.

وقد شكل هذا علامة فارقة في رحلة فتاة عادية ذات طموحات غير عادية في الحياة، ويتم تشبيه ما تتمتع به سانيا من تركيز وإصرار بأسطورة التنس الألمانية الشهيرة شتيفي غراف، ولكن بالنسبة لأبناء بلدها، فهي سانيا وحسب - بطلة تنس بلا نظير.

ولدت سانيا في أسرة مسلمة متدينة، وتدربت على يد والدها عمران ميرزا، الذي كان يعمل صحافيا رياضيا، ثم تدربت على يد كريشنا بوباثي (والد نجم آخر من نجوم التنس الشهيرين في الهند، وهو ماهيش بوباثي)، قبل أن تنتقل إلى «أكاديمية إيس للتنس» في الولايات المتحدة.

وقد تمكنت سانيا من هزيمة الكثير من لاعبات الصف الأول، مثل سفيتلانا كوزنيتسوفا وفيرا زفوناريفا وماريون بارتولي، إلى جانب اللاعبتين صاحبتي المركز الأول على العالم سابقا مارتينا هينغز ودينارا سافينا.

وتقول سانيا: «أعتقد أن الرياضي ينظر إلى هذه الأمور بشكل مختلف قليلا. كل ما نفعله هو أن نبذل أقصى ما في وسعنا وأن نحاول إلقاء الانتصارات والهزائم خلف ظهورنا».

ورغم أنها فكرت في وقت من الأوقات في اعتزال التنس بسبب كم المشكلات التي أثيرت حولها، فقد حققت لنفسها رصيدا نادرا، وأصبحت في نظر محبي التنس والهنود في جميع أنحاء العالم تمثل وجها ديناميكيا جديدا للهند الشابة.

وتتصرف سانيا كفتاة مفعمة بالحيوية والشجاعة لإثبات موهبتها، من دون أن تدري أن هناك ما هو أكثر بكثير من التنس سوف يأتي في طريقها، فقد أضاف هذا الجمال الهندي الفتان الذي تتمتع به جوهرة أخرى إلى تاجها، حيث صنفت ضمن أجمل 10 لاعبات تنس على مر العصور في التصنيف الذي أصدرته وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» في عام 2006، حيث جاء اسمها فيه بعد الروسيتين آنا كورنيكوفا وماريا شارابوفا.

ولطالما كان رونقها الجذاب داخل الملعب وتنوراتها القصيرة وولعها باللعب القوي يحظى باهتمام من نوع معين ربما حتى لم تنتبه هي إليه، إلى أن صدرت ضدها فتوى باعتبارها لاعبة مسلمة، حيث شنت الجماعات الإسلامية المتشددة هجوما عنيفا ضدها بسبب ارتدائها لتنورات التنس القصيرة وظهورها في لقطة إعلانية وهي تقف أمام أحد المساجد. ففي عام 2005، بعد أن أصبحت ميرزا أول هندية تفوز ببطولة من بطولات «رابطة التنس للمحترفات»، انتقد أحد الشيوخ الكبار في «جمعية علماء الهند» ارتداءها لملابس مبهرجة، وأعرب عن خوفه من أن تقلد الفتيات المسلمات تلك الرياضية المتبرجة، وأفتى بضرورة منع سانيا من اللعب إلى أن تغير زيها الذي ترتديه داخل الملعب.

وقال حسيب الحسن صديقي، أحد المشايخ الهنود: «إن الزي الذي ترتديه داخل ملاعب التنس لا يكشف أجزاء كبيرة من جسدها فحسب، بل لا يترك شيئا للخيال أيضا»، مؤكدا أن الإسلام يحرم ارتداء المرأة للتنورة والسروال القصير والقميص من دون أكمام أمام الناس، وأن عليها أن تستر نفسها. وأضاف صديقي أنه قلق من أن تصبح ميرزا قدوة للأجيال الشابة من الفتيات المسلمات. وقد تلقى طبيب العائلة خطابات تهديد عن طريق البريد العادي والبريد الإلكتروني بأنه سيواجه عواقب وخيمة إذا قام بعلاجها.

وردا على ذلك، قالت سانيا: «طالما أحقق الفوز، لا ينبغي أن يهتم الناس بما إذا كان طول تنورتي 6 بوصات أو 6 أقدام». وقد قامت لاحقا بوضع شعار جريء على قميصها الرياضي يقول: «المرأة المهذبة نادرا ما تصنع التاريخ»، بينما بدا أنه رد غير مباشر على كل تلك التعليقات البذيئة غير معروفة المصدر.

ولم ينعكس إيمانها بنفسها على ملابسها أو لعبها فحسب، بل انعكس على أفكارها كذلك - ومن المفهوم أن تكون هناك مشكلات لدى الناس في هذا أيضا.

كما قام متعصبون دينيون بإحراق صورتها إثر أنباء ترددت عن إدلائها بتصريحات تؤيد فيها العلاقات قبل الزواج. ومرة أخرى، قامت سانيا بتهدئة الأجواء بقولها إن كلماتها قد حرفت وإنها لم تقصد قط إيذاء مشاعر أحد.

وفي عام 2006، ذكرت بعض الصحف أن ميرزا امتنعت عن لعب مباراة زوجي مع لاعبة التنس الإسرائيلية شاهار بيير خوفا من اعتراض الجالية المسلمة في الهند، إلا أنه لم يحدث أي رد فعل حين اشتركت مع بيير في فريق واحد أثناء بطولة «رابطة التنس للمحترفات» التي جرت في ستانفورد بولاية كاليفورنيا عام 2007.

وتتمتع سانيا بسجل طويل مع المشكلات، فهذه النجمة الهندية، التي يسجل اسمها نتائج بحث على موقع «غوغل» أكثر حتى من رمز محبوب في لعبة الكريكيت مثل ساشين تندولكار، أفلتت بالكاد من فتوى أخرى كانت ستصدر ضدها في عام 2007 عن طريق إصدار اعتذار مكتوب بسبب تصوير إعلان بالقرب من أحد المساجد، في استمرار لمسلسل الأفعال التي تثير ردود أفعال غاضبة.

وبعد ذلك، في عام 2008، تم تصوير ميرزا وهي تدلي قدميها وتظهر باطن قدميها العاريتين فوق طاولة إلى جوار علم هندي صغير، بينما تشاهد زميلها روحان بوبانا وهو يلعب في بطولة «كأس هوبمان» عام 2008، وقد كانت على وشك المثول أمام القضاء بموجب «قانون حظر إهانة الشرف الوطني»، بعد أن تقدم أحد المواطنين بشكوى ضدها. ودافعت ميرزا عن نفسها قائلة: «أنا أحب بلدي، وإلا ما كنت سألعب في كأس هوبمان».

وقد اعترفت سانيا بأن كل تلك الضجة التي تثار داخل وطنها أثرت عليها، إلى درجة أنها أصبحت تتساءل عما إذا كان الأمر يستحق أن تستمر في لعب التنس. وفي عام 2008، أعلنت ميرزا أنها ستتوقف عن الظهور في بطولات التنس التي تنظم في الهند، بسبب سلسلة المشاكل التي تعرضت لها هناك، وكذلك بناء على نصيحة مدير أعمالها نظرا لما يسببه ذلك لها من ضغط عصبي لا داعي له، مما يؤثر على أدائها ويؤدي إلى تعرضها للإصابات.

وتعد حياة سانيا، التي دخلت ضمن العشرة الأوائل في تصنيف الزوجي على مستوى العالم، أشبه بفيلم هندي حافل بالأحداث. فقد أجرت سانيا، التي ولدت في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1986 في مومباي، 3 عمليات جراحية في الرسغ والركبتين، وهي تعترف بأن جسمها لا يبدو على الإطلاق جسم شابة في الخامسة والعشرين من العمر، بل «يبدو أكبر سنا بكثير» على حد تعبيرها.

وفي عام 2009، تمت خطبة سانيا إلى صديق طفولتها سوهراب ميرزا، لكنها فسخت خطبتها لاحقا لتتزوج من لاعب الكريكيت الباكستاني شعيب مالك، وقد أتما زواجهما في شهر أبريل (نيسان) عام 2010 في مدينة حيدر آباد بالهند، قبل أن يقيما مراسم الزفاف في باكستان.

وقد أثار هذا الزفاف مزيدا من الجدل، حيث اتهمت فتاة أخرى شعيب مالك بأنه متزوج منها بالفعل، وبالتالي لا يمكنه الزواج من ميرزا من دون أن يطلقها أولا. وفي البداية، ظل شعيب مالك لعدة أيام يرفض تطليقها، مدعيا أنه لم يكن متزوجا. وقد أحدثت هذه الواقعة دراما إعلامية ضخمة أثارت الكثير جدا من الاهتمام على صفحات الإنترنت كما ذكرنا سابقا. وفي النهاية، لم يكن أمام شعيب أي خيار آخر سوى تطليق هذه الفتاة، مما مهد الطريق لزواجه التالي من ميرزا.

وتتمتع سانيا بشعبية جارفة ربما يحسدها عليها لاعبو الكريكيت في الهند أو حتى نجوم «بوليوود»، كما أنعمت عليها الحكومة الهندية بالعديد من أعلى الأوسمة والنياشين المدنية، تقديرا لما قدمته من إسهامات للعبة التنس الهندية. ورغم أنها ملكة المشكلات بلا منازع، تعد سانيا مسلمة متدينة ملتزمة بتعاليم دينها. والهدف القادم الذي تضعه نصب عينيها هو إحراز ميدالية أولمبية في لندن هذا الصيف.