أزمة 1954 تلقي بظلالها على المشهد السياسي المصري في 2012

المجلس العسكري يخوض معركته الأخيرة مع الديمقراطية

TT

حاصر نشطاء مصريون تصريحات المجلس العسكري الحاكم بسيل من عناوين الصحف التي تعود لعام 1954، وتبدو كأنها تكرار لتصريحات جنرالات الجيش خلال العام ونصف العام المنقضي. وبالنسبة لاختيار هذا التاريخ، فإنه يعكس قدر الشكوك التي تساور شباب الثورة بشأن نوايا «العسكري» في الاحتفاظ بالسلطة التي وعد بتسليمها للمدنيين نهاية الشهر الحالي. ويقول النشطاء إن الأسبوع الماضي يشبه إلى حد بعيد ما حدث عام 1954؛ الذي شهد ما بات يعرف في الأدبيات السياسية بـ«معركة الديمقراطية».

وتسبب الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره «العسكري» قبل أيام، في إثارة هواجس جديدة لدى النشطاء معتبرين أنه يكرس لسلطات المؤسسة العسكرية التي خرج منها رؤساء مصر الأربعة منذ تأسيس الجمهورية في خمسينات القرن الماضي.

القلق الذي انتاب شباب الثورة وجد له صدى لدى الإدارة الأميركية، التي انتقدت ربما للمرة الأولى قيادات المجلس العسكري قائلة إنهم «لم يفوا بما وعدوا به». وتناولت عدد من الصحف العالمية المستجدات التي طرأت على الساحة المصرية، وقال روبرت فيسك مراسل صحيفة «الاندبندنت» البريطانية في منطقة الشرق الأوسط إن المجلس العسكري ضمن لنفسه الفوز في الانتخابات الرئاسية، التي تنافس فيها الفريق أحمد شفيق وهو جنرال سابق في الجيش، وكان آخر رئيس في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.

الأمر نفسه أشارت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية التي قالت إن القادة العسكريين خطوا نحو تعزيز قوتهم عشية جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، وأغلقوا البرلمان الذي كانت أغلبيته من التيارات الإسلامية، منفردين وحدهم بسلطة إصدار القوانين حتى بعد تولي الرئيس الجديد.

في جمعة أخرى تعود لعام 1954 خرجت المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في الشوارع، خاصة في المناطق العمالية، في شبرا وحلوان، وسيطر المتظاهرون على الشارع منذ الصباح، واستمرت المظاهرات بعد صلاة الجمعة حتى العصر، وقد شاركت فيها قوى سياسية مختلفة، لكن الهوة كانت تتسع بين طموحات الشارع وطموحات مجلس قيادة الثورة.

غاب عن التظاهرات التي اندلعت يوم 25 مارس (آذار) 1954 جماعة الإخوان المسلمين التي هتف أنصارها بسقوط الديمقراطية، فخذلوا القوى السياسية التي لم تكن موجودة لتدافع عنهم حين قرر جنرالات يوليو (تموز) الإطاحة بالإخوان؛ وغيبوهم لعقود في ظلمة السجون.

«كانت شقة الفراغ قد أخذ يزيد عرضها بزيادة إعراض العسكريين عن المدنيين، وما يقابله عند هؤلاء من رد فعل مماثل يخالطه الظن بأن الثورة التي رحبوا بقيامها قد لا تكون إلا انقلابا عسكريا».. هكذا وصف المستشار سليمان حافظ، نائب رئيس مجلس الدولة المصري عند قيام ثورة 23 يوليو، في كتابه «ذكرياتي عن الثورة» ما كان راهنا حينها.. ويعتقد البعض أن هذا الوصف لا يزال صالحا لرسم المشهد الراهن في مصر.

في المقابل يرى مفكرون ومحللون أنه شتان بين عامي 1954 و2012. ويستبعد الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى وجود تشابه بين الثورتين، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد تماثل لا في الأحداث ولا الظروف ولا النتائج، ولا يوجد تشابه بين القوى السياسية في ذلك الوقت. والآن من حيث التركيب والوعي. ففي عام 1952 كان مجلس قيادة الثورة يعبر عن تنظيم سياسي داخل الجيش (الضباط الأحرار) الذي فجر الثورة وأسقط الملكية وأخرج الملك، وهذا يختلف عن وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ فهو لم يقم بالثورة؛ وإنما فُوِضَ بإدارة الأمور بعد تنحي الرئيس السابق مبارك».

يضيف عيسى أن الدستور المؤقت الذي صدر أثناء أحداث ثورة 1952 خول لمجلس قيادة الثورة كل السلطات في البلاد سواء تنفيذية أم تشريعية، أما بالنسبة لحال المجلس الأعلى للقوات المسلحة فالسلطة التشريعية عادت إليه بمقتضى حل البرلمان، وأن السلطة التنفيذية في يد الحكومة.

ويشاركه في الرأي اللواء سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عدة اختلافات جوهرية بين الثورتين.. حيث إن الأولى اندلعت بمبادرة من القوات المسلحة، في حين أن الثانية طلب فيها من القوات المسلحة أن تنزل لتحمي الشارع. يقول سيف اليزل: «كان هناك أيضا تحول في شكل الدولة من الملكية إلى الجمهورية، وهذا ليس موجودا بطبيعة الحال في هذه المرحلة. كما أنه في الفترة التي أعقبت ثورة 1952 لم يكن هناك انفلات أمني، كما هو الحال الآن».

ورغم الاختلافات.. لا تزال الشكوك متقدة، وربما يحتاج المصريون صبر ساعة ليعرفوا هوية الرئيس الجديد ليتأكدوا إذا ما كان الجيش سوف يعود إلى ثكناته؛ حاملا نوط الواجب، أم كرسي العرش.