صدامات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين بالخرطوم في أول جمعة احتجاجا على إجراءات الحكومة الاقتصادية

مريم الصادق القيادية في قوى الإجماع الوطني لـ «الشرق الأوسط»: نعمل على خروج مظاهرة مليونية

اعمدة الدخان تتصاعد بعد حرق متظاهرين سودانيين دواليب احتجاجا ضد سياسات الحكومة في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

استخدمت قوات الأمن السودانية الهراوات والغاز المسيل للدموع، أمس، لتفريق مظاهرات في بعض أحياء الخرطوم دخلت يومها السادس احتجاجا على قرارات الحكومة بخفض الإنفاق. وقال ناشطون وشهود عيان إن ما بين 400 و500 محتج بدأوا يرددون هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» أثناء خروجهم من مسجد الإمام عبد الرحمن في حي ودنوباوي بأم درمان بعد صلاة الجمعة، ومسجد الإمام عبد الرحمن في الخرطوم من أكبر وأشهر مساجد الخرطوم. ويعرف بأنه مركز لدعم حزب الأمة المعارض. ومع احتشاد قوات الأمن دعا المحتجون الشرطة للانضمام إليهم وهتفوا قائلين «يا بوليس يا بوليس مهيتك (راتبك) كام ورطل السكر بقا بكام». وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع ثم استخدمت الهراوات في اشتباكها مع المحتجين الذين رشقوها بالحجارة. وقال شهود عيان إن رجالا يرتدون ملابس مدنية هاجموا المظاهرات أيضا.

ويعاني السودان من ارتفاع حاد في التضخم منذ انفصال جنوب السودان قبل نحو عام، مستحوذا على نحو ثلاثة أرباع إنتاج البلاد قبل التقسيم من النفط. ويحاول الناشطون استغلال الإحباط العام لبناء حركة للإطاحة بحكومة الرئيس عمر حسن البشير.

والمظاهرات الحاشدة نادرة نسبيا في السودان الذي تفادى احتجاجات الربيع العربي التي اجتاحت مصر وليبيا المجاورتين. وعادة ما تسارع قوات الأمن لتفريق المظاهرات. لكن خطوات اتخذتها الحكومة لخفض الإنفاق لسد عجز في الموازنة وشملت خفض دعم الوقود أشعلت موجة من المظاهرات الصغيرة هذا الأسبوع.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، إن الخرطوم بحري شهدت مظاهرات محدودة في بعض أحيائها أمس، ولكن الشرطة فرقتها بالهراوات. كما أن بعض هذه المظاهرات شهدت إحراق إطارات سيارات قبل أن تفرقها الشرطة. وأضافت هذه المصادر أن مظاهرات أخرى خرجت في بعض أحياء الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، حيث خرجت بعضها عقب صلاة الجمعة في الكلاكلة بجنوب الخرطوم وفي حي الشهداء وسط أم درمان التي استخدمت قوات الأمن السودانية الهراوات والغاز المسيل للدموع في تفريقها، مما أسفر عن سقوط مصابين.

وذكرت المصادر أن المظاهرات امتدت إلى مدينة ود مدنى عاصمة ولاية الجزيرة بوسط السودان. وتتواصل المظاهرات لليوم السابع على التوالي، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة بسبب الإجراءات التقشفية التي تم اتخاذها قبل إجازتها من المجلس الوطني، بحجة تفادي تخزين التجار لبعض السلع الضرورية للاستفادة من الزيادات المعلنة المتعلقة برفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية.

وقال شهود عيان، إن طلاب كلية المصارف الخاصة، التي تقع على بعد 100 متر من القصر الرئاسي في الخرطوم، رشقوا قوات مكافحة الشغب بالحجارة، فردت باستخدام الهراوات لتفريقهم، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وبدأت الاحتجاجات الطلابية على غلاء الأسعار يوم السبت الماضي في جامعة الخرطوم، أكبر الجامعات السودانية، ثم امتدت لجامعات أخرى، وذلك احتجاجا على تدهور الوضع الاقتصادي والذي أجبر الحكومة على إجراء خفض كبير في النفقات أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة.

ويعاني الاقتصاد السوداني من صعوبات منذ انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) الماضي، حيث أصبح 75 في المائة من إنتاج النفط تحت سيطرة الدولة الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم حتى وصلت إلى 30 في المائة وتراجع قيمة العملة السودانية.

إلى ذلك، واجه نواب الهيئة التشريعية القومية قرار تطبيق زيادة أسعار المحروقات قبل إجازتها من الهيئة، بعاصفة من الغضب والرفض، وقالوا إن هذه الخطوة تنتقص دور الهيئة وكرامتها، ووصفوا قرار وزير المالية بالمخالف للقانون والباطل، وأشاروا إلى أنه سابقة خطيرة، وفي حين طالبوا بسحب الثقة من وزير المالية علي محمود فورا، برأ أحمد إبراهيم الطاهر رئيس الهيئة الوزير من قرار الزيادة، وقال إنه شاوره في إجراء مثل هذه الخطوة الاحترازية تحوطا من استغلال بعض ضعاف النفوس للمقترح والعمل على تخزين المحروقات، إلا أن عددا كبيرا من النواب وصف خطوة وموافقة رئيس الهيئة دون الرجوع إلى البرلمان بأنها خطأ كبير.

وأجرت الكتلة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني برئاسة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني مشاورات مكثفة بين أعضائها للاتفاق حول مقترح علي محمود وزير المالية بزيادة البنزين 5 جنيهات والجازولين 2.5 جنيه، فرأت من الضروري إصدار قرار استباقي بتخفيض فئة الزيادة جنيه واحد لتصبح الزيادة للبنزين 4 جنيهات والجازولين 1.5 جنيه.

وقال الدكتور العتباني، إن الكتلة قررت أعمال يدها وتعديل الفئات بتحريك الزيادة للأسفل بتخفيض مبلغ جنيه واحد عن كل من البنزين والجازولين. وبالفعل حظيت هذه التعديلات بموافقة وزير المالية، والتزم البرلمان بقبول التخفيض وتعهد بإعادة النظر بمقترحات الموازنة لمعالجة الفروق الناجمة عن التعديل.

إلى ذلك، قالت الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية في قوى الإجماع الوطني لـ«الشرق الأوسط»، إن مظاهرة ضخمة خرجت أمس من مسجد (ود نوباوي) في أم درمان (وهو مسجد طائفة الأنصار التابعين لحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي). وأضافت أن روحها المعنوية عالية جدا لما رأته من خروج الشباب لأول مرة يوم الجمعة، مشيرة إلى أن المتظاهرين أغلقوا الطرق، وأن الأجهزة الأمنية تعاملت بقسوة معهم. وقالت إن عددا من المتظاهرين تم نقلهم إلى مستشفى أم درمان بينهم ثلاثة يعانون من كسر في أقدامهم. وأضافت أنها لا تعرف عدد المعتقلين وأن سيارات الأجهزة الأمنية والشرطة كان مبالغا فيها. وقالت إن الدعوة للمظاهرة نابعة من المواطنين ولا تحتاج إلى تحريض من قوى المعارضة. وأضافت «سياسات النظام هي التي تدفع الشعب للتظاهر إلى جانب أن قمع الأجهزة الأمنية القاسية من اعتداءات داخل الأحياء حتى للذين لا يشاركون بإطلاق الغاز المسيل للدموع والضرب المبرح».

ووصفت الدكتورة مريم المهدي الأوضاع في بلادها بالخطيرة. وقالت «إن الحل لا يمكن أن يكون عبر السياسات القمعية والإجراءات التي تقوم بها الحكومة، ولا بد أن يكون هناك حل شامل يحدث التغيير». وأضافت «إن مناطق الإنتاج الزراعي التي تعرف بحزام السافانا في جنوب كردفان والنيل الأزرق تشهد حروبا لا بد من الوصول إلى اتفاق وحل سياسي لها إلى جانب قضايا الاقتصاد والمعيشة لدى المواطنين». وتابعت «ما نحتاجه في السودان الآن تغيير شامل وهو البرنامج الذي طرحته قوى الإجماع الوطني الذي أصبح معروفا ببرنامج ما بعد نظام الإنقاذ». وقالت «إن يوم الثلاثاء سيشهد توقيع قادة القوى السياسية المعارضة على البرنامج البديل لما بعد نظام المؤتمر الوطني». وشددت على أن القوى السياسية في تحالف الإجماع الوطني تؤيد المظاهرات التي يقوم بها الطلاب والشباب والمواطنون في الجامعات والأحياء السكنية. وقالت «سنعمل على إخراج مظاهرة مليونية حتى يتم التغيير».

من جهته، قال نور الدائم محمد أحمد رئيس حركة تحرير السودان فصيل مني أركو مناوي في المملكة المتحدة وآيرلندا لـ«الشرق الأوسط» إن قرابة 100 شخص تظاهروا أمس أمام السفارة السودانية في لندن للتنديد بالسياسات الاقتصادية التي اتخذتها الخرطوم مؤخرا وقمعها للمحتجين من الطلاب والشباب. وأضاف أن المتظاهرين رفعوا شعار إسقاط النظام والدعوة لحق المظاهرات والتعبير عن الرأي في السودان ووقف القمع الذي تقوم به الأجهزة الأمنية. وقال إن القوى السياسية في المملكة المتحدة هي التي دعت السودانيين في لندن للتظاهر أمام سفارتهم لإيصال صوتهم. وتابع «سوف تستمر المظاهرات حتى إسقاط النظام في الخرطوم».