الناشط اليمني الأصبحي: حرب الجيش اليمني ضد «القاعدة» أعادت له الاعتبار

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الحوار الوطني ضرورة الآن لليمن ومن دونه لا يمكن لأي حل أن يتقدم خطوة

الناشط السياسي والحقوقي اليمني البارز، عز الدين الأصبحي
TT

في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» يتحدث الناشط السياسي والحقوقي اليمني البارز، عز الدين الأصبحي، رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن، وعضو هيئة مكافحة الفساد الذي استقال العام الماضي من منصبه، إضافة إلى نشاطه البارز في منظمات دولية بارزة، عن رؤية الدوائر الغربية للتسوية السياسية في اليمن، ودور منظمات المجتمع المدني ومشاركتها في الحوار الوطني الشامل المزمع انعقاده في اليمن.

ويكشف الأصبحي عن أن المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الغربية يراقبون التسوية السياسية القائمة في اليمن ويرصدون صغائر الأمور وكبائرها وأن أي تعثر للتسوية السياسية سوف يؤدي إلى صدور قرارات حاسمة تجاه الجهات والأشخاص الذين يعرقلون التسوية.. فإلى نص الحوار الذي أجري مع الأصبحي عبر البريد الإلكتروني من واشنطن..

* كيف تنظرون إلى ما مضى حتى اللحظة من تطبيق المبادرة الخليجية والتسوية السياسية؟ وهل المؤشرات الموجودة توحي بإمكانية استمرار التسوية دون عقبات جديدة؟

- لا بد من أن نشيع التفاؤل هذا مهم، أنا على الرغم من أني أميل إلى ضرورة أن يكون وضعنا ثوريا غير ما هو عليه الآن، فإن وقف انزلاق الحرب والمواجهة الواسعة هو في حد ذاته عمل عظيم، ولكن من الواضح أن الأداء الإداري لا يتناسب أبدا، وما يجب أن يكون الإنجاز الوحيد الذي تم في الفترة الماضية هو إعادة الاعتبار للجيش اليمني في أبين بحربه ضد «القاعدة»، هذه الانتصارات أعادت لنا الأمل بأن الجيش لا يزال معافى وليس مشرذم الولاء ومشتت القدرات إلى الحد الميؤوس منه، هذا الانتصار يتجاوز بالنسبة لي مجرد نجاح عملية عسكرية إلى رسالة مفادها أننا يمكن أن نقول إن المؤسسة العسكرية لم تنهر، وهذا مهم في نجاح العملية السياسية.

لا يمكن لك أن تقود حوارا وتدعو إلى الهدوء وضبط النفس وأنت من دون قدرة على فرض النظام وتحقيق الأمن. الرئيس هادي في أصعب موقف وأخطر لحظة، كيف سينجح بتقوية جناح الدولة العسكري على حساب أجنحة القيادات المتنفذة، تلك هي المعادلة الأصعب الآن، المبادرة الخليجية كانت هي الخيار الوحيد، ولم توضع مقترحات أخرى. هناك حالة عجز رهيبة، وهذا سبب انتكاسة الوضع السياسي. ولو ركزنا على وضع الشرعية في اليمن فسنجد أنه منذ اندلاع الثورة الشعبية برز مأزق الشرعية.. مجلس النواب منتهية صلاحيته والحكومة لا حضور لها والشورى لا يملك.. لم تكن هناك شرعية إلا للرئيس، لهذا وجدنا علي عبد الله صالح متمسكا بقوة بعدم التنازل، أما الآن وبعد انتخابات الرئيس عبد ربه منصور هادي أوجدنا الشرعية الشعبية الوحيدة، الآن هناك شرعية مستمدة من الشعب، وهي اختيار الرئيس عبد ربه، أما بقية المكونات في الدولة فهي في محل جدل دستوري؛ البرلمان انتهت صلاحيته والحكومة توافقية من دون هوية ورؤية.

أمام الرئيس عبد ربه فرصه تاريخية لإعادة الاعتبار إلى المؤسسات بإيجاد برلمان منتخب، وحكومة أكثر انسجاما، مستندا إلى الشرعية الشعبية والدعم الإقليمي والرضا الدولي.. لن يحقق ذلك إلا نداء على مشروع متكامل لليمن يعيد للناس روح الانتماء ووهج الحياة.. هناك ضرورة بأن نعيد النظر في الخطاب، ولا يجب أن نظهر للناس والعالم أننا في حالة رثة، وأننا في وضع كارثة إنسانية أو أن كل الذي نحتاجه هو عمل خيري وحملة تبرعات وقليل من الحليب والخبز، ويظهر مسؤولونا يبكون بشكل مؤلم وغير مقبول.

يجب أن ندرك أن هذا مدمر للروح وللبلد وللثورة وللشخصية اليمنية الصلبة والعزيزة، نحن نمر بوضع صعب صحيح، ولكن إذا امتلكنا خطابا صادقا عبر مشروع انتماء فستكون مواجهة هذه المشكلات أهون مما نتخيل، وأنا منذ عام بالضبط وأنا أجوب العالم، وأظنني التقيت بمعظم مراكز القرار من الكونغرس الأميركي والخارجية الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى باريس إلى جنيف ونيويورك، وعرفت عن قرب ثورات «الربيع العربي» في مصر وتونس، وكنت كلما أدخل حاملا ملف اليمن وأطالب بحماية شبابنا، وأظنه تحركا أثمر نداءات هامة بوقف ما كان يمكن أن يكون مجازر أخرى، عندما كنا ندخل إلى أي محفل أو مؤتمر تضامني كانت الهامات ترتفع لأننا أتينا من شعب صبور صامد أثبت شجاعة نادرة ويحلم بالتغيير الجميل له وللعالم كله، هذا الفخر الذي أنهى صورة العربي الطالب للجوء أو الشخص الفقير الذي يحلم بفرصة عمل متسللا عبر الحدود، الآن الأمر مدمر ولا بد من أن تسمع القيادة في اليمن، وخصوصا الحكومة، أن موضوع اليمن إذا فتح فسيأتي نداء وزراء محدودي القدرات وعديمي الخبرة بالخطاب السياسي ليظهروا البلد أنه في ارتباك مخيف وانهيار وعدم قدرة وجوع، وكل الأمل هو مجموعة خيام وبطانيات إغاثة، هذا مدمر أكثر من قصف الحرب وأكثر من الكارثة الطبيعية ويجعل مؤشرات المستقبل مخيفة وأنا لا أخاف من إمكانية مواجهات عسكرية بين الأطراف، هذا لن يحدث الآن، ولو كان ممكنا لكان حدث في الأشهر السابقة حيث مبررات قيام ذلك أقوى وأشد، الآن ما هو موجود هو سلام الضعف المسيطر على الجميع، وليس توازن القوى، والأخطر هذا الانهيار النفسي الذي يحدث للبلد ويهددنا، هذه الحالة من كسر الروح وانعدام الرؤية وغياب المشروع هي الأخطر، وتجعل القادم غير باعث على الاطمئنان.

* إلى أي مدى يمكن أن تلعب منظمات المجتمع المدني دورا في استقرار الأوضاع واستمرار التسوية، وهل ستؤثر المنظمات «المفرخة» على توحيد مواقف هذه المنظمات إزاء القضايا الراهنة ومنها الحوار الوطني؟

- المجتمع المدني لعب دورا مهما جدا في مرحلة إيقاظ الوعي بالحقوق والديمقراطية خلال الفترة الماضية، ودعنا نتحدث الآن بانحياز إلى هذا القطاع الهام الذي أنا منه، وبنوع من الإنصاف، سنجد أن في طليعة أصوات التغيير باليمن، كما هي في مصر وتونس، كانت أصوات من المجتمع المدني، الآن إذا التفتنا لنسد عجزا في الرأي ونقيم جسرا للتحاور لن نجد أفضل من المجتمع المدني، لكن للأسف السلطات العربية واليمن في مقدمتها سواء الحكومات أو الأحزاب لم تفهم الأمر بهذه الصورة الإيجابية وتستفيد من المجتمع المدني، بل على العكس ناصبته العداء بصور مختلفة؛ منها ما هو مباشر من قمع وملاحقات ومنها ما هو أخبث عبر تشويه السمعة والقتل المعنوي.

حكوماتنا تقتل نفسها من أجل خطب ود واشنطن والاتحاد الأوروبي ثم تأتي لتقول إن هؤلاء عملاء لواشنطن وأوروبا.. طيب.. لكنكم تعتبرون هذه منابركم الداعمة، أنا عندما أقابل صانعي القرار والمؤثرين في سياسة هذه الدول أكون حاملا الوطن كله لا منظمة أو حزبا، ها أنا أرد عليك من واشنطن الآن، وأتابع بعين المجتمع المدني اليمني الذي يريد بلده أجمل بلد وليس تنظيما صغيرا أو فئة محصورة، هكذا أفهم دور المجتمع المدني، ولكن للأسف فإن غياب الوعي المدمر لدى سلطات لا تعرف غير أن تتمسك بالسلطة كمصدر عيش لا مسؤولية بناء وتطوير وصون كرامة شعب ووطن يجعلنا ندمر كل ما هو جميل ومفيد، الآن المؤشرات في اليمن مؤلمة مئات المنظمات الجديدة وعشرات التحالفات الشبابية وهناك من يدفع لإظهار هذا القطاع بأنه غير فاعل بل ومتشظ وسيئ ويظن أن بإقصاء الشباب أو المجتمع المدني سيكون حقق نجاحا باهرا وضربة سياسية، وفي الحقيقة هو ضرب لروح التوحد وزيادة في تشظي المجتمع، وسنكتشف بعد فترة أهمية هذا القطاع الهام ونندم أكثر على أننا لم نسهم بتقويته وتطويره ودعمه كشريك في تحمل المسؤولية في الوقت المناسب، ما يجري من عدم اهتمام بهذا القطاع هو ضرب لمشروع الاستقرار والتقدم لا أكثر.

* باعتبارك قريبا من الدوائر الغربية بحكم نشاطك الحقوقي، إلى أي مدى يمكن أن يستمر الغرب في السكوت إزاء تصرفات النظام السابق والمحسوبين عليه في إعاقة مسيرة التسوية؟ وهل تتوقع إجراءات معينة سواء بشكل فردي للدول أو جماعي لمجلس الأمن؟

- يجب أن ندرك أن الدول الراعية للاتفاق لا تريد أن تفشل، هي تراهن بشدة على النجاح، وما يعوق النجاح ليس فقط من يعرقلون المسيرة السلمية، أو دعنا نصوب الأمر ونقول لمسير التسوية، بل العرقلة أيضا عدم النجاح لعدم القدرة، الأمر يحتاج قادة استثنائيين بكل معنى الكلمة.

أمس كان دبلوماسي كبير في واشنطن يقول لي إنه مصدوم في اليمن، ليس فقط من الرافضين للعمل السياسي، ولكن من هذا العجز.. أن يجد المسؤولين يقولون له اعملوا لنا.. قال نحن نساعد وندعم عملكم ولا نعمل بدلا عنكم.. اكتشفنا بأننا لم نبنِ مؤسسات ولا قدرات وخبرات لا في الدولة ولا في الأحزاب. كثير من الخطوات على مستوى الأرض لم تحقق النجاح المنشود؛ لا لأن المعرقلين أقوياء بل لأننا لم نحسن إدارة الأزمة ولا إدارة الحوار، أما المتابعة الدولية فهي قوية. قلت لأحد ممثلي الدول الدائمة في مجلس الأمن، هل أنتم جادون بالملاحقة؟ قال نحن سنجعل مجلس الأمن حارسا يقظا، وسنلتقط المعرقلين التقاطا. وأشار بيده كمن يلتقط شيئا دقيقا، وأظن هذا صحيحا، ومؤشرات مجلس الأمن واضحة رغم أن قرارات المعرقلين هي عامة ولا تحدد طرفا، بل تقرأ حسب الحاجة، أي أن الكل تحت المجهر، هذه قراءتي للأمر، الكل تحت المجهر، وحسب الحاجة سيتم وضع القوائم المحددة والصغيرة.

* هل تعولون في المجتمع المدني على أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني الشامل بمقررات قابلة للتطبيق في ظل ما يطرح من قبل الجنوبيين بشأن فك الارتباط وسيطرة الحوثيين المطلقة على صعدة، ووجود مناصرين للنظام السابق في الحكومة والساحة السياسية؟

- الحوار الوطني ضرورة الآن لليمن ومن دونه لا يمكن لأي حل أن يتقدم خطوة، حتى إذا أردنا أن نذهب إلى الانفصال فلا بد من الحوار، ليس هناك مخرج آخر، منطق الحرب لم يعد مقبولا، ولا يمكن أن يلقى قبولا شعبيا ولا دعما دوليا، والرهان على الحرب عمل غير واقعي وانتحار، ليس أكثر، وأظن أن القضية الجنوبية هي قلب العملية كلها، وإذا استطاع الرئيس عبد ربه منصور هادئ بقوة أن يتخذ خطوة للأمام فسيكون ذلك أهم من مجرد حوار طاولة للجان المختلفة، فمثلا هناك قرارات هامة أتمنى أن يقدم عليها الرئيس، وتتمثل من وجهة نظري في: أولا: الاعتراف بشجاعة أن الجنوب قضيتنا جميعا، وأن كارثة حرب 1994 هي كارثة وخطيئة وليست خطأ سياسيا. ثانيا: إعادة كل المنتسبين إلى السلك العسكري والأمني والمدني إلى وظائفهم واحتساب فوارق السنوات وتعويضهم، وهذا قرار يمكن أن يتم خلال أسبوع. ثالثا: إصدار قرار بإعادة كل الأراضي والثروات الاستراتيجية التي أعطيت لأشخاص إلى ملك الدولة. البعض صدرت له أوامر صرف بحقول نفط.. شيء غير معقول! ويركز على استرجاع الأراضي الضخمة لا تلك الصغيرة التي هي للسكن الشخصي حتى لا نغرق في قضايا صغيرة..

هذه الخطوات ستمهد لحوار وطني يزيل نصف الاحتقان ويشجع على بروز روح التفاؤل، ولنقل إن استرجاع الأراضي والتسويات سيأخذ وقتا، وليكن.. والأهم صدور القرارات مع توفر الإرادة السياسية ورفع الروح المعنوية.. إن ذلك أبرز من هيكلة الجيش، في نظري، ومقدمة أساسية للاستقرار، وتمهيد لإنجاح الحوار بقوة في الجوانب الأخرى. وأرى أن الحوثيين أعلنوا ترحيبهم بالحوار، وهذا خطوة سياسية ذكية منهم. البعض راهن على أن الحوثيين سيرفضون، وبالتالي سيسهل حصارهم وضربهم دوليا كمعرقلين للتسوية، لكن أظن أن الحوثيين أدركوا ذلك وسارعوا بإعلان القبول بالحوار، وهذا يعطيهم ما كانوا يبحثون عنه، وهو اعتراف سياسي بكيانهم، وأنهم ليسوا مجموعة مسلحة مناوئة، ولكن قوة سياسية تشارك في بناء الوطن، هم لن يضيعوا هذه الفرصة وسيأتون إلى أي مؤتمر حوار، لأنه لن يفقدهم على المدى القريب أي خسارة على الأرض، بل يكسبهم سياسيا، أما الجنوبيون فهم التحدي، وإذا توحدت رؤيتهم فسيحملون حلا لكل البلد، لا للجنوب فقط، وطرف الحكم الآخر مهما ارتفع ضجيجه، فإن الحوار لصالحة، لأنه يعود من خلاله إلى ساحة الشرعية والاعتراف به كشريك، ولا أظن أنه سيضيع هذه الفرصة، وإلا ستكون من الأخطاء القاتلة، ونبقى بالشباب والفئات المهمشة مثل قوى تعز والمناطق الوسطى الغربية التي تمثل تعز وإب والحديدة قلبها لا يلتفت إليها بجدية للأسف، وهذا تصرف غير صائب لأنه يصنع حراكا قادما، فالصمت أو المطالبة السلمية إذا لم تجد آذنا مصغية في الوقت المناسب فستتحول إلى غضب غير منظم، ولنتذكر حراك الجنوب السلمي عام 2007، وحالة التجاهل التي أوصلته إلى أين، وعدم الاعتراف وتجاهل القوى الفاعلة والمحافظات الفاعلة بطريقة التجاهل أو الاستكبار أو التذاكي تضع فقط في طريقنا ألغاما مؤقتة وتمهد الطريق للأكثر انفلاتا من الأشخاص وتقدمهم شعبيا على أصحاب المنطق العاقل، ثم نجد الوطن في ورطات حقيقية.