500 عائلة تحتكر المشهد السياسي في الهند

أشهرها عائلة نهرو - غاندي والتوريث لدى بعضها وصل إلى الجيل الخامس

ديمبل ياداف و راؤول غاندي
TT

في حدث تاريخي شهدته أكبر ديمقراطية في العالم، تم انتخاب عضو في البرلمان الهندي من دون أي اعتراض. وفازت ديمبل ياداف، زوجة رئيس الوزراء في حكومة ولاية أتار براديش، أكليش ياداف، بمقعد البرلمان، من دون أي اعتراض، حيث قررت أحزاب المعارضة عدم تقديم أي مرشح لها.

لم يكن فوزها مفاجئا، فهي تتحدر من عائلة سياسية، فحماها رئيس وزراء سابق وكان وزير دفاع وهو حاليا حليف قوي لحكومة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم. ويسلط هذا الضوء على التاريخ الطويل للحكم القائم على العائلات. ويقدر عدد العائلات السياسية في الهند، بأكثر من 500 عائلة شغل أفرادها تقريبا كل المناصب السياسية على المستوى القومي ومستوى الولايات. ووصلت بعض العائلات إلى الجيل الخامس حاليا. ويزخر المشهد السياسي والبرلمان بالأقارب من آباء وأبناء وبنات وزوجات وأرامل وزوجات أبناء وأزواج بنات وأبناء أخ أو أخت وأخوال وأعمام، مما يجعل الشكل العائلي هو المسيطر على المشهد. مع ذلك، أقدم وأعرق عائلة سياسية بين تلك العائلات هي عائلة نهرو - غاندي التي حكمت البلاد لمدة 37 سنة منذ الاستقلال منذ 65 عاما، حيث شغل الجد والابنة والحفيد منصب رئاسة الوزراء. ينتمي راؤول غاندي، الذي يطلق عليه خصومه السياسيون أمير حزب المؤتمر الشعبي، إلى الجيل الخامس. باستثناء الشيوعيين واليمين المتمثل في حزب بهاراتيا جاناتا، يمارس كل حزب سياسي في الهند السياسة القائمة على العائلات.

امتدت العائلات السياسية في أنحاء الهند منها عائلة عبد الله في ولاية جامو وكشمير في الشمال، وكاروناندهي في تاميل نادو في الجنوب، وعائلة بادال في البنجاب وتشاوتالاس وهودا في هاراينا، وديكشيتس في دلهي وثاكري وباوارا وديورا في مهاراشترا، وريدي في أندرا براديش، وياداف في أتار براديش، وبيهار وسينديا في راجستان، وبايلوت في ماديا براديش.

والأحزاب الإقليمية في الهند قائمة بالأساس على العائلات، حيث عادة ما يشغل المناصب سواء داخل الحزب أو في الحكومة أبناء وبنات وأعمام وأبناء أخ أو أخت. ويعد هذا من الأسباب الرئيسية التي تحول دون شغل أصحاب الكفاءات مناصب سياسية وتجعل الأفراد الذين ينتمون إلى أحزاب سياسية يبحثون عن أهل الثقة طوال الوقت لأنهم سيساعدونهم على البقاء في السلطة. وكتب أسيت جولي في مجلة «إنديا توداي»: «عملية الانتخابات ما هي إلا تحول مؤقت في ميزان القوى من عائلة إلى الأخرى. وأثمر الزواج بين العائلات عن ملاذات سياسية تضمن عدم خروج عائلة من المشهد السياسي بشكل كامل. ويأتي حزب المؤتمر الشعبي في المرتبة الأولى في هذا الصدد، يليه بعض الأحزاب الإقليمية. وكشفت دراسة عن انتشار هذا التوجه في شمال الهند أكثر من انتشاره في الجنوب. وأوضحت الدراسة أن نحو ثلث أعضاء الغرفة الأدنى من البرلمان الهندي حصلوا على مقاعدهم بسبب انتمائهم إلى عائلات سياسية فحسب».

ويقول المؤرخ البريطاني، باتريك فرينش، إن 100% من مقاعد البرلمان الهندي للأعضاء الذين يقل عمرهم عن 30 عاما منحت بالوراثة، ونحو ثلثي أعضاء البرلمان ممن هم أدنى من 40 عاما ينتمون إلى عائلات سياسية، في حين حصل على أقل من 10% ممن يتجاوزون السبعين على المقاعد بالوراثة. وأشار معد الدراسة إلى أن 27 من الأعضاء مصنفون على أنهم «الأكثر اعتمادا على التوريث» وينتمي 19 منهم إلى حزب المؤتمر الشعبي. وتعني عبارة «الأكثر اعتمادا على التوريث» هنا وجود علاقات أسرية متعددة ومتشعبة يقوم على أساسها اشتغال الفرد بالسياسة. مع ذلك هناك استثناءات مثل رئيسي الوزراء السابقين، أتال بيهاري فاجبايي، وغولزاريلال ناندا، وساردار باتيل، أول وزير داخلية للهند، وقبلهم جميعا أب الدولة الهندية، المهاتما غاندي، الذين لم يدشنوا للأسر الحاكمة.

والحجة المضادة لذلك هي أن ابن الحلاق يصبح حلاقا، وابن الطبيب يصبح طبيبا وابن رجل الصناعة يصبح مثله، ما الضير إذن في أن يصبح ابن السياسي سياسيا. ومن الحجج التي يأتي ذكرها ردا على ذلك الطرح هو أن السياسة عندما تكون هي العماد الذي تقوم عليه العائلة، يصبح الابن مستعدا لخدمة الناس.

ربما تصبح هذه الحجج مقنعة عندما تكون العائلات السياسية قليلة وغير متعاقبة بهذه الطريقة. مع ذلك هناك تفسير أكثر دقة للنفوذ القوي الذي تتمتع به العائلات السياسية في الهند وهو طبيعة الممارسات السياسية في البلاد، ففي دولة لا تزال تسود فيها الهيمنة والترتيب الهرمي، تكون الانتخابات تجسيدا لعلاقة بين سيد وخادم. وتنخرط الأحزاب السياسية في السياسة الأبوية لتحافظ على خزينة أصوات الناخبين، وبدلا من البدء في تغيير بنيوي على أساس المثل العليا، تظل العائلات هي المتحكمة في المشهد. ويتطلع أيضا الناخبون، المقيدون بالإرث أحيانا، إلى دعم زعيم بعينه أو أسرة.

هناك عامل آخر يشجع السياسة القائمة على العائلات وهو سهولة الانخراط في الحياة السياسية في الهند مما يمنحها نفوذا كبيرا وثروة هائلة. وسيتعين على ابن أو ابنة طبيب الخضوع إلى كافة الاختبارات الممكنة قبل أن يعمل في مهنة الأب، بينما لا يحتاج أي ابن من أبناء السياسيين إلى بذل أي جهد للدخول في هذا المجال للأسباب الموضحة أعلاه. حتى أبناء لاعبي الكريكيت ونجوم السينما لا يستطيعون الاشتغال بمهنة آبائهم بمثل السهولة التي ينخرط بها أبناء السياسيين في هذا المضمار. لماذا إذن تختار الأحزاب العائلية قادة من عائلة محددة؟ الإجابة ببساطة هي عدم وجود أي عائق يمنع هؤلاء القادة من اختيار خلفهم. إذا كان للحزب تنظيم يتيح لمرشحين آخرين شغل منصب رفيع من خلال قاعدتهم المستقلة أو الجماعات التي تؤيدهم داخل الحزب، ربما يصبح من الصعب استمرار مثل هذه الأحزاب العائلية. خلاصة القول هو أنه إذا كان لدى أحزاب مثل حزب المؤتمر الشعبي هيكل سياسي مركزي، في الوقت الذي تفتقر فيه إلى الديمقراطية داخل الحزب، لا يختار الحزب المرشحين عبر انتخابات كما يحدث في الدول الديمقراطية. من الجيد أن يتذكر الديمقراطيون المثاليون أن التحزب السافر موجود في كل دول جنوب آسيا التي تعرف بسيادة نموذج السياسة العائلية. ويوجد في كل من باكستان والهند وبنغلاديش وسريلانكا ونيبال تقاليد راسخة، ففي نيبال بعد مذبحة القصر الملكي، استحوذ شقيق الملك على السلطة. وأصبح شقيقا رئيس الوزراء، غيريغا براساد كويرالا، رئيسي وزراء أيضا. وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي يشغل فيها ثلاثة أشقاء هذا المنصب في الوقت ذاته.

وفي سريلانكا، شغلت أرملة رئيس الوزراء سولومون باندرانايكه، سيريمافو باندرانايك، منصب رئاسة الوزراء، وشغلت ابنتها تشاندريكا كومواراتونغا بعدها مقعد الرئاسة. أما في بنغلاديش، فقد حكمت امرأتان مرعبتان البلاد هما شيخة حسينة، ابنة الرئيس مجيب الرحمن، وخالدة زيا، أرملة الرئيس ضياء الرحمن. وفي باكستان، شغل ذو الفقار علي بوتو منصب رئيس الوزراء في الفترة ما بين عام 1971 و1977. بينما تم انتخاب ابنته بي نظير بوتو لمدتين خلال فترة التسعينات. وكانت بي نظير أول امرأة تشغل هذا المنصب في دولة مسلمة. وشهدت الهند، مثلها مثل الكثير من الدول النامية، ديمقراطية من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس، وهو ما يمكن الفئات التي تحظى بامتيازات سياسية واقتصادية بلا وجه حق من السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد. لكن رغم ذلك، بقيت الهند دولة ديمقراطية.