الحنانة «أم حبيبة»: صنعتي رسم الفرحة على وجوه العرائس

زي المهنة أصله فرعوني ونساء النوبة قمن بتطويره

فتيات من فئات وأعمار مختلفة تنقش لهن «أم حبيبة» الحناء («الشرق الأوسط»)
TT

في «ليلة الحناء» التي تسبق ليلة العرس، تجدها جالسة وسط العروس وصديقاتها وقريباتها، ترسم الفرحة على وجوههن، وتتولى تجميل العروس برسومات على يديها وقدميها قبل أن تذهب إلى بيت زوجها، لتكون بموهبتها نجمة هذه الليلة.

إنها مهنة «الحنانة» التي تمتهنها السيدة خديجة بكري، أو كما تشتهر بلقب «أم حبيبة»، التي تعد أشهر حنانة في منطقتي إمبابة وبولاق الدكرور الشعبيتين بالقاهرة، التي جاءت إليهما منذ عشرين عاما من قريتها «أبريم» بمحافظة أسوان جنوب مصر، والتي بدأت فيها موهبتها في نقش الحناء.

تقول أم حبيبة (42 عاما) وتعمل في الأصل معلمة: «تعلمت نقش الحناء وأنا فتاة صغيرة من سيدة عجوز هي الحاجة بخيتة التي تعد أشهر حنانة في توشكى والنوبة بأكملها، حيث تذهب لها الفتيات من كل الأعمار لكي ترسم لهن الحناء». وتضيف أنه في بداية عملها بهذه المهنة في مطلع الثمانينات كان نقش الحناء آنذاك يتم بواسطة «السرنجة» وأعواد الكبريت، وكانت الحناء نوعا واحدا بالبخار، لكن الآن المهنة تطورت أدواتها وأصبح يوجد نوع آخر من الحناء وهي الحناء بالصبغة، وهي نوعان مصري وهندي، وتعد الأخيرة هي الأفضل لأنها لا تتسبب في حساسية بالجلد بعكس الصبغة المصرية التي ترتفع فيها نسبة البايجن وهي ضارة بالجلد، لذا فهي تستخدم في عملها الحناء بالبخار أو الدخان وهي الأصل منذ أيام الفراعنة.

وبلغة الخبراء تقول: «مهنة الحنانة عمل بها الفراعنة، وهم أول من ابتدع الحناء وضفائر الشعر، حتى الزي الرسمي للحنانة هو موروث قديم، ولكن حنانات النوبة قمن بتطويره، ولا أستطيع أن أعمل من غير ارتدائه لأنه لزوم الصنعة ويمنح الوقار للحنانة، وهو يسمى (التوب)، ومنه المشجر والسادة والألوان».

تستمر عملية النقش لمدة ساعة، وتبقى بالجسم شهرا كاملا دون تغير مهما طالتها المياه، وأما نقش الحناء بالصبغة الهندية فيستغرق نصف ساعة وتبقى هي الأخرى بالجسم لمدة 15 يوما دون تغيير، وتؤكد أن الحناء بشكل عام تكون سببا في تفتيح البشرة، وهو ما يجعل الإقبال عليها متكررا من نفس الفتاة أو السيدة، بحيث لا يقتصر نقش الحناء لمرة واحدة.

وتلفت «أم حبيبة» إلى أنها في بداية عملها كان الدخل ضعيفا، فكانت ترسم الحناء بمقابل لا يزيد على 5 أو 10 جنيهات، وكانت أشهر حنانة لا تزيد أجرتها على 10 جنيهات، أما أجرة الحنانة حاليا فتبلغ 350 جنيها، وفي حال الاتفاق على القيام بطقوس ليلة الحناء بأكملها من رسم للحنة، وعمل ماسكات بالوجه، وتأجير فستان، وحمام مغربي، وزفة نوبي مصحوبة بالموسيقى النوبية، ونمرة الريش الأفريقي، ونمرة التحطيب النوبي، يكون المقابل 1500 جنيه، وتؤكد أن كثيرات يأتون إليها ظروفهن المادية صعبة لكنهن يرغبن في نقش الحناء، فتقوم بنقش الحناء لهن مقابل مبلغ بسيط وأحيانا تقوم بالنقش مجانا. وتبين أن العروس ووالدتها تأتيان إليها للاتفاق على شكل الحناء والثمن، وقد تأتي العروس مع حماتها وتقوم الحماة بدفع أجرة الحنانة.

وعن زبائنها تقول «أم حبيبة»: «لي زبائن من كل أحياء القاهرة الراقية والشعبية، وخارج القاهرة أيضا في المحافظات، وهناك فتيات وسيدات خاصة من دول الخليج يطلبونني بالاسم وأذهب إليهن في فنادق القاهرة، وبخلاف ذلك هناك فئات تطلب رسم الحناء مثل فتيات الجامعة خاصة في حفل التخرج الدراسية، وكذلك في أعياد الميلاد، وحفلات السبوع، وحفلات أعياد الزواج، والمناسبات الأخرى، مثل عيدي الفطر والأضحى وشم النسيم، وبالطبع السعر يقل كثيرا لأن المهمة تكون قاصرة على نقش الحناء فقط دون شيء آخر».

وتشير «أم حبيبة» إلى أنها تجيد الرسم بالقلم الرصاص منذ صغرها، وهو ما أعطاها القدرة على نقش جميع الأشكال على اليدين والقدمين مثل العقرب والخلخال والثعبان والزهرة.

وعلى الرغم من عملها معلمة في إحدى المدارس الثانوية الصناعية، فإنها تعتز بموهبتها وتبين أنها ترفض ترك مهنة الحنانة تحت أي سبب ومهما كانت الإغراءات، فسعادتها من سعادة العروس التي تقوم بنقش الحناء لها، لكنها في الوقت نفسه تتحفظ على أدوار الحنانة في الدراما التلفزيونية والسينمائية، مؤكدة أنها رفضت المشاركة في أعمال فنية لأنها تظهر الحنانة في شكل هزلي وساخر.

وتشير «أم حبيبة» إلى أنها تستغل موهبتها في تعليم طالباتها بالمدرسة الرسم بالقلم وبعضهن تعلمن نقش الحناء دون مقابل، وتكون في هذه الحالة سعيدة جدا، كما أنها لا تمانع في أن تتعلم ابنتها حبيبة البالغة من العمر 7 سنوات مهنتها مستقبلا، قائلة: «المهنة ليست عيبا، لكنها شغلانة حلال».