بوتين من إسرائيل: يجب الانتقال نحو الديمقراطية بطريقة متحضرة

مصادر سياسية في تل أبيب: الزيارة لن تغير في موقف روسيا من إيران

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث إلى مضيفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبيل عقد مؤتمرهما الصحافي المشترك (أ.ف.ب)
TT

اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاثنين أن الانتقال نحو الديمقراطية في دول «الربيع العربي» يجب أن يتم «بطريقة متحضرة»، وذلك في مستهل أول جولة له في الشرق الأوسط منذ عودته إلى الكرملين في مايو (أيار) الماضي. ووصل بوتين صباح أمس إلى إسرائيل للدفاع عن موقف بلاده من الأزمات الكبرى في المنطقة، لا سيما أزمة سوريا.

وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «منذ بدأ الربيع العربي، تحاول روسيا جاهدة إقناع شركائها بأن التغيرات الديمقراطية يجب أن تتم بطريقة متحضرة».

وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي، استقبل في إسرائيل، أمس، استقبال الملوك، وتبادل مع قادتها خطابات حارة وإطراءات بلا حدود، فقد انتهت لقاءاته من دون نتيجة تذكر في القضايا الجوهرية التي طرحت خلالها. وكما قال مصدر سياسي إسرائيلي كبير لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الإسرائيليين أبدوا تفهما لمواقف بوتين في الموضوع السوري، على أمل أن يقول شيئا جديدا في الموضوع الإيراني، لكنه لم يفعل. وأضاف أن بوتين أراد من هذه الزيارة، تحسين مكانة روسيا في الشرق الأوسط ،وخصوصا في الموضوع الفلسطيني، وأراد شراء الطائرات المتطورة بلا طيار التي تصنعها إسرائيل، وأراد تذكير العالم بأن الجيش الأحمر السوفياتي هو الذي هزم النازية، في محاولة لإعادة المجد الروسي الذي يواجه هجوما غربيا.

وكان بوتين قد حضر لإسرائيل في «زيارة عمل خاصة» لرفع مستوى العلاقات بين البلدين والتباحث في القضايا المشتركة، وليشارك مع الرئيس بيريس في إزاحة الستار عن نصب تذكاري ضخم أقيم لذكرى جنود الجيش الأحمر السوفياتي الذين حققوا الانتصار على النازية في شرق أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية، أقيم على ساحل البحر المتوسط في مدينة نتانيا.

والتقى بوتين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، خلال غداء عمل شارك فيه وزراء من أصل روسي، مثل وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ووزير الإعلام يولي أدلشتاين، ونائبي رئيس الوزراء، شاؤول موفاز وإيهود باراك. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أعقب اللقاء: «منذ بدء (الربيع العربي)، تحاول روسيا جاهدة إقناع شركائها بأن التغيرات الديمقراطية يجب أن تتم بطريقة متحضرة».

وحول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، كرر نتنياهو مطالب إسرائيل الـ3: «وقف كل أعمال تخصيب اليورانيوم في إيران ونقل كل اليورانيوم المخصب خارج إيران وتفكيك المنشآت تحت الأرض قرب قم»، في وسط إيران. وأمضى بوتين ساعات المساء في مقر رؤساء إسرائيل، حيث أجرى لقاء سياسيا مع بيريس، وأقيم له استقبال احتفالي بحضور مئات الشخصيات. وقد أشاد المسؤولون الإسرائيليون، وفي مقدمتهم بيريس، بالدور التاريخي الحاسم للجيش الأحمر في دحر النازية. وقال إن اليهود، الذين تعرضوا لمحاولة إبادة من النازية، يدينون بالامتنان الأبدي لروسيا وجيشها على هذا الدور. فيما قال بوتين إن روسيا ستعمل على أن لا يتم تكرار التهديد بإبادة شعب في العالم، لا اليهود ولا غيرهم من أي طرف كان. وكان بيريس أعرب عن قناعته بأن روسيا لن تسمح بأن يهدد البرنامج النووي الإيراني بلاده. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، عن الرئيس الإسرائيلي قوله: «أنا على يقين بأن روسيا التي ضربت الفاشية لن تسمح اليوم بتهديدات مشابهة؛ فلن تسمح بالتهديد الإيراني ولا بإراقة الدماء في سوريا». وكانت صحيفة «هآرتس» قد ذكرت أن إسرائيل ستركز أبحاثها مع بوتين حول الملف الإيراني، طالبة أن يكون لروسيا موقف حاد وواضح ضد المساعي الإيرانية للحصول على القنبلة الذرية. ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية إسرائيلية أن هدف بوتين هو إبراز الوجود الروسي في المنطقة لاستعادة نفوذها الإقليمي والدولي. مع ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تولي أهمية كبيرة لهذه الزيارة، خاصة أن زيارة بوتين الأخيرة لإسرائيل في عام 2005، تمخضت عن تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات مختلفة.

ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية قوله، إن زيارة بوتين ستتناول موضوعين رئيسيين بالغي الأثر والتأثير، هما الملف السوري والملف الإيراني: «إذ إن روسيا تتخذ موقفا واضحا سنسعى للتأثير عليه، لا سيما أن كلا من باراك وليبرمان على قناعة تامة بأن الطريق الوحيد للتأثير على الموقف الإيراني هو عبر التأثير على الموقف الروسي». وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، باراك، قد عبر عن التفهم الإسرائيلي للموقف الروسي من سوريا؛ فقال في مقابلة نشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، مطلع الأسبوع، إن روسيا وبوتين استثمرا جهدا ومالا كبيرين في سوريا الأسد، وإنه من أجل تحقيق النجاح يجب إعطاء روسيا دورا واضحا. وأضاف باراك «أنا على قناعة بأن الولايات المتحدة وروسيا يجب أن تبحثا السبل التي يمكن أن تشكل رافعة لحل الأزمة، وأن الأسد سيقتنع بترك الحكم إذا تعاونت الولايات المتحدة وروسيا معا».

مع ذلك، فإن الخارجية الإسرائيلية تشير إلى مسألة تزويد روسيا بتقنيات وتكنولوجيا عسكرية متطورة من إسرائيل، إذ إن إسرائيل هي الدولة الثانية في العالم، بعد فرنسا، التي باعت أسلحة متطورة لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية. ويبدي الروس اهتماما بالحصول على الطائرات الصغيرة من دون طيار، وسبق أن اشترت روسيا من إسرائيل 12 طائرة من هذا النوع. وبحسب الصحيفة، فإن روسيا معنية بتعزيز التعاون والتبادل العسكري مع إسرائيل، وهو أمر سيبقى مشروطا بالموافقة الأميركية، إلا أن الولايات المتحدة لم تبدِ، إلى الآن، أي معارضة. وكشفت الصحيفة أن هناك مفاوضات بين روسيا وإسرائيل بهذا الخصوص. وأن الورقة الثانية التي تملكها إسرائيل بهذا الشأن لإغراء روسيا في الموضوع الإيراني، هي رغبة موسكو بالمشاركة في عمليات البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي أمام سواحل المتوسط. لكن مصدرا آخر في الخارجية قال في حديث لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، إن مشكلة إسرائيل مع روسيا أنها تصغي جيدا للمطالب الإسرائيلية، ولكنها تنساها بسرعة ولا تنفعل شيئا للتجاوب معها.

ومن المقرر أن تنتهي زيارة بوتين لإسرائيل، في العاشرة من صباح اليوم الثلاثاء، حيث سينتقل إلى بيت لحم لمقابلة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ويفتتحان معا ناديا ثقافيا روسيا في المدينة، ومن ثم يتوجه إلى الأردن.