هونغ كونغ تقاوم للحفاظ على هوية متميزة داخل «الوطن الأم»

احتفالات بذكرى انتهاء الحكم البريطاني وجدل حول مناهج لتكثيف الارتباط مع الصين

الرئيس الصيني جنتاو يشهد عرضا عسكريا في هونغ كونغ أمس بمناسبة ذكرى عودة الجزيرة إلى الحكم الصيني (أ.ف.ب)
TT

بينما تستعد هونغ كونغ للاحتفال بالذكرى الـ15 لعودتها للحكم الصيني عن طريق الألعاب النارية وتنظيم احتجاجات غاضبة في الشوارع، يناضل تشيونغ كوك واه، وهو مسؤول بارز في مكتب التعليم في هونغ كونغ، لإنجاز مهمة شديدة الحساسية، ألا وهي كيف سيتعلم الطلاب في هذه المستعمرة البريطانية السابقة، طريقة الارتباط بالصين.

يعترف تشيونغ أن هذا الأمر «ليس موضوعا سهلا»، حيث أثارت الجهود التي قام بها لتطوير مناهج دراسية جديدة لزيادة الوعي والارتباط بـ«الوطن الأم» بعض صيحات الاستهجان من قبل المعلمين والكنيسة الكاثوليكية الرومانية والناشطين المؤيدين للديمقراطية المرعوبين من عمليات «غسل الدماغ» التي يقوم بها الحزب الشيوعي الحاكم في الصين.

عادت جزيرة هونغ كونغ إلى السيادة الصينية في الأول من يوليو (تموز) 1997، تحت صيغة تعرف بـ«دولة واحدة ونظامين»، حيث احتفظت الجزيرة بحريات واسعة النطاق، تفوق كثيرا كافة المدن الصينية الأخرى. وبينما أبدى قليلون في هونغ كونغ حزنهم على نهاية الاستعمار البريطاني للجزيرة، هناك وجهات نظر مختلفة تماما في هونغ كونغ وبكين حول ما تعنيه حقيقة كون الجزيرة جزءا من الصين.

وبدأ هذا الفارق في وجهات النظر، يتضح بداية من يوم أمس، عندما قام الرئيس الصيني هو جنتاو بزيارة إلى الجزيرة تحت إجراءات أمنية مشددة ليشهد الاحتفال بذكرى عودة الجزيرة إلى الحكم الصيني، فضلا عن حضور مراسم أداء ليونغ تشون - يينغ، وهو مساح أراض ثري، اليمين الدستورية يوم الأحد، باعتباره الحاكم، أو الرئيس التنفيذي، الجديد لهونغ كونغ، في الوقت الذي يتوقع فيه خروج الآلاف من السكان المحليين في مظاهرات تطوف شوارع الجزيرة.

وعلى الرغم من الارتباط الاقتصادي المتزايد مع بقية المناطق الصينية، أظهر استطلاع حديث للرأي أن ثقة سكان الجزيرة في الحكومة المركزية في بكين قد أصبحت أقل بكثير من أي وقت مضى منذ عودة الجزيرة للحكم الصيني في عام 1997. وتعمقت الشكوك في نوايا الحكومة الصينية بصورة كبيرة عندما انتشرت الآليات العسكرية الصينية في وقت سابق من الشهر الحالي، في شوارع الجزيرة المزدحمة خلال تناوب روتيني للقوات، مما دفع الصحف ومواقع الإنترنت المحلية للتحذير من قيام بكين بزيادة أعداد قواتها في هونغ كونغ لمواجهة المظاهرات المتوقع حدوثها خلال زيارة جنتاو. ووصف الناطق باسم «جيش التحرير الشعبي» في الصين هذه المزاعم بأنها «هراء»، بينما حاول رئيس الشرطة في هونغ كونغ طمأنة السكان المحليين مؤكدا أن الشرطة المحلية هي المسؤولة عن تطبيق القانون والنظام وأنها لا تحتاج لأي مساعدة من جانب «جيش التحرير الشعبي».

وعصفت هذه الحالة من انعدام الثقة بخطط مكتب التعليم في هونغ كونغ الرامية إلى تقديم دورات إلزامية في المدارس حول «التربية الأخلاقية والوطنية». وأثار هذا البرنامج، الذي تم اقتراحه للمرة الأولى في عام 2010 ومن المفترض أن يشمل دروسا حول الأجهزة الحكومية الصينية والتقاليد الرسمية الصحيحة لرفع العلم الوطني، عاصفة من الانتقادات خلال المشاورات العامة، ثم جرى تنقيحه مؤخرا لإعطاء المعلمين مزيدا من الحرية في تقرير الموضوعات التي سيغطيها البرنامج. وتم تأجيل هذه الدورات التعليمية لمدة عام كامل، حيث كان من المفترض أن تبدأ بعض المدارس في تدريسها اعتبارا من أواخر العام الحالي.

ويقول فونغ واي واه، رئيس «اتحاد المعلمين المهنيين في هونغ كونغ» والذي يعارض تدريس دورات «التربية الوطنية» في المدارس: «يحاول الحزب الشيوعي أن يساوي بينه وبين الصين». ويؤكد فونغ أنه مرتبط بالصين وليس بالحزب الشيوعي، الذي أدى حكمه للبلاد إلى فرار والديه - مثل الكثيرين من السكان المحليين - من الصين متجهين إلى هونغ كونغ. ويضيف فونغ: «نشك في أنهم يحاولون غسل أدمغة طلابنا»، مشيرا إلى لجوء الحزب في كثير من الأحيان لاستخدام عبارات القومية في مواجهة النقاد الصامتين.

وأصبحت مسألة الهوية واحدة من أكثر الموضوعات حساسية في هونغ كونغ، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي كـ«منطقة إدارية خاصة» والتي يأتي نحو 95 في المائة تقريبا من سكانها من الصين، فعلى الرغم من شعور سكان هونغ كونغ باعتزاز كبير بالثقافة والتاريخ الصيني، فإنهم يقدرون للغاية تمتع جزيرتهم بالحريات وسيادة القانون مقارنة ببقية البلاد.

وأظهر استطلاع حديث للرأي قامت به جامعة هونغ كونغ تزايد أعداد سكان الجزيرة الذين يعرفون أنفسهم باعتبارهم «هونغكونغيين» مقارنة بنحو 18 في المائة فقط اختاروا «الصينية» هوية رئيسية لهم. وأكد أكثر من 45 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أنهم يعتبرون أنفسهم «هونغكونغيين»، مقارنة بنحو 34 في المائة في استطلاع للرأي أُجري في عام 1997 بعد انسحاب إنجلترا من الجزيرة. وأظهر الاستطلاع أيضا تزايد أعداد الشباب الذين يعتبرون أنفسهم «هونغكونغيين» وليسوا «صينيين» بصورة كبيرة.

وتعد هذه النتائج بمثابة خيبة الأمل بالنسبة للصين، التي عبر مكتب التمثيل الخاص بها في هونغ كونغ عن غضبه الشديد من استطلاع آخر تم إجراؤه في وقت سابق من العام الحالي ولفت الانتباه للمرة الأولى إلى انكماش مشاعر الانتماء إلى جمهورية الصين الشعبية بين سكان الجزيرة. وشنت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحزب الحاكم في الصين انتقادات لاذعة ضد روبرت تشونغ، رئيس برنامج الرأي العام في جامعة هونغ كونغ، متهمة إياه بالسعي لفصل هونغ كونغ عن الصين والتحريض على قيام حركة انفصالية مماثلة للحركة الموجودة في إقليم التيبت ومنطقة شينجيانغ ذات الغالبية المسلمة، لكن تشونغ نفى مثل هذه المزاعم.

وازدادت الخلافات بين سكان هونغ كونغ وبقية سكان الصين بصورة كبيرة، في الوقت الذي يقوم فيه الملايين من المواطنين الصينيين بالتدفق إلى هونغ كونغ من شتى مناطق الصين في زيارات قصيرة، معظمها للتسوق أو السياحة وفي بعض الأحيان للولادة، وهو ما يرجع لرغبة الوالدين في حصول أطفالهم على حق الإقامة في هونغ كونغ. وفي العام الماضي وحده، قام نحو 28 مليون صيني بزيارة جزيرة هونغ كونغ، التي يبلغ عدد سكانها 7 ملايين فقط. وخوفا من أن يغرقوا في المشكلات، قام النشطاء المناهضون للصين في وقت سابق من العام الجاري بإزالة الإعلانات الموجودة في الصحف والتي تصف المواطنين الصينيين بـ«الجراد»، بينما أثار أستاذ في جامعة بكين الكثير من مشاعر الغضب عندما نعت سكان هونغ كونغ بـ«الكلاب» العبيد للاستعمار البريطاني.

ويقول تشيونغ إن تلك الخلافات لا تعكس وجود فجوة كبيرة بين الجانبين، لكنها تعتبر النتيجة الطبيعية لعقود من التجاهل والانفصال عن بقية أجزاء الصين، مضيفا أنه كان يشار إلى هونغ كونغ، تحت الحكم الاستعماري، في المدارس على أنها «جزيرة وحيدة» منفصلة عن الصين. ويؤكد تشيونغ أن «التربية الوطنية» لا تهدف إلى الانتقاص من هوية هونغ كونغ الخاصة، وإنما تهدف فقط إلى جعل الطلبة على دراية كافية بالدولة التي ينتمون إليها، مضيفا: «نحن الآن جزء من الصين، لذا يجب علينا معرفة المزيد عن الصين».

وتحت الحكم البريطاني، والذي بدأ في عام 1841 بعد نهاية حرب الأفيون الأولى، تجنبت معظم مدارس هونغ كونغ تدريس تاريخ الصين المعاصر، حيث اقتصرت دراسة التاريخ الصيني على الفترات التاريخية السابقة للثورة الشيوعية التي اندلعت عام 1949، وقللت من وجود الموضوعات التي قد تثير القومية الصينية. وفي المقابل، طالما شكل موضوع الوطنية محورا للتعليم في المدارس الصينية، حيث شدد التعليم الصيني على أن الحزب الشيوعي هو الأداة الحقيقية الوحيدة لتحقيق التطلعات الوطنية للصين.

لا يملك المسؤولون الصينيون أي سلطة رسمية على التعليم في هونغ كونغ، لكنهم أثنوا على خطط تدريس «التربية الوطنية» في مدارس هونغ كونغ، معبرين عن آمالهم في أن يؤدي زيادة المعرفة بالصين، لا سيما المعاناة التي عانت منها البلاد على أيدي بريطانيا وغيرها من القوى الاستعمارية الأخرى في القرن التاسع عشر، إلى التقليل من القلق الذي يشعر به سكان هونغ كونغ تجاه النظام الحالي في الصين. وخلال زيارة لهونغ كونغ في الصيف الماضي، صرح وانغ غوانغيا، رئيس مكتب شؤون هونغ كونغ ومكاو في بكين: «إذا لم يحاط المرء علما بمثل هذه المعلومات، فمن الصعوبة بمكان أن يفهم السبب الحقيقي وراء اختيار الصين لطريق الاشتراكية في عام 1949».

ويؤمن معارضو الحزب الشيوعي أيضا أن هونغ كونغ بحاجة إلى معرفة المزيد عن الصين، ولكنهم يؤكدون أنه يجب عدم التركيز على المعاناة التي عانتها الصين من الاستعمار وإنما على أن هونغ كونغ كانت لفترة طويلة بمثابة الحضانة للأفكار المحظورة في الصين.

استخدم صن يات - سن، زعيم الثورة التي اندلعت في 1911 والتي أطاحت بسلالة كينغ الحاكمة في الصين، هونغ كونغ لحشد التأييد والتمويل اللازم لقضيته الثورية، تماما كما فعل الزعماء الأوائل للحزب الشيوعي، أمثال شو إن لاي، الذي لجأ إلى الجزيرة في عشرينيات القرن الماضي. أما اليوم، فلا تزال هونغ كونغ مركزا لنشر الكتب والمجلات المعارضة التي يحظر نشرها في أي مكان آخر في الصين، بينما تعتبر الجزيرة بمثابة الملاذ الآمن للمعارضين. ويقول لي تشيوك - يان، وهو عضو في البرلمان المحلي ورئيس مجموعة تقوم بتنظيم وقفة احتجاجية بالشموع سنويا لإحياء ذكرى الأشخاص الذين لقوا مصرعهم خلال هجوم جيش التحرير الشعبي على ساحة تيانانمين في بكين في عام 1989: «إذا لم نتكلم عن الأشياء السيئة التي تحدث في الصين نكون بذلك قد ضحينا بالدور التاريخي الذي لعبته هونغ كونغ في التطور الديمقراطي في الصين». يؤكد المنظمون على أن الوقفة الاحتجاجية التي تم تنظيمها في العام الحالي قد اجتذب نحو 180,000 شخص، وهو العدد الأكبر من المشاركين في تاريخ الوقفة. يؤكد لي أنه ليس لديه أي مشكلة مع تدريس «التربية الوطنية» من حيث المبدأ، ولكن الأمر «يعتمد على الأشخاص وطبيعة المواد التي سيتم تدريسها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»