مرسي يؤدي «اليمين» في «التحرير» قبل «الدستورية» ويؤكد: لن أتهاون في صلاحياتي

أكد أنه لا سلطة فوق سلطة الشعب.. وتعهد بدولة مدنية وبالعمل على إطلاق عمر عبد الرحمن

الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي لدى طلبه من عناصر الحرس الابتعاد ليكون قريبا من المتظاهرين الذين حضروا القاء كلمته في ميدان التحرير أمس (إ.ب.أ)
TT

أدى الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي اليمين الدستورية أمام مئات الآلاف من المصريين المحتشدين في ميدان التحرير بقلب العاصمة المصرية القاهرة أمس، قائلا للمصريين جميعا: «إنكم مصدر السلطة ولا تعلو عليكم أي مؤسسة»، مضيفا مخاطبا الحشود التي تابعته في الميدان وفي عموم مصر أنه إذا غاب الفرع (في إشارة إلى البرلمان المنحل) أعود إلى الأصل (في إشارة إلى الشعب المصري)، مؤديا اليمين الدستورية أمامهم.

وحاول مرسي بهذه الخطوة الرمزية تجاوز أزمة أداء اليمين الدستورية، في أول اختبار له، حيث أظهر الرئيس المنتخب مرونة لم ترض بعض حلفائه من القوى الثورية، عقب موافقته على أداء اليمين الدستورية رسميا أمام المحكمة الدستورية العليا اليوم (السبت)، وهو الأمر الذي يرفضه حلفاء مرسي باعتباره اعترافا منه بالإعلان الدستوري المكمل الذي صدر قبل عشرة أيام، ويعتبره حلفاء مرسي انتقاصا من سلطات أول رئيس مدني في تاريخ البلاد.

وتقضي التقاليد الدستورية في مصر بأن يؤدي الرئيس اليمين الدستورية اللازمة لتولي مهام منصبه رسميا أمام البرلمان، لكن المحكمة الدستورية أصدرت قبل أيام حكمها بحله بسبب بطلان القانون التي جرت الانتخابات البرلمانية على أساسه.

وقال مرسي في كلمته في ميدان التحرير أمس: «لا سلطة فوق سلطة الشعب.. أنتم أصحاب السلطة.. أنتم أصحاب الإرادة.. أنتم مصدر هذه السلطة»، مضيفا: «أنا صاحب القرار بإرادتكم»، في إشارة إلى إصراره على انتزاع السلطة من المجلس العسكري الحاكم في البلاد. وأضاف مرسي الذي حرص على أن يغادر المنصة الرسمية للرئاسة والاقتراب من الحشود التي انتظرته منذ صباح أمس في الميدان، أنه سيعمل على بناء «دولة مدنية دستورية حديثة». وأكد مرسي رفضه «لانتزاع سلطة الشعب ونوابه» مؤكدا أنه لن يتهاون في صلاحياته الرئاسية على خلفية جدل بين الإخوان المسلمين والجيش بعد حل مجلس الشعب.

وقال مرسي في خطابه عشية تسلمه رسميا السلطة من المجلس العسكري الحاكم «لا مجال لانتزاع سلطة الشعب أو نوابه.. لن أتهاون في أي صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية» التي ينتقص منها الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري قبل يومين من إعلان فوز مرشح جماعة الإخوان في الانتخابات الرئاسية.

وتابع مرسي الذي حرص على الاقتراب من الجماهير في الميدان قائلا: «أنا لا أخاف إلا الله وأعمل من أجلكم»، وأشاح بأطراف بدلته مؤكدا أنه لم يرتد قميصا واقيا للرصاص، مكررا عبارته أكثر من مرة.

وبعث مرسي برسائل تطمين عدة أمس، كان أولها إلى «العالم الحر» حيث قال إنه مع السلام حريص عليه، محذرا من أي اعتداء على السيادة المصرية من «أي كائن كان»، وكانت رسالته الثانية للمسيحيين المصريين حيث أكد مرسى أنهم سيحظون بحقوقهم كاملة غير منقوصة مثلهم مثل المصريين المسلمين، وأنه سيحافظ على النسيج الوطني متماسكا وقويا.

وكانت رسالته الثالثة لمن «رفضه ولا يزال»، في إشارة لمن لم يصوتوا لصالحه في الانتخابات التي أعلنت نتائجها قبل نحو أسبوع، قائلا إنه يقف على مسافة واحدة من الجميع.

وأكد مرسي الذي لاحظ لافتات في الميدان لأسرة الشيخ عمر عبد الرحمن الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة الأميركية أنه سيعمل على إطلاق سراح الشيخ، كما سيعمل على إطلاق المحكومين الذين أدينوا أمام محاكم عسكرية خلال العام ونصف العام المنقضي.

واستقبل الميدان أداء مرسي اليمين الدستورية بفرحة عارمة، وهو ما أعاد إلى أذهانهم رفض الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء السابق لأداء اليمين في الميدان الذي اختاره لرئاسة الحكومة.

وأصدر المجلس العسكري الذي يتولى شؤون إدارة البلاد، إعلانا دستوريا مكملا لتفادي الفراغ الدستوري لأزمة حلف اليمين، لكن هذا الإعلان تضمن مواد أخرى اعتبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي وعدد من القوى الثورية بمثابة «عدوان على صلاحيات الرئيس المنتخب».

وقال بيان صدر عن مؤسسة الرئاسة مساء أول من أمس إن مرسي سيؤدي اليمين الدستورية أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا بمقر المحكمة اليوم (السبت).

ودأبت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين على إعلان رغبتها في أن يؤدي الرئيس الجديد اليمين أمام البرلمان. ولا تزال قيادات الجماعة التي هيمنت على البرلمان ترفض حكم المحكمة الدستورية الذي قضى ببطلان أول مجلس تشريعي منتخب بعد ثورة 25 يناير. وحملت المنصة التي تحدث عبرها مرسي لمئات الآلاف من أنصاره المحتشدين في ميدان التحرير لافتة تقول «لا لحل البرلمان»، و«لا للإعلان الدستوري المكمل».

وقال قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين أمس إن أداء الرئيس لليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا لا يعني اعترافا منه بالإعلان الدستوري المكمل، لكن هذا التبرير لم يقنع حركات ثورية أبرزها حركة شباب 6 أبريل الجبهة الديمقراطية.

وأعلنت حركة شباب 6 أبريل في بيان لها أمس انسحابها من المشاركة في جمعة تسليم السلطة، اعتراضا على إعلان مرسي حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا، لافتين إلى أن ذلك يعد اعترافا ضمنيا بالإعلان الدستوري المكمل.

وقال طارق الخولي القيادي في الحركة والذي شارك في تحالف دشنه مرسي مع قوى ثورية، إن الحركة كانت تنوي المشاركة لكن الآن وقد حسم الرئيس المنتخب أمره وقرر حلف اليمين أمام الدستورية لم نعد نرى أي داع للبقاء في الميدان لرفض الإعلان الدستوري المكمل ما دام اعترف به الرئيس.

ودخلت قيادات شابة شاركت في بناء جبهة لدعم مرسي أمس في اجتماعات مغلقة لبحث الرد على الخطوة التي اعتبروها تراجعا من الرئيس المنتخب عن وعود قطعها لهم أهمها عدم الاعتراف بالإعلان الدستوري المكمل.

وأعرب مراقبون عن اعتقادهم في أن الخيارات المطروحة على مرسي محدودة للغاية وأنه مرغم على عدم الصدام بالمجلس العسكري من اللحظة الأولى.

وتداولت مواقع إخبارية محلية أمس أنباء عن لقاء جمع مرسي بعدد من فقهاء القانون والدستور، على رأسهم المستشار حسام الغرياني رئيس مجلس القضاء الأعلى، والمستشار طارق البشري، وقالت التقارير الإعلامية إنهم أقنعوا مرسي بتفادي الصدام، وحلف اليمين أمام الدستورية. وفي تعليقه على صحة هذه التقارير قال المستشار طارق البشري إن اللقاء تم بالفعل لكن ليس صحيحا أننا أقنعنا الرئيس بشيء.

وقال بيان صادر من رئاسة الجمهورية في وقت متأخر من مساء أول من أمس إن مرسي سيتوجه بعد أداء اليمين إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة ليلتقي مع القيادات الشعبية والتنفيذية والنقابية والحزبية للاحتفال بتنصيب أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة، مضيفا أن مرسي سيلقي كلمة إلى الأمة يتطرق خلالها لأبعاد المشهد السياسي الراهن والقضايا المهمة والملحة في المرحلة المقبلة.

وقال الدكتور محمد البلتاجي القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين إن الدكتور مرسي سيحلف اليمين الدستورية اليوم بجامعة القاهرة أمام نواب البرلمان عقب أدائها أمام المحكمة الدستورية وذلك لعدم تعطيل تسليم السلطة، وإنه بدءا من اليوم ستنتقل السلطة إلى الرئيس المدني المنتخب من قبل الشعب وإنه سيحظى بكل الصلاحيات.

من جانبه أعلن الدكتور حسام كامل، رئيس جامعة القاهرة أنه أجرى أمس لقاءات بقيادات الجامعة من أجل التنسيق والوقوف على الاستعدادات الخاصة بزيارة الرئيس المنتخب إلى الجامعة اليوم عقب أداء اليمين الدستورية، ليلتقي مع القيادات الشعبية والتنفيذية والنقابية والحزبية، للاحتفال بتنصيبه كأول رئيس منتخب بعد ثورة 25 يناير.

واعتبر كامل أن اختيار الرئيس المنتخب إلقاء كلمة من جامعة القاهرة إلى الأمة، يوضح فيها أبعاد المشهد السياسي الراهن والقضايا المهمة والملحة في المرحلة المقبلة، يعد تأكيدا لدور الجامعة في مسار التاريخ المصري وحمل مشعل التنوير والمعرفة على مدار السنين، مشيرا إلى تقدير عدد من الرؤساء والزعماء لدور الجامعة والتواصل معها بصفة مستمرة.

وتوافد مئات آلاف المصريين إلى ميدان التحرير أمس للمشاركة في مليونية تسليم السلطة، ونصب المتظاهرون منصة ضخمة بثت الأغاني الوطنية، وطافت مسيرات أرجاء ميدان التحرير وسط هتافات مناوئة للمجلس العسكري حيث ردد المتظاهرون «عسكر يحكم مدني ليه»، وعلقت لافتات في الميدان كتب عليها «لن نرحل إلا برئيس له صلاحيات كاملة».