الرئيس التنفيذي لشركة المبادرات الوطنية: ما ينقص رواد الأعمال الانضباط

المهندس البلاع: مجال الاستثمار في الإنترنت استراتيجي وطويل المدى

المهندس رشيد البلاع
TT

أوضح المهندس رشيد البلاع، الرئيس التنفيذي لشركة المبادرات الوطنية السعودية، أن صناعة الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية مقبلة على طفرة كبيرة وحجم هذه الصناعة سيكون بالمليارات خلال السنوات القليلة المقبلة لوجود عدد من رواد الأعمال القادرين على بناء هذه الصناعة في السعودية والعالم العربي، وأن ما ينقص رواد الأعمال على الإنترنت اليوم هو الانضباط في التنفيذ.

وأشار البلاع في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى الثغرات التي تواجه هذه الصناعة اليوم وسبل التغلب عليها، وأن الفرص الاستثمارية المتوفرة اليوم كبيرة في هذا المجال، نظرا للزيادة الكبيرة في مستخدمي الإنترنت في السعودية والعالم العربي وتعطشهم لمحتوى وخدمات عربية على الإنترنت والهواتف الذكية.. وإلى نص الحوار..

* كيف تؤثر زيادة عدد المستخدمين السعوديين للإنترنت على مشاريع رواد الأعمال؟

- المشكلة الأساسية التي كانت تواجه رواد الأعمال في الماضي أنه لم يكن هناك عدد كبير من المستخدمين الكافين للإنترنت، وهذه المشكلة انتهت الآن، فنسبة انتشار الإنترنت في السعودية وصلت الآن لأكثر من 47 في المائة، وهي أكبر من نسبة انتشار الإنترنت في أميركا عام 1999 في ذروة ثورة الإنترنت هناك.

* هل لمشاريع الإنترنت تأثير مباشر على النمو الاقتصادي في السعودية؟

- لهذه الاستثمارات تأثير كبير على النمو الاقتصادي في السعودية، وبناء على تقرير من «بوسطن كونسيلتنغ غروب» على الدول الـ20 التي تعد السعودية واحدة من الدول هذه، تأثير الإنترنت على الاقتصاد السعودي كان نحو 10 مليارات دولار في 2010، ومتوقع أنه في 2016 سيكون 29 مليار دولار، هذا يعني أن تأثيره يقدر ما بين 2 و4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحجم التجارة الإلكترونية المتوقع في السعودية اليوم نحو 3 مليارات دولار، ويتوقع نموه إلى 15 مليار دولار في 2016، الذي يمثل ارتفاعا من نحو 3 في المائة من تجارة التجزئة بشكل عام إلى 8 في المائة من إجمالي تجارة التجزئة، عدا عن التأثير غير المباشر لاستخدام الإنترنت كوسيلة للبحث عن المطلوب والنزول للشراء من المتاجر.

* كيف يقاس هذا التأثير المستقبلي اليوم على رواد الأعمال والمستثمرين على الإنترنت؟

- عندما نتحدث عن الفرص الاستثمارية في مجال الإنترنت، فنحن لا نتحدث كمستثمرين فقط ولكن بشكل عام، كحكومة تستثمر لبناء صناعة جديدة أو أفراد يستثمرون جهدهم ووقتهم في أخذ عمل ووظيفة في مجال الإنترنت. ونحن في العالم العربي لم نعاصر الاستثمار في الإنترنت في بدايته كالغرب، وقد فاتنا في العالم العربي الطفرتان الأوليان في التسعينات، فلا نرى الكثير من مواقع المحتوى ومواقع التجارة الإلكترونية العربية، ولكن هذا من طرف آخر يشكل حافزا إضافيا لنا للاستثمار في الإنترنت، فاليوم أنسب وقت للفرص الاستثمارية على الإنترنت كون السوق تكبر بشكل كبير، وبدأ بعض المستثمرين بالدخول بقوة، إضافة للتعطش الشديد لخدمات ومحتوى الإنترنت من قبل المستخدمين.

* ما طبيعة الفرص الاستثمارية على الإنترنت؟

- عندما نتحدث عن تلك الفرص الاستثمارية، يجب أن نشير إلى السؤال: هل نحن نقلد أم نبدع؟ فالتقليد منتشر في العالم كله وله فرص عظيمة في العالم العربي، كاستنساخ نفس الفكرة، لكن بعمل تعديلات أو إضافات تناسب مع طبيعة المجتمع، وهذه لا تحتاج الإبداع بقدر ما تحتاج دقة في التنفيذ وانضباطا فيه، وهنا مكمن الصعوبة. أما الإبداع في فكرة جديدة يخلق نقلة نوعية، الذي عادة يحتاج استثمارات ضخمة بعشرات الملايين تنصب فيه، علاوة على أن الفكرة متأرجحة بين النجاح والفشل، وهذه بالتأكيد تحتاج لاختبارها سوقا كبيرة، وفي العالم العربي قد لا يعد هذا النوع في صلب الأوليات نظرا لتأخرنا في بعض الخدمات الأساسية الموجودة في السوق كالتجارة الإلكترونية.

* ما هي المعوقات التي تجعل المستثمرين يحجمون عن الدخول في هذا المجال؟

- مشكلة مجال الإنترنت أن القليل من المستثمرين لديهم هذه الخبرة في السعودية والعالم العربي عموما، فلا نتوقع أن يأتي شخص ويستثمر في الإنترنت بقوة من دون خبرة، فهي كالصناعات الأخرى التي تحتاج تخصص، لكن ليس من الصعب لو عمل الشخص في شركة متخصصة تضمن له قدرا من الخبرة فترة تمكنه من الدخول في هذا المجال ثم الاستثمار فيه.

* في المقابل.. ما المعوقات التي تمنع رواد الأعمال من بدء مشاريعهم على الإنترنت؟

- ينقصنا في العالم العربي الانضباط في التنفيذ، وبالنسبة لي الفكرة ليس لها أي قيمة من دون تنفيذ، وفي الإنترنت التنفيذ أصعب مما يتخيل البعض، فالكثير من الأفراد ينشؤون مواقع هدفها ليس تجاريا أو ربحيا، ولكنها للتسلية وفجأة تنجح وإذا نجحت تحولت إلى عمل تجاري، وهذا جيد ومهم، لكن لا يعتمد عليه ولا يعول عليه في جعل المستثمرين يستثمرون في هذه المشاريع.

* يوجد نقص واضح في الاستثمار في مواقع إنترنت عربية على الإنترنت، في رأيك ما سبب هذا القصور؟

- نلاحظ وجود ثغرات أساسية ناقصة في موضوع الاستثمار في الإنترنت في المرحلة الحالية، أولها قلة المستثمرين الملائكيين في مرحلة فكرة المشروع لإثبات نظرية نجاح الفكرة ونقلها للمرحلة التالية بتكوين فريق جيد يشغل المشروع ويجذب الاستثمارات، وهي ما زالت ضعيفة لدينا رغم وجود حاضنات وصناديق دعم، لكنهم غير قادرين على سد هذه الثغرة بعد مع جهودهم الجيدة في ذلك، نظرا لصعوبة الدخول في هذه المنطقة من الاستثمارات مقارنة بنتائجها، وحاليا في شركة المبادرات الوطنية نحاول سد هذه الثغرة بجانب عدة شركات أخرى.

* ماذا عن الثغرة الثانية؟

- نضوج العاملين في هذه الصناعة من رواد الأعمال والمستثمرين والحكومة والإعلام كونها صناعة جديدة، ونجد أن حس ريادة الأعمال ما زال غير موجود لدى بعض رواد الأعمال، فبعضهم يرى أن فكرته هي أساس بناء شركته، التي يوظف فيها مبرمجين ومصممين ويديرهم فقط دون الحماس والخبرة والقدرة على التنفيذ، وأيضا ما زال البعض ينظر لمشاريع الإنترنت بطريق سهلة، كبناء موقع جميل وفيه بعض المحتوى سيضمن نجاح الموقع، وهذا بالطبع غير صحيح فيجب عليه معرفة كيفية تطويره وكيفية بناء بنية تحتية قابلة للتوسع، وإعطاء الموقع تصميما سهلا وقابلية جيدة لاستخدامه، وتسويقه بطرق مختلفة وببناء مجتمع فيه، والاهتمام بطبيعة وجودة المحتوى، وهذه جميعها تقع على عاتق رائد الأعمال ولا أحد غيره يستطيع إفادته فيها.

* نرى اليوم نجاحات كبيرة حققها رواد الأعمال السعوديون على الإنترنت والأمثلة في ذلك كثيرة، هل ما زلنا نحتاج لنضوج أكبر؟

- سرعة النضوج وقصص النجاح الموجودة جيدة، ولكنها ليست بالمستوى الذي نطمح إليه، النضوج يجب أن يأتي من الأشخاص أنفسهم، بالتجربة والخطأ والاطلاع، والنضوج لما ننظر إليه من الجهات الحكومية الداعمة ماديا، التي ما زالت ترى أن منح القروض لموقع إنترنت صعب بعض الشيء، والحاضنات ما زالت تتعلم كيف تستطيع تقديم قيمة مضافة. وسيتم تسارع هذا النضوج إذا وجدت نجاحات بمئات الملايين، وأرى أن هناك طفرة ستحدث قريبا في مجال الإنترنت في العالم العربي؛ نظرا لوجود رغبة كبيرة في الاستثمار في السوق، بالإضافة إلى ما أسهمت فيه مجموعات الشباب من محبي التقنية وريادة الأعمال وبعض المبادرات الحكومية والمؤتمرات بتشجيع النضوج.

* ولكن يختلف نشاط تجاري عن آخر.. لذلك قد لا تفيد التجارب في بعض المشاريع..

- ليست المسألة اختلاف نشاط، ولكن المسألة هي أفضل الطرق لعمل الشيء؛ وهذه هي الثغرة الثالثة في استثمارات الإنترنت التي تعتبر عدم توفر المعرفة المطلوبة لعمل هذه المشاريع، تجعل كل رائد أعمال يتعلم من الصفر كل ما هو متطلب، من برمجة وتصميم وتسويق، لعدم وجود تجارب موثقة ومدونة نتيجة لنجاحات ضخمة لاقتها تجارب سابقة. ونحن حريصون على توثيق جميع التجارب والخبرات التي استثمارنا فيها.

* بالنسبة لكم كمستثمرين هل تستقطبون رواد الأعمال أم هم يطلبون منكم الدعم لمشاريعهم؟

- بالنسبة لنا نحن نستخدم جميع الطرق، نحن نستثمر بشكل عام ولا نحدد استثماراتنا بمرحلة أو حجم، ونقوم بالاستثمار المادي والدعم وتسريع النمو والشراكات وكل ما من شأنه خلق قيمة ونمو سريع في هذه الصناعة، لأن في رأيي صناعة الإنترنت في العالم العربي ما زالت في مهدها، نحن نعمل للكل ومع الكل، ولكننا لا نأخذ الفكرة ونطورها ولا نستثمر عادة في فكرة ما لم تكن منفذة ومثبتة ولو جزئيا، وإنما نوجه رائد الأعمال لبدء التنفيذ وتسريع النمو وتكوين فريق جدير بإدارة المشروع. أرى أن هذا المجال استراتيجي وطويل المدى، توجد نجاحات جيدة في هذه الفترة، وستصبح نجاحات أكبر وما يهم هو تعاون الجهات المختلفة لتكبير هذا المجال، سواء كجهات حكومية أو أفراد أو شركات وأصحاب مواقع، مما سيسهم في تسريع النجاح، وهذا الجيل من رواد الأعمال مستقبلهم رائع ولكن يحتاجون نضوجا وقصص نجاح، ويحتاجون لمغريات تساعدهم على بدء مشاريعهم والاستمرار فيها ونحن واثقون أنهم سيبنون شركات ناجحة وصناعة بالمليارات خلال السنوات القليلة المقبلة.