محطة قطارات «سيدي جابر» بالإسكندرية ترتدي حلة عصرية

غنى لها سيد درويش «سالمة يا سلامة.. رحنا وجينا بالسلامة»

TT

حلة عصرية جديدة ارتدتها محطة سيدي جابر للسكة الحديد بالإسكندرية، ثاني كبرى المدن المصرية، بعد الانتهاء من أعمال التطوير، وافتتاحها أمام الركاب والمسافرين.

تعد محطة سيدي جابر المدخل الرئيسي لمدينة الإسكندرية الذي يستقبل المسافرين وركاب القطارات، وهي إحدى المحطات الرئيسية على خط السكة الحديد بين الإسكندرية وباقي محافظات مصر، إذ يتوافد عليها آلاف المواطنين يوميا خلال موسم الصيف، كما تتدفق عليها 90 في المائة من حركة قطارات خط سكة حديد القاهرة - الإسكندرية وخط الضواحي بأبي قير.

مشروع التطوير - حسب وصف وزير النقل المصري الدكتور جلال مصطفى سعيد - هو «الأول من نوعه في مصر، إذ تم تنفيذه باستغلال الفراغ أعلى محطات السكك الحديدية لتوفير مسطحات كبيرة كصالات للركاب وخدمات تجارية وترفيهية، على غرار المحطات العالمية الكبرى، وبلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 225 مليون جنيه». ويشير الوزير إلى أنه بالإضافة لخدمة ما يقرب من 4 ملايين راكب سنويا فإن المحطة توفر أكثر من 7000 متر مسطح من المسطحات التجارية والكافيتريات علاوة على استيعابها 850 سيارة.

وفق خطط وزارة النقل يستهدف تحقيق دخل سنوي من الأنشطة التجارية بالمحطة لا يقل عن 50 مليون جنيه، ولقد أسندت مهمة الإدارة إلى إحدى الشركات العالمية المتخصصة في إدارة وتسويق مراكز المواصلات العالمية.

يضم مبنى المحطة الجديد ثلاثة أدوار (طوابق) بمساحة 9250 مترا مسطحا للدور الواحد. والدور الأرضي بالمحطة مخصص للأرصفة ومسار القطارات، في حين أن الدورين الأول والثاني مخصصان لحركة الركاب والأنشطة التجارية وصالة الركاب الرئيسية بارتفاع 8 أمتار، مع الإشارة إلى أن التطوير اشتمل على تركيب 16 سلما وممشى كهربائيا و8 مصاعد للركاب ولذوي الحاجات الخاصة.

كذلك يضم مبنى المحطة الآن مرأب للسيارات يتكون من 6 طوابق بمساحة إجمالية 3360 مترا مسطحا يستوعب عدد 850 سيارة، وهو أكبر مرأب متعدد الطوابق في الإسكندرية، وهو مصمم ليعمل في اتجاه واحد لدخول السيارات من خلال بلاطات مائلة في اتجاه الحركة تربط جميع الأدوار، وقد جرى تجهيزه بالبوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة التلفزيونية.

محطة القطار الشهيرة تتميز ببرج الساعة الذي يعلو مبنى ذا طراز معماري بريطاني متفرد عن معمار الإسكندرية ويرجع تاريخه إلى عام 1948. وتدخل المحطة ضمن المباني التراثية المميزة في المدينة، وأمامها خريطة كبرى توضح أهم شوارع مدينة الإسكندرية وأهم المزارات السياحية بها، كونها تعد البوابة الرئيسية للمسافرين عبر السكك الحديدية.

ومن جهة ثانية، تعتبر المحطة أيضا من أقدم المحطات المصرية، فهي تقع على أول خط سكة حديد خارج أوروبا، والثاني في العالم، وكان قد بوشر العمل في إنشائه بين مدينتي الإسكندرية والقاهرة عام 1851، بطول 209 كلم. وكان الخديو عباس الأول عام 1851 قد تعاقد مع البريطاني روبرت ستيفنسون، نجل جورج ستيفنسون مخترع القاطرة الحديدية، بمبلغ 56 ألف جنيه إسترليني، عقب البدء في إنشاء خط السكك الحديدية الذي يربط بين مدينتي مانشستر وليفربول في بريطانيا عام 1830.

وبعدها، في عقد العشرينات من القرن الماضي، شهدت محطة سيدي جابر استقبال سعد باشا زغلول بعد عودته من المنفى، حين احتفى به مستقبلوه بأغنية سيد درويش الشهيرة التي لحنها خصيصا لتلك المناسبة «سالمة يا سلامة.. رحنا وجينا بالسلامة». كذلك مر بالمحطة قطار الخديو سعيد الذي أهدته له فرنسا عام 1862، وهو عبارة عن قاطرة ملحق بها صالون فخم، وظل حكام مصر المتتابعون يستخدمونه للتنقل بين مصيفي المنتزه ورأس التين في الإسكندرية حتى عام 1898.

على صعيد آخر، ترتبط المحطة بأشهر أدباء القرن العشرين في مصر، وعلى رأسهم نجيب محفوظ الذي كان من عشاق الإسكندرية.‏ وكان يسافر إليها بالقطار لينزل في آخر محطة هي «محطة مصر».‏ ولكن، على حد وصفه، فإنه لدى وصول القطار إلى سيدي جابر كان ذلك يعني أن عليه جمع الصحف التي كان يقرأها والإمساك بحقيبته تأهبا للنزول في المحطة الأخيرة‏.

أما عن أصل اسم المحطة، ومن قبل الحي الذي تقع فيه، أي «سيدي جابر»، فإنه يرجع إلى أحد أولياء الله الصالحين وهو الشيخ جابر بن إسحاق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد الأنصاري، المعروف بـ«أبي إسحاق»، ويرجع البعض نسبه إلى سيد الخزرج الصحابي الأنصاري الجليل سعد بن عبادة، ويقام له مولد سنوي. وعن «أبي إسحاق» - أو «سيدي جابر» فقد وصفه الأديب البريطاني إي إدوارد إم مورغان فورستر بأنه «ولي محلي رحيم، يطير في الليل ليعتني بالأطفال..».

وفي مجال آخر، يشير إعلان قديم بجريدة «الأهرام» العريقة، في يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1881، إلى أهمية المحطة، ولقد ورد فيه، أن «سكك حديد مصر سترتب قطارات خصوصية لمن يريدون الذهاب إلى محل الاحتفال بمولد سيدي جابر في الرمل، كذا وسائط العودة من دون أن ينتظروا كثيرا من الزمن للحصول على مرغوبهم».