أجيال تفتقر

عبد الرزاق أبو داود

TT

هناك قيمة اجتماعية للرياضة، فالمنفعة الرئيسية للرياضة في المجتمع تتمثل في المشاركة لا الفوز بالمباريات والبطولات، كما أن الأموال التي تصرف على الرياضة يراد بها مصلحة المجتمع لا شريحة بعينها. المنفعة الحقيقية للرياضة تتجسد في استمرارية البناء الاجتماعي معافى صحيا، بل إن ما يجنيه المجتمع هو المشاركة لا المغالبة أو التنافر، فالجميع يفوز بشيء ما في نهاية المطاف. والرياضة أداة حقيقية للحفاظ على الصحة واللياقة البدنية والتخلص من التوتر والاكتئاب، فالدراسات الحديثة تشير إلى أن الفرد الذي يتمتع بصحة ولياقة جيدة يصرف أموالا أقل على مستلزماته الطبية، وهو ما يتوفر بين الذين يمارسون الرياضات الفردية الخاصة، حيث تقل الحاجة إلى المهارات الفردية وتنخفض الإصابات.

تنظيم برامج رياضية جماعية ينبغي أن يبدأ من الصغر، لا سيما في المدارس، حيث يمارس الطلاب الرياضات التنافسية، وحيث يجب تعويدهم على ممارسة رياضات تطور اللياقة البدينة، وتتطلب نمطا أقل من المهارات أو الأعباء المالية، ولأن صغار السن يمثلون القاعدة الأميز لنشر المشاركة الرياضية قليلة المهارات. مثل هذا النهج لا يتلاءم مع نمط البرامج الرياضية في مدارسنا حاليا، حيث تقوم ممارسة الرياضة على أساس الفوز والخسارة، بصرف النظر عن تنمية العادات الرياضية الخاصة بالصحة واللياقة البدينة. وفي الغالب يتجاهل مدرس التربية الرياضية الطلاب ذوي المهارة المحدودة، ونتيجة لذلك تنشأ أجيال تفتقر إلى اللياقة البدنية.

الرياضة تساعد على بناء الشخصية الاجتماعية والفردية، وتنمي الروح الجماعية، وتؤصل التعاون، عندما تستند إلى مبدأ المشاركة لا المنافسة. وزيادة الاهتمام بالرياضة المحترفة والصرف المادي عليها أنتج نمطا من التخمة الرياضية في عطلات نهاية الأسبوع سواء في الملاعب أو على الفضائيات، وقام رجال الأعمال باستغلال النقل التلفزيوني لترويج سلعهم، بينما تجلس الأسر لمتابعة النقل التلفزيوني ويهملون حق أبنائهم في ممارسة الرياضية، وهو توجه اجتماعي سلبي، ذلك أن الرياضة غير الاحترافية تعني نقلا تلفزيونيا أقل، وزيادة بالمشاركة في رياضات الهواة.

إن الرياضة «علم» نشط فكريا وتقنيا، فالرياضي النشط يملك القدرة على إبداع أفكار رياضية عصرية، وغالبا ما يكون ذلك خارج نطاق التنظيم الرياضي الرسمي، والرياضة «الاحترافية» ليست دوما بحاجة إلى «الإبداع» من اللاعبين جراء التزامهم بالأفكار والنظم الاحترافية التي يفرضها الإداري والمدرب، في حين أن الرياضيين الهواة يتمتعون بإمكانات وفرص واسعة لممارسة مختلف الرياضات.

يجب التركيز على فتح آفاق رياضية اجتماعية، وإشراع «المنافذ» الرياضية أمام شباب مجتمعنا لممارسة حقهم الرياضي بعيدا عما يسمى «الاحتكار الاحترافي» في الأندية الرياضية.. كيف وأين يمارس شبابنا رياضاتهم؟ هل هي مسؤولية المجتمع ومؤسساته؟ من المؤكد أن شبابنا لا يجد فرصا كافية لممارسة رياضات الهواة، فيتجه إلى ممارسة أنشطة سلبية أخرى، فهل من تغيير إيجابي في هذا الاتجاه؟ نأمل ذلك.