الرئيس المصري يتعهد بعودة المؤسسات المنتخبة للعمل.. والجيش لثكناته

مرسي قال إنه سيحترم المعاهدات الدولية.. ودعا لوقف نزيف الدم في سوريا

الرئيس المصري الجديد محمد مرسي وهو يؤدي القسم في مبنى المحكمة الدستورية في القاهرة أمس (رويترز)
TT

تعهد الرئيس المصري الجديد محمد مرسي برجوع المؤسسات المنتخبة للعمل وبعودة الجيش لثكناته بعد أن أتم مهمته في حماية الثورة التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وشدد مرسي في أول إشارة منه إلى الوضع في سوريا، على أن نزيف الدم الذي يراق في سوريا يجب أن يتوقف. كما تعهد باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمتها بلاده، ودعم القضية الفلسطينية، وتحقيق المصالحة الوطنية بين أطرافها.

وبإحدى وعشرين طلقة من مدافع الشرف، استقبلت جامعة القاهرة أمس الرئيس مرسي عقب أدائه اليمين الدستورية رسميا في مقر المحكمة الدستورية العليا جنوب العاصمة، وأمام جمعيتها العمومية.

وفي قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة، أدى مرسي للمرة الثالثة اليمين الدستورية (بعد أن أداها أمس أمام المحكمة الدستورية وأول من أمس أمام جماهير ميدان التحرير) في حضور المشير حسين طنطاوي القائد العام رئيس المجلس العسكري، والفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش، وأعضاء بالمجلس العسكري، ورئيس الحكومة كمال الجنزوري ووزرائه، ونواب البرلمان المنحل وأسر ضحايا ثورة 25 يناير. واستهل مرسي، (61 عاما)، أول خطاب رسمي له بالاعتذار لطلاب الجامعة بعد أن تم تأجيل امتحانهم أمس بسبب رغبة مرسي في أن يحتفل بتنصيبه فيها، قبل أن يسلط الضوء على أولى العقبات في فترة ولايته التي تمتد لأربع سنوات، حيث أعلن أن «المؤسسات المنتخبة ستعود لأداء دورها (في إشارة إلى مجلس الشعب المنحل بحكم من المحكمة الدستورية قبل أيام)، مع عودة قوات الجيش المصري العظيم لدورها»، مضيفا: «سيعود الجيش المصري لأداء مهمته في حماية أمن الوطن»، موجها التحية لهم ولجهدهم في حماية البلاد.

وبأدائه اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، أصبح مرسي رسميا أول رئيس مدني في تاريخ البلاد، لكنه بذلك أيضا يكون قد خسر أول جولة في لعبة عض الأصابع بينه وبين المؤسسة العسكرية التي ظلت خلال العقود الستة الماضية تدفع بأبنائها لتولي المنصب الرفيع، باعتباره قد رضخ لنصوص الإعلان الدستوري المكمل الذي ترفضه معظم الأحزاب، بحسب سياسيين.

ورفضت قوى سياسية، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي، الإعلان الدستوري المكمل الذي صدر قبل أسبوعين، وأقسم الرئيس المنتخب بموجبه أمام المحكمة الدستورية بعد أن قضت المحكمة نفسها بحل البرلمان، وهو المكان الطبيعي لأداء القسم اللازم لتسلم الرئيس مهامه.

وقال مراقبون إن مرسي نجح في إرضاء القوى الثورية بأدائه القسم في ميدان التحرير أول من أمس، كما تفادى الصدام مع المجلس العسكري الذي سلم سلطاته لمرسي رسميا أمس، وستحتفظ المؤسسة العسكرية فقط بسلطة التشريع حتى يتم انتخاب البرلمان بعد نحو أربعة أشهر.

لكن مرسي فتح ملفا شائكا في خطابه أمس بأن وعد بأن تعود المؤسسات المنتخبة لأداء دورها، وهو ما يعني أنه ينوي إيجاد مخرج سياسي لحكم الدستورية العليا بحل البرلمان كاملا. وهو الأمر الذي من المتوقع أن يعارضه المجلس العسكري.

ويبقى أمام مرسي ملف شائك آخر، هو اختيار رئيس وزراء جديد. ووعد مرسي قبل ساعات من إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية بأن يكلف شخصية وطنية مستقلة برئاسة الوزراء حال فوزه، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من مختلف التيارات السياسية.

وأكد مرسي، في كلمته التي ألقاها للأمة، في حفل تنصيبه بجامعة القاهرة، أنه «سيبذل كل جهده لحماية الوطن، مع القوات المسلحة - درع الوطن وسيفه»، وهو ما صاحبه تصفيق مدو داخل القاعة، مشددا على تعهده بالحفاظ على المؤسسة العسكرية «جندا وقيادات، وأن يدعمها لتكون أقوى مما كانت ولكي تستمر راسخة، وسيكون معها في كل ما تعمل».

وعبر مرسي عن فخره بوجوده في جامعة القاهرة التي يتشرف بالانتماء إليها، موضحا بقوله: «نحن في جامعة القاهرة، الجامعة الأم، التي أتشرف بالانتماء إليها، طالبا ومعيدا ومدرسا مساعدا، وبعد ذلك في رحلة الدراسات العليا».

وشدد مرسي على أن مصر لن تعود للوراء، مشيرا إلى أنها مرت بلحظات انكسار في تاريخها أحيانا، إلا أنها تغلبت عليها، قائلا: «إننا نسطر معا تاريخا، حيث عاشت مصر عصورا يفخر بها العرب والمسلمون، وقد عانت أحيانا لحظات انكسار، لكنها لن تعود للوراء».

وانتقل الرئيس مرسي بالحديث إلى الدستور الجديد للبلاد، مؤكدا أنه سينقل مصر لمصاف الدول الحديثة، والحاكم سيكون فيه «أجيرا وخادما للشعب المصري»، مضيفا بقوله: «هذه أولى مهماتي كحكم بين السلطات، وأن أرعى الدستور والقانون».

وتابع: «لقد أنجز الشعب المصري إنجازات عظيمة، حيث انتخب مجلس الشعب، واختار البرلمان المنتخب جمعية تأسيسية للدستور، والجمعية بدأت عملها، وسنرسخ للدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة، وسنحافظ على هوية الأمة الأساسية، وسيقوم الدستور على الحق والعدل والقانون».

وتعهد الرئيس مرسي، بأن تقوم الدولة بكافة واجباتها تجاه الشعب المصري في الداخل والخارج، مضيفا: «أتعهد أن أبذل كل وسعي، وأن أدعم جهود المواطنة».

واستطرد بقوله: «لا بد أن نحقق عدالة اجتماعية بمفهومها الشامل، والأمة المصرية على طول تاريخها قامت بدور الحارس الأمين للدولة، وإن حاد الحاكم عن الشعب، فإن الشعب في ميادين العزة والكرامة وفي التحرير وفي كل ميادين مصر، استطاع إسقاط السلطة القائمة، وأسقط النظام القائم بسلطته، بشكل سلمي حضاري، ضاربا أروع النماذج، وأقول لمن تنتابهم مخاوف من استبداد الدولة المصرية، أقول لهم إن الشعب المصري اختارني من أجل مسيرة حضارة الدولة المصرية، والشعب العظيم لن يقبل الخروج عن تلك المسيرة».

واستنكر الرئيس مرسي، في خطابه، حالة «التقزيم» التي عاشتها البلاد في عهد النظام السابق، مؤكدا أنه سيعمل على بناء «مصر القوية»، مجددا احترامه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مع تأكيده في الوقت نفسه على دعمه للقضية الفلسطينية، وتحقيق المصالحة الوطنية بين أطرافها.

وأكد مرسي أن «مصر لا تصدر الثورة لأحد»، مشيرا إلى أن مصر لا تتدخل في شؤون أحد، بينما لا يسمح في الوقت نفسه أن يتدخل أحد في شؤونها، موضحا بقوله: «نحن نؤمن بحق الشعوب في الحصول على حرياتهم، ونحن نؤمن بحق الشعب الفلسطيني والشعب السوري، ويجب أن يتوقف نزيف الدم الذي يراق في سوريا، والشعب الشقيق في سوريا، نريد لهذا الدم أن يتوقف، وسيحدث ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله».

وأبدى الرئيس مرسي دعمه للقضايا العربية، مشيرا إلى أن كل الدول العربية حريصة على ذلك، ومصر هي الرائدة بحسب قوله، و«إذا نهضت.. نهض العرب جميعا»، كما شدد على أن مصر «ستقف في وجه المخاطر التي تهددها (الدول العربية)».

وأكد رئيس الجمهورية الجديد دعمه لقطاعات السياحة والاقتصاد والاستثمار، متابعا بقوله: «سنرسم معا مستقبلا زاهرا إن شاء الله، مسلمين ومسيحيين، لتعود مصر قوية، ونستكمل معا أهداف ثورتنا، والكرامة الإنسانية».

واختتم مرسي خطابه بقوله: «لن أخون الله فيكم سأكون عند رغباتكم»، وهنا قاطعه أهالي الضحايا والمصابين الحاضرين للاحتفالية، هاتفين بحقوقهم ومطالبين الرئيس بتلبيتها، فعاد الرئيس مرسي قائلا: «أكرر أن دماء الشهداء والمصابين حق في رقبتي، ولننظر إلى الأمام وإلى العمل والإنتاج، وإن غدا لناظره قريب».