تساؤلات حول ما إذا كانت روسيا تملك مفاتيح الحل في سوريا

مخاوف من خسارة نفوذهم في الشرق الأوسط والقاعدة البحرية في المتوسط وعميل موثوق لصناعاتها الدفاعية

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في حديث مع نظيرها الروسي لافروف
TT

إذا كانت روسيا تملك الحل لإنهاء النزاع في سوريا، بحسب ما دأبت إدارة الرئيس باراك أوباما والكثير من دول العالم على ترديده، لماذا لا تفعل ذلك إذن؟ أكدت موسكو على أنها لن تتوقف عن دعمها المادي والمعنوي للرئيس بشار الأسد لمجرد أن الولايات المتحدة والقوى الأخرى تقف ضده. وأوضح الروس أنهم يتصرفون بدافع احترامهم للسيادة السورية والمخاوف من النظام الذي قد يخلف نظام الأسد.

بيد أن مسؤولين في الإدارة الأميركية وخبراء في الشؤون الروسية أشاروا إلى وجود بعض الأسباب الأخرى، مثل خشية الروس من خسارة قاعدة نفوذهم في الشرق الأوسط، القاعدة البحرية في البحر الأبيض المتوسط وعميل موثوق لصناعاتها الدفاعية. كما تبدي موسكو قلقا بشأن المتطرفين الإسلاميين في المعارضة السورية وربما تلعب لعبة المزايدة على غرار الحرب الباردة وتستمتع باستقطاب اهتمام المجتمع الدولي.

لكن بالنسبة للتحالف الأوسع من الدول التي ترغب في رحيل الأسد ووضع نهاية للصراع الذي خلف الآلاف من القتلى في صفوف المدنيين، لا يوجد تفسير مقنع لسياسة تبدو سلبياتها في نهاية المطاف واضحة وضوح الشمس.

ويقول أندرو ويس، خبير الشؤون الروسية الذي عمل في إدارة بيل كلينتون: «إذا أخضعت كل الحجج التي يتذرعون بها للدراسة - من الروابط الاقتصادية والعسكرية والعلاقات الدفاعية - ستجد أنها جميعا قد تزول إذا ما تحولت سوريا إلى دولة فاشلة أو شهدت البلاد صراعا طائفيا مطولا». ومع اجتماع آخر للقوى العالمية بشأن الأزمة التي تتواصل منذ 15 شهرا، والذي يعقد السبت في جنيف، ترى الإدارة الأميركية أنها كشفت بعض الضعف في الرفض الروسي الدائم للتخلي عن الأسد. وأشار مسؤولون إلى أنهم يرون أيضا إشارات على الرغبة في الحصول على مقترحات جديدة من مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان، لحكومة وحدة وطنية انتقالية، التي سيتم مناقشتها في جنيف.

وقال مسؤول بارز في الإدارة، رفض الكشف عن هويته بسبب الحساسيات الدبلوماسية: «لقد أشاروا إليهم إلى أن القضية ليست التزاما شخصيا تجاه الأسد. هناك عدم فهم لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في المستقبل، لكن هناك إشارة ضمنية على أنهم منفتحون لعقد محادثات يمكن أن تتضمن رحيل الأسد».

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد توقفت في سان بطرسبرغ يوم الجمعة للاجتماع مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف قبل السفر إلى جنيف.

جاءت الروايات بشأن الاجتماع مبهمة ومتعارضة، فصرح لافروف للصحافيين أن الوزيرين اتفقا على غالبية النقاط وقال: «شعرت بتغير موقف هيلاري كلينتون، هي تتفهم موقفنا».

في الوقت ذاته قال مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لوكالة رويترز أثناء اللقاء في بطرسبرغ: «لا تزال هناك بعض نقاط للتعارض والاختلاف».

وبحسب وكالة إنترفاكس الروسية: «لم يكن هناك تقدم في الجلسة التمهيدية في جنيف يوم الجمعة التي حضرها ممثلون من واشنطن وموسكو وأعضاء مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية». وقال التقرير: «حال الوفد الروسي دون توصل مندوبي الدول الأخرى إلى قرار بالإجماع بشأن خطط أنان».

وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية إنها ترى أن اجتماع الوزراء القادم «خطوة إيجابية»، لكن «روسيا لن تغير من موقفها الراسخ بأن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلادهم بأنفسهم».

وفي بيان منفصل، قالت الوزارة إن قرار أنان بعقد الاجتماع دون دعوة إيران، والسعودية والدول الأخرى في المنطقة لا يبدو معقولا.

وصفت مقترحات أنان الجديدة من قبل المشاركين بأنها المحاولة الأخيرة للوصول إلى توافق دولي، يدعمه في ذلك الأوضاع المتدهورة في سوريا. ويبدي الكثيرون تشاؤما من قرار روسيا بشأن إمكانية تغيير روسيا لسياستها مشيرين إلى أن التفاؤل السابق لم يكن له أساس.

وفي أعقاب تصريح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بأن الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين قال «صراحة» في قمة دول مجموعة العشرين التي أقيمت هذا الشهر في المكسيك إنه «لا يرغب في بقاء الأسد على رأس السلطة في سوريا»، نفى بوتين أن يكون قد قال شيئا كهذا. وعندما اقترح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في المؤتمر الإخباري للقمة أن الأسد قد يختار النفي في سوريا، رد بوتين بأن الأسد قد يكون أكثر ارتياحا في فرنسا. في الوقت ذاته أصدر بوتين وأوباما، في أعقاب محادثات مجموعة العشرين، بيانا مشتركا دعا إلى «وقف فوري لكل أشكال العنف في سوريا ودعم جهود أنان». وقال البيان: «نحن متفقون أن الشعب السوري ينبغي أن يحظى بالفرصة لتحديد مستقبله بشكل ديمقراطي ومستقل».

لكن التقارير الواردة بشأن محادثاتهم المغلقة، التي قال مسؤولو الإدارة إنها هيمنت عليها القضية السورية، أشارت إلى أن الزعيمين لم يجدا بالضرورة نفس المعنى في هذه الكلمات. حتى الآن، لم تربط موسكو رفضها بشأن سوريا بالقضايا الأخرى في العلاقات الروسية الأميركية. فقال مسؤول بارز في الإدارة: «نهجهم المتشدد في سوريا فقط. فلم يسعوا إلى الحصول على مكاسب بشأن الدفاع الصاروخي، أو شبكة الإمداد الشمالية، مسار العبور في آسيا الوسطى وروسيا الذي تم التفاوض عليه لرحيل قوات ومعدات الناتو من أفغانستان، كجزء من المناقشات بشأن سوريا». يبدو أن بوتين لا يرى في سوريا قضية ذات فائدة يمكن استخدامها لتعزيز التعاون الثنائي.

وقالت أولغا أوليكر، المحللة السياسية البارزة في مؤسسة راند «إنه ينتظر ليرى من سيفوز في الانتخابات الأميركية قبل أن يتوصل إلى قرار بشأن السياسة التي ستنتهجها روسيا تجاه الولايات المتحدة. لماذا يقدم كل هذه التنازلات؟ إنه لا يعتقد أنه قادر على التأثير على نتائج الانتخابات، لكنه يرغب في معرفة ما ستؤول إليه الأمور». وأضافت: «ما يجري في سوريا الآن مؤسف للغاية، لكن الروس يستفيدون كثيرا من الوضع الراهن. فالروس يرون أنهم (موضع الاهتمام، ولا تزال لديهم القدرة على التأثير على الموقف. وأنهم يدافعون عن الأشياء التي يؤمنون بها)، والتي تبدو تلقى تأييدا في الداخل الروسي أيضا».

وقال ويس: «بغض النظر عن التكهنات والأسباب المعلنة لروسيا، لا تزال أسباب الدعم الروسي للأسد غامضة، حتى بالنسبة للخبراء».

يأتي ويس بين المتشائمين إزاء التغير في الموقف الروسي، وقال: «غالبية التحولات التي قاموا بها للإشارة إلى إمكانية رحيل الأسد تبدو على الأرجح جملا للاستهلاك لا تدعمها تحركات حقيقية». وقال: «إذا كانوا جادين فسوف يقومون بأشياء لوقف شحنات السلاح وأشكال الدعم الأخرى بما في ذلك الدعم المالي. وليس هناك مؤشر على تغيير النبرة الروسية في أي من هذا القضايا».

* خدمة «واشنطن بوست»