اتفاق قادة اليورو خطوة نحو الحل ابتهجت له الأسواق.. ولكن ماذا عن الشعوب؟

محللون: هناك انفصام بين الساسة والمواطنين

جوزيه مانويل باروسو بدا مزهوا بعد الاتفاق وهو يجيب عن أسئلة الصحافة في بروكسل يوم الجمعة (أ.ف.ب)
TT

رحبت الأسواق بتحرك أوروبا صوب وحدة أوثق لكن لا يبدو أن الناخبين الأوروبيين سيكون لهم نفس رد الفعل وهو ما يسبب قلقا للمستثمرين خاصة في وقت تبدو فيه أوروبا أشد انقساما من أي وقت مضى منذ طرح العملة الموحدة في 1999. وذلك حسب تحليل نقلته وكالة رويترز.

واتخذت أوروبا خطوة صوب توثيق عرى وحدتها بقرار تعديل قواعد الإنقاذ المالي لمساعدة إيطاليا وإسبانيا والتحرك تجاه إنشاء رقابة مشتركة على القطاع المصرفي.

إلا أنه حتى لو نحى الزعماء الأوروبيون خلافاتهم جانبا وبدأوا في بناء ولايات متحدة أوروبية فقد يقاوم الناخبون ما يرون أنه انتقاص من السيادة. وربما يؤثر ذلك على الأسواق لو ذهب الجهد الكبير سدى.

وقال سايمون بريك كبير مسؤولي الاستثمار في «نيوتن لإدارة الاستثمار» في لندن والتي تدير أصولا بنحو 80 مليار دولار «كثير من الناس في أوروبا لا يريدون أن يكونوا جزءا من دولة واحدة. هناك انفصام بين الساسة الأوروبيين وجمهور الناخبين. كل منهما يسير في اتجاه».

وأثارت موجة كبيرة من تخفيضات الإنفاق والزيادات الضريبية بهدف تقليص العجز الكبير بميزانيات الدول الأوروبية رد فعل غاضبا من المواطنين في منطقة اليورو التي تضم 17 دولة خاصة في الدول التي تعاني من ارتفاع البطالة وتراجع النمو أو الانكماش.

واختارت أقليات لا بأس بها في الانتخابات الفرنسية واليونانية الأخيرة أحزابا من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار بدلا من التيار الرئيسي المؤيد للتكامل الأوروبي.

في غضون ذلك تعارض ألمانيا تخفيف إجراءات التقشف وتقاوم دعوات لإنشاء سوق سندات مشتركة. وخرج عنوان رئيسي لإحدى الصحف الألمانية في الآونة الأخيرة يقول «لا» باللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية مستحثا الزعماء على مقاومة الجهود لحمل ألمانيا على ضمان ديون دول أخرى بمنطقة اليورو. وقال جريجوري وايتلي من «دبل لاين كابيتال» في لوس أنجليس إن اتفاق الجمعة على السماح بضخ أموال الإنقاذ مباشرة في البنوك بدلا من إقراضها لحكومات مثقلة بالفعل بالديون يمثل خطوة مهمة خاصة أنه يتزامن مع لين ملحوظ في موقف ألمانيا السابق.

لكنه أضاف أن إنشاء هيئة منظمة للقطاع المصرفي بمنطقة اليورو للإشراف على هذه المساعدات قد يكون أمرا صعبا. وقال الزعماء الأوروبيون إنهم سيبحثون إنشاء مثل هذه الهيئة بحلول نهاية العام. وقال «ما زلنا بعيدين عن تسوية ذلك لأن مقاومة الناخبين على الجانبين - في ألمانيا على تقديم تنازلات وفي جنوب أوروبا لمواجهة حدة المشكلة - عقبة كبيرة أمام التوصل إلى حل طويل المدى قابل للتنفيذ».

ووصفت صحيفة «دير شبيغل» اتفاق الجمعة بأنه هزيمة لألمانيا قائلة إنها «رضخت لمطالب بشروط أقل صرامة لحزم الإنقاذ وتقديم الدعم للبنوك مباشرة». وقال سايمون ديريك من «بي إن واي ميلون» إنه «من الواضح أن الاتفاق جاء رغما عن ألمانيا.. نتيجة لذلك تبدو ألمانيا منعزلة سياسيا ونفترض أنها حانقة للغاية. وتبدو هذه تركيبة خطرة».

وهذا أحد الأسباب التي جعلت وايتلي يشكك في استمرار صعود الأصول التي تنطوي على مخاطر. وحذر وايتلي من المراهنة ضد صعود مستقبلي للدولار وأذون الخزانة الأميركية التي تعتبر ملاذا آمنا. وكرر محمد العريان الرئيس التنفيذي لشركة بمكو أكبر مدير لصناديق السندات في العالم نفس الفكرة في مقابلة مع قناة «سي إن بي سي» التلفزيونية.

وقال العريان «نرى أن هذه ليست طفرة بعد. ما زال هناك حاجة للكثير». وأضاف قائلا «لذا هناك احتمال أن يفقد هذا الصعود قوته الدافعة مرة أخرى». وقال بيتر اتواتر رئيس شركة فاينانشيال انسايت للاستشارات الاستثمارية في بنسلفانيا إن الانفصام بين الرأي العام والتوافق السياسي ليس غريبا في أوروبا في وقت تشعر فيه الشعوب بالقلق بشأن مستقبلها السياسي.

ويمكن رؤية ذلك على الجانب المقابل من المحيط الأطلسي أيضا. ويشير اتواتر لتراجع ثقة المستهلكين ومشكلات سياسية مستعصية وصعود حركات احتجاجية مثل حزب الشاي واحتلوا وول ستريت وهي أمور كلها قد تعقد عملية صناعة السياسات. وقال «يزعجني قدر الثقة التي يضعها كثير من المستثمرين في صناع السياسة الأوروبيين.. هناك شعور أكبر أنه لأن التداعيات (المترتبة على الفشل) جسيمة فإن عليهم التصرف. في الوقت ذاته هناك تشتت سياسي متزايد لذا تتضاءل قدرة الحكومات على التصرف بشكل حاسم وسريع ومتماسك». وقال باري ايتشنجرين أستاذ الاقتصاد في بيركلي إن هذا التشرذم السياسي دائما ما يشكل خطرا في أوقات تدهور الوضع الاقتصادي.

وعلى الرغم من ذلك فإن عدم التيقن بشأن ما ستنتهي إليه أزمة الديون الأوروبية يبقي المستثمرين قلقين من زيادة التعرض لليورو أو لأي أصول أخرى تابعة لمنطقة اليورو وهو ما قال بريك من «نيوتن لإدارة الاستثمار» إنه سيستمر لبعض الوقت على الأرجح.

وقال بريك «ستكون هناك فرص كبيرة للشراء في الأسهم الأوروبية في وقت ما مستقبلا.. لكن ليس الآن».