الافتتاح الصيفي لقصر باكنغهام.. جولة داخل تاريخ المعمار والفن في بريطانيا

مجوهرات الملكة اليزابيث تزين القصر عبر معرض «الماس: احتفال باليوبيل»

TT

تبعا للعادة السنوية يفتح قصر باكنغهام أبوابه للزوار الذين يريدون التجول في غرفه الرسمية والتمتع بالعمارة البديعة والتاريخ الذي يحمله كل جانب فيه. الزيارة للقصر تحمل معها إحساسا بالدهشة خاصة أنه من أعرق القصور الأوروبية ويحمل مكانة خاصة بحكم كونه مقر الملكة إليزابيث الثانية. القصر أيضا يضم مجموعة ضخمة من الأعمال الفنية والقطع الأثرية التي تضمها المجموعة الملكية (رويال كوليكشن).

الغرف الرئيسية أو الرسمية في القصر هي الغرف التي تشهد حفلات الاستقبال الرسمية والمناسبات الرسمية، وحيث تقيم الملكة حفلات لضيوفها. ولا ضرر أن يتخيل الزائر نفسه ضيفا ولو لدقائق على الملكة، فها هو يمشي على السجاد الوثير يحييه في كل خطوة أحد العاملين في القصر بابتسامة ودودة، ولا يعدم من يشير له إلى أحد الجوانب التي قد يغيب عنه تأملها أو حتى الإشارة إلى جزء مخفي من المعمار قد لا يلحظه إلا العارفون بالقصر، ومثال على ذلك الممر السري المختفي وراء مرآة والذي تستخدمه الملكة للدخول إلى حجرة الاستقبالات الرسمية.

الزيارة تنطلق من مدخل السفراء كما يطلق عليه، حيث تطالع الزائر على يمينه لوحة ضخمة تمثل الملكة إليزابيث، ومن تلك القاعة يمضي الزائر باتجاه السلم الرئيسي (غراند ستيركيس). القصر الذي يضم 775 غرفة يمثل المكتب الرسمي للملكة ومساعديها الذين يحتلون 90 مكتبا داخل القصر، ويقدر عدد العاملين في القصر ممن يقومون على خدمته والعناية به بـ350 شخصا يقومون بعملهم في معظم الأحيان في أدوار تحت الأرض حيث توجد المطابخ ومخازن الطعام وأيضا مكتب البريد الملكي.

من الغرف التي يمر بها الزائر خلال الجولة غرفة الاستقبال الخضراء التي سميت بذلك نسبة للون الستائر المعلقة فيها. الزائر هنا سيحتار أين ينظر، فالغرفة حافلة بتفاصيل بديعة من الستائر الحريرية الخضراء بنقوشها البديعة إلى الثريات الكريستال واللوحات الضخمة لأمراء وأميرات من تاريخ العائلة المالكة.

الغرفة تؤدي إلى غرفة العرش التي تضم عرش الملكة والمطرز بأحرف اسمها، وكرسي الأمير فيليب الذي يحمل الحرف الأول من اسمه أيضا. الغرفة شهدت أحداثا رسمية ومناسبات عائلية مهمة في حياة الأسرة، وفيها التقطت الملكة صورا تاريخية مثل صورة زفافها، ومع أفراد عائلتها في مناسبات مثل زواج الأمير ويليام العام الماضي. الغرفة تتميز أيضا بالزخارف البارزة التي تحيط بأعلى الجدران وأيضا بالسقف المنقوش بشكل بديع على شكل مربعات متقاطعة تزينها شعارات المملكة المتحدة.

غاليري الصور من أجمل الغرف في القصر، فسقفها الزجاجي المقوس يمرر الضوء المبهر ويجعل اللوحات المعلقة أكثر جاذبية وجمالا. ويضم الغاليري مجموعة ضخمة من أجمل اللوحات الفنية العالمية، وهنا يجد الزائر نفسه أمام أعمال نادرة لفنانين أمثال كاناليتو الإيطالي الذي صور مدينة البندقية بمهارة وحس فني رفيع، وانتشرت خمس من لوحاته على طول الغاليري وكأنها محطات للزائر يرتاح عندها في تجوله. من اللوحات الأخرى هناك لوحات لرمبرانت وروبنز جان ستين وفان دايك، وعمل فذ لفيرمير هو «درس الموسيقى» لا يمل الزائر من النظر إليه واستكشاف المشهد الهادئ الذي يصوره العبقري فيرمير الذي يستعيض عن الحركة باستكشاف المشاعر والعالم الداخلي لشخوصه. لمحبي الفنون فإن زيارة هذه الغرفة بمثابة زيارة متحف أو غاليري مهم، وقد تستهلك أغلب الوقت المخصص لزيارة القصر.

وكأن زيارة القصر لن تكفي الزائر ولن تشبعه بشكل كاف، فقد أضيف هذا العام إلى قائمة الغرف معرض خاص بالمجوهرات الملكية الموجودة في رويال كوليكشن. المعرض بعنوان «الماس: احتفال باليوبيل»، ويقام بمناسبة اليوبيل الماسي للملكة، وربما يكون هذا المعرض أفضل تعبير عن المناسبة التي احتفلت بها بريطانيا على مدار الأشهر الماضية. المعرض يضم 10 آلاف قطعة ماسية من ممتلكات سبعة من ملوك وملكات بريطانيا، كما يضم مجموعة من القطع الخاصة بالملكة إليزابيث، والتي لا تزال ترتديها في المناسبات المهمة. منها ذلك التاج الشهير الذي تظهر به في افتتاح البرلمان كل عام. ويذكر لنا كتيب المعرض أن التاج صنع في عام 1821 بمناسبة تتويج الملك جورج الرابع الذي دفع 8000 جنيه إسترليني سعرا له. التاج يضم 1333 ماسة نقية تنظم في صفوف، وأيضا تتشكل على هيئة رموز المقاطعات البريطانية. في المعرض أيضا العقد والحلق اللذان ارتدتهما الملكة إليزابيث في حفل تتويجها. وتعرف القطع باسم «عقد وحلق التتويج» فقد ارتدتهما من قبل الملكة ألكسندرا في حفل تتويج زوجها، ثم ارتدتهما الملكة ماري في عام 1911، ثم الملكة إليزابيث الأولى في عام 1937، وأخيرا الملكة إليزابيث الثانية في عام 1953. ويضم العقد 25 ماسة تنتهي بماسة لاهور الضخمة التي يبلغ حجمها 22 قيراطا.

هناك أيضا التاج المعروف باسم دلهي دوربار الذي صنع في عام 1911 للملكة ماري لترتديه أثناء زيارتها لمدينة دوربار الهندية، حيث حضرت مناسبة للاحتفال بالملك جورج الخامس. التاج الذي يعرض للجمهور للمرة الأولى صنعه الصائغ غارارد، وظل بحوزة الملكة إليزابيث الأولى والدة الملكة الحالية حتى وفاتها في عام 2002، وكان آخر ظهور له عندما ارتدته دوقة كورنوال كاميلا في عام 2005.

من القطع الجميلة في المعرض والتي تحمل لمحة عاطفية موحية التاج الصغير الذي صنع بناء على طلب الملكة فيكتوريا بمناسبة احتفالها باليوبيل الماسي لحكمها. التاج صنع بحجم صغير ليلائم وضعه فوق الغلالة التي اعتادت الملكة على ارتدائها على رأسها منذ وفاة زوجها الأمير فيليب. ورغم صغر حجم التاج فإن تصميمه البديع يبرز جمال الـ1187 ماسة التي انتظمت لتكوينه.

المعروضات منظمة في صالة العرض بأسلوب فني وتحت إضاءة خافتة سمحت للماس بالبريق واللمعان بشكل عوض الإضاءة العامة، واستعان منظمو المعرض بلقطات سينمائية مقربة للقطع المعروضة، وهو ما أظهر تفاصيل وجمال القطع الماسية بشكل جذاب.

ولكل قطعة في المعرض أكثر من حكاية ومناسبة تاريخية سواء من حيث المكان الذي أحضرت منه، سواء كانت هدية أو قد ابتيعت من مكان ما، كذلك نجد أن بعض القطع قد شهدت تغييرات وتعديلات في شكلها ووظيفتها وتحويلها من شكل إلى آخر بحسب تفضيل الملكة الحاكمة في ذلك الوقت. وذلك كله ينضوي تحت الغلالة التاريخية التي تسرد تاريخ العائلة الملكة ومناسباتها عبر حبات الماس، فمن الملكة فيكتوريا إلى دوقة كمبريدج تجولت تلك القطع النادرة لتزين سيدات العائلة ولتشير إلى الأجيال الجديدة التي تنضم إليها.

ربما يكون المعرض هو خير ختام لجولة داخل حجرات القصر قطع فيها الزائر 450 مترا، لكن خطواته تأخذه بعد ذلك إلى الحديقة الخلفية للقصر لينهي الجولة بالمشي بين الأشجار والزهور، ويطل على بحيرة صغيرة تعود إلى القرن التاسع عشر قبل الخروج نهائيا من بوابات القصر.