سجل موثق..!

عبد الرزاق أبو داود

TT

التاريخ الرياضي سجل موثق للأحداث الرياضية السابقة، يتجزأ من حيث المقاربة العلمية إلى السرد والمعالجة التحليلية، أو المزج بينهما، وكلا الاتجاهين يهدف إلى صياغة «التاريخ» في شكل معالجة علمية منظمة للأحداث في فترات زمنية معينة. ويحتم التصدي لكتابة التاريخ الرياضي الرجوع إلى مجموعات من المصادر، خاصة إذا ما كانت المعالجة قائمة على المقاربة التحليلية، التي تتطلب قدرا أكبر من المران والقدرات العلمية للتمعن في الظواهر الرياضية وتحليلها بطريقة «نقدية».. خالية من «التحيز»، ومن أهم الأسس التي تقوم عليها عملية «التاريخ» الرياضي الالتزام بالتوثيق والإحالة، وهي مسألة تفتقر إليها بعض «الكتابات» التي «تحفل» بعشرات الصفحات التي تخلو من «التوثيق المعلوماتي».

وكما بينا ذات يوم، فإن كتابة تاريخنا الرياضي عملية استحضار صور إيجابية متوازنة قوية التركيب، تشع على الحاضر، معززة لأركانه، تقدم الدروس والأمثلة والعبر التي تساعد في صياغة حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا الرياضي، وذلك لا يعني أنها جميعا «حقائق» مؤكدة، بل إن من المغالاة محاولة «إسقاطها» على واقعنا إذا كانت تفتقر للدقة أو الموضوعية. فلسفة التاريخ الرياضي «عموما» تؤكد أن من «زامن» الأحداث من جميع الاتجاهات هم من يملكون «الحقائق» التي لا تقتصر على رؤى «أحادية» استقت من «منبع مفرد»، وتحاول فرض «نظرتها» على مجمل الأحداث، فالحقائق إنما تنبثق من تجارب الأجيال وما تختزنه «الذاكرة الجمعية» من معلومات ومواقف، وليس من القدرة على مواصلة «الهرطقة» الإعلامية، ومحاولة إيهام القارئ «بصدق رؤى ضعيفة»، تفتقر إلى أدب الحوار، وينقصها الدليل، تندفع إلى «تسفيه» كل ما عداها!

إن مقدرة «المؤرخ» الرياضي لا يمكن فصلها عن فكره وما مر به من أحداث ومؤثرات قد «تؤثر» في تقييمه التاريخي للرياضة عامة، وتاريخنا الرياضي عبارة عن «هيكل» غير متناغم في أحداثه وتواليه الزمني، وبالتالي فإن الاختلافات أو الخلافات في إطار حركتنا الرياضية تعبر عن انعكاسات بعيدة الغور لما جرى من أحداث وعبر ودروس. وفي هذا السياق فإن هذا التاريخ مرتبط بتأثير «التوجهات» والانتماءات «الشخصية» الرياضية، التي تبدو «آثارها» قوية في كثير مما نشر أو بُث على الرغم من أن قدرا منه يتميز بقدر مقبول من «المنهجية» العلمية المتراوحة بين الرواية والمعالجة التحليلية.

إن ما نطرحه من «تصورات» حول «تجربة» كتابة تاريخنا الرياضي تتصل بقدرات «من» يتصدى لهذه القضية على الابتعاد عن أن يكون مجرد «صدى» للنوازع والتجارب الشخصية المنغلقة على ذاتها، بحيث تتحول هذه «الكتابة» إلى «مقاربات» موضوعية رصينة بعيدة عن «العواطف»، قادرة على تقديم صورة منطقية مفيدة تسهم في تكوين فهم وتعامل أفضل مع حاضرنا ومستقبلنا الرياضي، بدلا من العمل على زيادة «شقة» الاختلاف والتجاذب والاستقطاب المقيت الذي يواصل «المتعصبون» الاندفاع نحوه تحت شعارات واهية تتلاعب بمشاعر الجماهير الرياضية!