وزير الإعلام المغربي: «الربيع العربي» دفع النخب إلى ربط مستقبلها بالشعوب

بن عيسى: دول المغرب العربي تمر بمرحلة فارقة

محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى «أصيلة» في حديث مع مصطفى الخلفي وزير الإعلام المغربي قبيل بدء أعمال الندوة الرابعة لمنتدى «أصيلة» مساء أول من أمس (تصوير: أسامة محمد)
TT

قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) المغربي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الربيع العربي دفع النخب المغاربية إلى ربط مستقبلها بالشعوب وليس بالسلطة والطبقة الحاكمة.

واعتبر الخلفي، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس في الجلسة الافتتاحية لندوة «دور النخب في أفق بناء الاتحاد المغاربي»، آخر ندوات منتدى «أصيلة» الـ34، أن المنطقة العربية والمغاربية على وجه الخصوص، تعرضت لـ«هزة قوية» دفعت النخب إلى القيام بنقد ذاتي بشأن علاقتها مع الشعوب، حيث أدى ذلك إلى فك الارتهان بين النخب السياسية الحزبية وباقي النخب، كما هو الحال بالنسبة لتونس ومصر، بعدما كانت كل النخب، بما فيها الثقافية، تابعة للنخبة السياسية وتدور في فلكها.

واعتبر الخلفي أن توجيه النخب بوصلتها نحو الشعوب أضحى أمرا محتما، مما سيتمخض عنه تحول عميق في العلاقة بين الطرفين، سيعطي معنى للحديث عن بناء اتحاد مغاربي، بعدما كان فاقدا لهذا المعنى قبل حدوث التغييرات التي فرضها الربيع العربي.

واعتبر الخلفي أن الحديث عن دور النخب في بناء المغرب العربي، هو «حديث عن الفاعل الذي سيحول السياسات إلى خطوات عملية»، معتبرا أن النقاش حول هذا الدور أضحى «مطلوبا في الفترة الراهنة»، مشيرا إلى أن الدينامية التي أعطيت للاتحاد المغاربي في الفترة الأخيرة، والتي أشاد الخلفي بالدور التونسي فيها، كانت مستبعدة قبل سنوات قليلة، مستشهدا بالاجتماع الأخير الذي ناقش خلاله المغرب والجزائر الإشكاليات الأمنية للمنطقة، معتبرا أن ذلك أنهى «أحادية المقاربة الأمنية التي اعتمدت لسنوات طويلة».

وأوضح الخلفي أن دور النخب المغاربية لم يعد مقتصرا على الضغط على السياسيين لتحقيق التقارب المغاربي، بل أيضا صارت هذه النخب مسؤولة عن بناء الاتحاد من خلال التأسيس لأرضية ثقافية تدعم التقارب بين دول الاتحاد الخمس.

ودعا المشاركون في الندوة التي تتواصل أعمالها اليوم إلى ضرورة التعاطي المباشر مع الإشكاليات التي تضع كوابح وهمية أمام ازدهار الشعوب المغاربية، مشيرين إلى أن استضافة منتدى «أصيلة» للاتحاد المغاربي كضيف شرف هي مؤشر على ترجيح دينامية الاهتداء إلى سبيل الوحدة والسير بخطى مشتركة نحو المستقبل.

وانتقد محمد الأمين الصبيحي، وزير الثقافة، بقاء المنطقة المغاربية «استثناء» في العالم، حيث لا تزال شعوب أقطارها الخمسة محرومة من التنقل الحر فيما بينها، داعيا إلى فتح المجال المغاربي، والعمل على توحيده، من أجل كسب رهان التنمية. وشدد على القول إن الفنانين والمثقفين أضحوا مطالبين بالمبادرة من أجل مد جسور التواصل بين الدول المغاربية.

ولم يتردد محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى «أصيلة»، وزير الخارجية المغربي الأسبق، في القول إن موعدا مثل هذه الندوة تأخر شيئا ما، مشيرا إلى أنه كان مفروضا أن يناقش الموضوع، قبل سنين، بعد بروز «المطبات» والإخفاقات المتتالية أمام تفعيل صرح اتحاد المغرب العربي، لأن جيل ما بعد اتفاقية مراكش، حين أعلن عن الاتحاد، يساوره القلق ويستشعر الإحباط.

وأوضح بن عيسى أن الاجتماعات الدورية لوزراء الخارجية المغاربيين، ولجان القطاعات الحكومية، لم تتوقف. واتخذت قرارات، لكنها تظل على العموم بعيدة عن النزول على أرض الواقع. وأبرز بن عيسى أن هناك معوقات تحول دون الإسراع في الطريق، وكذلك ظروف كل بلد والأوضاع التي تعرفها العلاقات البينية بين دول المجموعة المغاربية، مضيفا أن الاتحاد يعيش في الواقع بوجهين، فهو من جهة، حي يرزق. ويتجسد ذلك في وجود مقر للأمانة العامة والاجتماعات التي يعقدها هنا وهناك. في مقابل ذلك يَشْخَصُ أمام الناظرين وجه آخر، يُخفي حقيقة الأمور، حيث تغيب أدوات تفعيل الاتحاد وتنفيذ قراراته.

وأكد بن عيسى على أن القطاعات الحكومية وبعض منظمات المجتمع المدني لم تنجح في محو الصورة التي تكونت عن الاتحاد وطريقة اشتغال مؤسساته. ويرى بن عيسى أن غياب المثقفين والمبدعين والأدباء وفئة الشباب وحتى العلماء، وعدم إشراكهم في مثل هذه الورش المستقبلية وفي الفعل المواكب لتسريع حركية الاتحاد، والإحساس بـ«الخذلان» الذي طبع مسار الاتحاد منذ إعلانه واستمرار روح التفكك، بل وانعدام التفاهم بخصوص أبسط القضايا والمشكلات، كلها عوامل «تسببت في ما عشناه من مآس وإحباط، وأدت إلى انتشار حالة اليأس بين المثقفين وإحساسهم بانسداد الأفق المغاربي، فلاذ كثيرون بالصمت وانزووا في أماكنهم فيما تشتت آخرون في أوطان الهجرة عربيا ودوليا».

وذكر بن عيسى أن الدول المغاربية تمر بمرحلة فارقة. وقال إنها عاشت حراكات شعبية، فيها ما هو سلمي وما هو، للأسف الشديد، دموي وعنيف وشرس، لكنها في طريق تشييد عهد جديد تطبعه الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة، وبالتالي لا يوجد مبرر لتخلف النخب الفكرية عن القافلة، بل يتوجب عليهم تصحيح مسارها. بيد أنه أوضح أنه ليس صحيحا أن «النخب أصبحت متجاوزة بما فعلته أدوات الاتصال الحديثة».

ويرى بن عيسى أنه لا توجد وصفة جاهزة للخروج من محنة «التشتت» التي تواجهها بلدان المنطقة المغاربية وقد باتت مهددة بتحديات خطيرة، أمنية واقتصادية وبيئية، تهدد الكيانات الوطنية وسيادتها. وقال إن ذلك يحتم «تنحية خلافاتنا واختلافاتنا جانبا والتحلي بالرشد السياسي، وذلك بالانفتاح على بعضنا بعضا وإزاحة الحدود أينما وجدت، وتكثيف التواصل على سائر الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية»، مبرزا أن بلدان المغرب العربي في وضع أمثل ومشجع، ولم تنشب بينها حروب طاحنة ومدمرة، باستثناء مناوشات محدودة على الحدود هنا وهناك، عادة ما وقفت وراء تحريكها أياد أجنبية.