«رجال الصحراء» فتنوا أهل الساحل في «مهرجانات جبيل»

الطوارق «تيناريوين» يستعملون الغناء بدل الكلاشنيكوف لنصرة قضيتهم

فرقة «تيناريوين» تغني على مرفأ جبيل
TT

ليلة من نوع خاص، تلك التي اختتمت بها «مهرجانات جبيل» لهذا العام، مساء أول من أمس الأربعاء.

بعيدا عن صخب الموسيقى الغربية وشجن الغناء العربي، جاءت فرقة «تيناريوين» الطوارقية من قلب الصحراء إلى مرفأ جبيل لتلتقي شبانا لهم غرام باكتشاف موسيقات إثنية، أو ما بات يعرف باسم «موسيقات العالم». حاملة جائزة «غرامي» العالمية التي حصلت عليها مؤخرا، مكافأة لها على ألبوماتها التي اخترقت القلوب، ومتسلحة بقضية شعبها المطالب بحقوقه والاعتراف باختلافه، غنت الفرقة بلغتها الأم «تماشك» وخلطت معها العربية والفرنسية والإنجليزية. أما الموسيقى فهي موسيقى «الأسوف» الطالعة من الصحراء الأفريقية. أما ما صنع شهرة الفرقة فهو اعتمادها على الغيتارات الكهربائية مع آلة إيقاعية لأداء موسيقاها المحلية، لذلك ثمة من يطلق على موسيقاها اسم «روك الصحراء». هذا الخليط بين الصوفي الروحاني والغربي هو ربما الذي فتح لهؤلاء الصحراويين أبواب المجد العالمية. كانت إدارة المهرجان قد وعدت روادها بليلة ختامية راقصة دون استراحة، وهكذا كان. جاء أعضاء الفرقة، أو ستة منهم، بملابسهم الطوارقية الصحراوية التي تلف أجسادهم ورؤوسهم وأجزاء من وجوههم، لتحميها من قيظ الشمس، فإذا بهم يقعون ضحية حرارة الساحل الليلية ورطوبته الحارقة. اشتكى أعضاء الفرقة من لهيب صيفي لبناني غير معتاد، لكن هذا لم يمنعهم من الانخراط في أداء سخي وعفي، يرافقه رقص وتناغم مع جمهور أحبهم وصفق لهم طويلا، كما شاركهم رقصهم وإيماءاتهم.

لم يكن سهلا على الحضور تمييز كلمات الأغنيات إلا تلك التي تؤدى بكلمات عربية، مع ذلك فالموسيقى هي بيت القصيد. قالت سيدة ألمانية جاءت تحضر العرض: «إن الروح الصوفية لهذه الموسيقى خلابة ومثيرة للاهتمام». في ما قال شاب لبناني جاء مع صديقته «نحن في لبنان قليلا ما نسمع الموسيقى الأفريقية وهذا أمر لا يليق ببلد يقول إنه متعدد ويحب الاختلاف».

أعضاء الفرقة في الأصل هم من مالي، مشاكل الطوارق والحروب دفعت بعضهم للهجرة إلى الجزائر هناك حملوا غيتاراتهم، واستبدلوها بالكلاشنيكوفات التي كانوا يقاتلون بها. لكنهم يقولون إن الموسيقى لغة بديلة للمقاومة وللدفاع عن حقوق شعبهم.

أعضاء الفرقة من الطوارق الذين أجبروا في السبعينات على ترك مالي، واتجهوا إلى دول أفريقية عدة، بعضهم ذهب إلى ليبيا، لقاؤهم كان عسكريا في مخيمات التدريب، ورحلتهم بقيت قتالية، مرة بالسلاح، ومن ثم بأسلوب أكثر حضارية أي بالغيتار.

بالرقص والتصفيق والموسيقى الطالعة من القلب والكلمة النابضة يحاول فريق تيناريوين أن يثبت بأن للطوارق هوية خاصة بهم ولا تشبه غيرها، وأن اضطهادهم هو محض ظلم وافتراء.

«رجال الصحراء» فتنوا على ما يبدو أهل المدن والسواحل والجبال في لبنان. هذه الفرقة التي تأسست في ظل حركة الطوارق الثورية في أوائل الثمانينات، في مخيم عسكري في الصحراء الليبية، تحولت إلى سفيرة فوق العادة لقضية شعبها، في أغنياتهم نفح الصحراء كما في ملابسهم الملونة بألوان الشمس والضوء، واسمهم مستنبط من لغتهم القومية من الصحراء أيضا. واللقاء ما بين الصحراء والبحر في جبيل كان له طعم مختلف وممتع.