طريقة جديدة باستخدام العلاج الجيني لتجديد أنسجة العظام في الجسم البشري

يتم خداع خلايا الجسم لإنتاج فائض من البروتينات المنتجة للعظام

TT

أعلن باحثون في الكلية الملكية للجراحين في آيرلندا، عن تطوير طريقة جديدة لترميم وإصلاح العظام باستخدام مواد بديلة من عظام صناعية، والتي بدمجها مع العلاج الجيني يمكن أن تحاكي نسيج العظام الطبيعية. وهذه الطريقة لها القدرة على إنماء عظام المرضى الذين فقدوا مساحات واسعة من العظام إما بسبب مرض أو ضرر لحق بأنسجة الجسم.

فوفقا لما نشر مؤخرا في 24 يوليو (تموز) الحالي، على الموقع الإلكتروني للكلية الملكية للجراحين في آيرلندا، طور الباحثون مادة سقالة مبتكرة (scaffold)، مصنوعة من بروتين الكولاجين وجسيمات نانوية من الهيدروكسيباتيت (Collagen and nano-sized particles of hydroxypatite)، تعمل بمثابة منصة لجذب أو استقطاب خلايا الجسم نفسه وإصلاح العظام في المنطقة المتضررة، باستخدام العلاج الجيني، حيث يتم خداع خلايا الجسم لإنتاج فائض من البروتينات المنتجة للعظام، والتي تعرف باسم «BMPs»، لتشجيع تجديد نسيج عظام سليم.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه الجسيمات النانوية التي تم توليفها داخل الجسم بهذه الطريقة، ويمكن أن تستخدم هذه الطريقة لتجديد الأنسجة في أماكن أخرى من الجسم.

جدير بالذكر أن الكولاجين (Collagen)، هو عبارة عن مجموعة من البروتينات الموجودة طبيعيا وبوفرة في الثدييات، حيث تشكل نسبة كبيرة تصل لنحو 25 - 35 في المائة من مجمل بروتينات الجسم بأكمله، وهو البروتين الرئيسي في الأنسجة الضامة، وهي أنسجة ليفية أكثر تنوعا بالجسم، ووظيفتها ربط ودعم وحماية الأعضاء المختلفة بالجسم. أما بروتينات (BMPs)، فهي اختصار للأحرف الأولى لعبارة «Bone Morphogenetic Proteins»، وهي بروتينات تشكيل وتخليق العظام، وهي عوامل نمو متعددة الوظائف، تنتمي إلى عائلة عامل النمو المحول بيتا «TGF beta».

وقد جاء هذا البحث نتيجة لمشروع تعاوني بين مجموعة أبحاث هندسة الأنسجة بقيادة البروفيسور فيرجل أوبراين، والدكتور غاري دافي من قسم التشريح بالكلية الملكية للجراحين في آيرلندا، والبروفسور كازوهيسا بيسهو بجامعة كيوتو اليابانية، والدكتور غلين ديكسون بجامعة كوينز بلفاست في آيرلندا الشمالية، والدكتورة كارولين كورتين المؤلف الأول للدراسة والباحثة بعد الدكتوراه في قسم التشريح بالكلية الملكية للجراحين في آيرلندا. ويتكون المشروع من جهود بحثية متعددة التخصصات بين علماء بيولوجيا الخلية والأطباء والمهندسين، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة حديثا في عدد 7 فبراير (شباط) الماضي من مجلة «المواد المتقدمة».

وأوضح البروفسور فيرجيل أوبراين، الباحث والمحقق الرئيسي في هذا المشروع البحثي، أنه «في السابق، أثبت ترقيع العظام الصناعية نجاحا في تعزيز وتشجيع نمو العظام الجديدة، عن طريق خلط مواد السقالة مع بروتينات إنتاج العظام، وهذه البروتينات قد تمت بالفعل الموافقة عليها إكلينيكيا (سريريا) لإصلاح العظام في البشر، لكن هناك مخاوف من أن الجرعات العالية من البروتينات المطلوبة في العلاجات السريرية من المحتمل أن تكون لها آثار جانبية سلبية على المريض، مثل زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان. وتوجد علاجات جينية أخرى تستخدم الأساليب الفيروسية والتي لها مخاطر أيضا». ويضيف أوبراين أنه «من خلال تحفيز الجسم لإنتاج البروتين نفسه المنتج للعظام، باستخدام طرق غير فيروسية، يمكن تجنب هذه الآثار الجانبية السلبية، وتشجيع نمو أنسجة العظام بكفاءة وأمان».

ويقول الفريق البحثي إن إجراءات ترقيع العظام تأتي في المرتبة الثانية بعد عمليات نقل الدم في لائحة المواد المزروعة في جميع أنحاء العالم بواقع 2.2 مليون إجراء يتم سنويا، وبتكلفة تصل إلى 2.5 مليون دولار سنويا. وفي الوقت الحاضر فإن غالبية هذه الإجراءات تتضمن إما زرع عظام مأخوذة من جزء آخر من جسم المريض (الترقيع الذاتي)، أو من متبرع، بيد أن لهذه الإجراءات عددا من المخاطر مثل الالتهابات أو أن العظام لا تنمو بشكل صحيح في المنطقة التي تزرع فيها. ولهذا فإن هناك سوقا كبيرة لمواد ترقيع العظام البديلة مثل السقالات المبتكرة والجديدة التي طورها الفريق البحثي بالكلية الملكية للجراحين في آيرلندا والمتعاونين معهم.

ويضيف الباحثون أنه لكون المواد الحيوية التي تم تطويرها من خلال هذا المشروع لها إمكانية غير مشكوك فيها لإصلاح العظام، من خلال قدرتها على أن تكون بمثابة أفضل بديل لعلاجات ترقيع العظام الحالية، فإن المنصة التي ابتكرها الفريق البحثي لتوصيل الجينات قد تكون لها أيضا إمكانية ملحوظة في تجديد أنسجة أخرى مريضة أو متدهورة في الجسم عند دمجها بجينات علاجية مختلفة. وهذا هو محور تركيز الأبحاث التي تجريها حاليا مجموعة أبحاث هندسة الأنسجة بقيادة البروفيسور أوبراين، والتي لها اهتمام خاص بمجال استخدام المنصات لتوصيل الجينات التي تشجع على تشكيل الأوعية الدموية في تجديد الأنسجة التي تعاني من مخاطر إمدادات الدم، مثل أنسجة جدار القلب، التي تعرضت للتلف أو تضررت إثر نوبة قلبية.

ويذكر أن هذا المشروع البحثي قد تم تمويله من قبل مجلس البحوث الأوروبي في إطار برنامج الاتحاد الأوروبي، وجائزة رئيس آيرلندا للباحث الشاب، والتي تمنحها مؤسسة العلوم في آيرلندا، وهي جائزة مرموقة لتوظيف شباب الباحثين وتتمركز حاليا في جميع أنحاء العالم لإجراء البحوث. وتؤكد الجائزة على الأهمية التي توليها مؤسسة العلوم بآيرلندا للتنمية المبكرة للمهن الأكاديمية، وهي تسلم الجائزة للمهندسين والعلماء المرموقين الذين أظهروا في وقت مبكر من حياتهم الوظيفية قدرات متميزة في الريادة المعرفية، ويتم اختيار الفائزين على أساس الإنجازات الاستثنائية في مجالات العلوم والهندسة التي تعتمد على علوم التكنولوجيا الحيوية (بيوتكنولوجي) وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة، وعلى أساس الخطط الإبداعية البحثية المبنية على العمل الذي يجتذب اهتماما دوليا.