المسرح العربي يتألق في لندن

المسرحيات العربية تشارك في مهرجان لندن الدولي للمسرح

من مسرحية «روميو وجولييت» و«66 دقيقة في دمشق» (تصوير: لوسيان بورجيلي) ومن عرض «ماكبيث» (تصوير: ندى دقدوق)
TT

قدم مهرجان لندن الدولي للمسرح، الذي يعقد كل عام منذ عام 1981 أروع العروض المسرحية من جميع أنحاء العالم على مدار أكثر من أربعة أسابيع كل صيف. وفي نسخته للعام الحالي التي اختتمت الأسبوع الماضي، احتضن المهرجان ثلاث مسرحيات عربية، وإن لم تكن جميعها مؤثرة وفعالة، بشكل يعكس التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن.

ومن بين الثلاث مسرحيات هناك مسرحيتان مترجمتان للكاتب العالمي ويليام شكسبير، علاوة على مسرحية تعتمد بشكل كامل على مشاركة الجمهور. وفي المسرحية الأولى التي تحمل اسم «من العراق»، يستطيع اللندنيون مشاهدة مسرحية رومانسية ميلودرامية تحكي قصة روميو وجولييت، ولكن تم تنقيحها لتحكي قصة حبيبين من طائفتين مختلفتين، حيث تنتمي جولييت للطائفة السنية، في حين ينتمي روميو للطائفة الشيعية، وكان مصيرهما الموت في تلك القصة الكلاسيكية التي تدور أحداثها في العاصمة العراقية بغداد. وقد تم تقديم هذه المسرحية من قبل الشركة العراقية للمسرح. وتمت إعادة كتابة الملحمة الدموية لشكسبير «ماكبيث» لتعكس قصة الرئيس التونسي المخلوع في الآونة الأخيرة زين العابدين بن علي وقرينته ليلى الطرابلسي، التي تمثل الشر الذي كانت تجسده ليدي ماكبيث. وقد شارك اتحاد الفنانين الفرنسيين التونسيين في المهرجان للمرة الثانية من خلال هذا العرض العالمي الأول. وفي النهاية، يتم تقديم مسرحية «66 دقيقة في دمشق» وهي من تأليف الكاتب اللبناني والمخرج المسرحي لوسيان بورجيلي، والتي تأخذ «الجمهور» من الممرات والغرف الرطبة من شوريديتش تاون هول بشرق العاصمة البريطانية لندن لكي يتخيلوا ما يحدث لأي شخص يتم اعتقاله في سوريا اليوم.

وما زال مهرجان لندن الدولي للمسرح يحتفظ بالتاريخ التقليدي والاجتماعي للمسرح الذي يعد منبرا للتعبير عن المظالم السياسية والاجتماعية، حتى وإن كان يتم تقديم ذلك بصورة أكثر انفتاحا. وقال مارك بول، وهو المدير الفني للمهرجان، إن هناك فرقا كبيرا بين المسرح في العالم العربي والمسرح في الأماكن التي سافر إليها، كما أوضح السبب الذي جعل المسرح العربي «مبرمجا» إلى حد كبير.

وقال بول: «قررنا عام 2009 أن يركز المهرجان على منطقتنا. وبدأنا التزاما جادا في عام 2010 للنظر عن كثب في قضايا العالم العربي خلال الثلاث دورات المقبلة. وقد سافرت إلى المنطقة العربية وفوجئت بالنهضة الثقافية، ولا سيما بين جيل الشباب، الذي تمرد على المؤسسات المحافظة والتقليدية. وسيركز نحو 30 في المائة من أعمال المهرجان، حتى 2016 على الأقل، على القضايا القادمة من هناك».

وخلال العام الحالي، تعاون المهرجان مع مهرجان شكسبير العالمي والذي قام هو الآخر بعرض مسرحيتين من العالم العربي. وفي الحقيقة، كانت مسرحية «روميو وجولييت» العراقية بارعة للغاية في الإشارة إلى السنة والشيعة في العراق. وتركز هذه المسرحية على الجمهور العراقي بصورة أكبر، من حيث نوعية الفكاهة المقدمة والتي يكون الجمهور العراقي أكثر دراية بها، ومن خلال الإشارة إلى الأحداث السياسية والدينية واستخدام اللهجة العراقية. ومع ذلك، حظيت هذه الرواية باهتمام كبير من جانب غير العراقيين، لدرجة أن جميع تذاكر المسرحية خلال الأربعة أيام قد نفدت عن آخرها. وتم عرض ترجمة المسرحية من خلال شاشات عرض على جانبي خشبة المسرح – على الرغم من بعض الانتقادات لأن شاشات العرض المخصصة للترجمة لم تكن كافية. وقد ألقت هذه الترجمة الضوء على العقيدة الدينية واختلاطها بالأحداث السياسية المتشددة في العراق. وقد تم عزف الموسيقى التصويرية من خلال إحدى الفرق وقت عرض المسرحية ولم تكن مسجلة من قبل، في إشارة قوية إلى الموسيقى العراقية. وتكمن قيمة هذه المسرحية في الانتشار الذي تحققه والذي تركز من خلاله على ظاهرة الطائفية التي انتشرت بشكل مزرٍ في العراق عقب انسحاب القوات الأميركية.

ومن ناحية أخرى، تمت إعادة كتابة ملحمة شكسبير «ماكبيث» لكي تتناسب مع سياسة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي وقرينته ليلى الطرابلسي. ومع ذلك، لم تكن أحداث المسرحية مقتصرة على تونس وحدها، حيث تساءل الشاعر في المشهد الافتتاحي للمسرحية: «كم ماكبيث لدينا في العالم العربي؟». وتقدم المسرحية الفلسفات السياسية المعاصرة والتي لا توجد بشكل كافٍ في العالم العربي. ويتحدث الناس من زوايا مختلفة: الفوضويون والنشطاء والإسلاميون وغيرهم. وقد احتوى العرض على خليط رائع من الشعر والأغنية والتاريخ، كما أشار النص الجريء والقاسي إلى دائرة الديكتاتورية والاستبداد التي سيطرت على تونس، وعلى كافة أنحاء العالم العربي.

وقال بول: «قمنا بالتعاون مع مهرجان شكسبير العالمي، واشتملت المسرحيات الثلاث التي تم تقديمها على مسرحيتين عربيتين مأخوذتين عن روايتين للكاتب العالمي شكسبير، في حين كانت الثالثة جديدة، وكانت ترجمة إنجليزية لمسرحية هاملت. لقد أردنا أن نشعر بالتنوع الكبير الموجود في لندن، وبالجالية العربية الكبيرة الموجودة هنا. وعلاوة على ذلك، من المهم للغاية بالنسبة لأي منظمة أن تتحدى الأشياء التقليدية الثابتة، وتحدي ما رأيته خلال الفترة بين عامي 2008 و2010 عندما كان هناك عداء كبير وخوف من الإسلام في المملكة المتحدة». وبعيدا عن هاتين المسرحيتين توجد مسرحية «66 دقيقة في دمشق» والتي يلعب فيها الجمهور دورا رئيسيا، حيث يقوم بدور السياح في دمشق خلال الأحداث الجارية هناك والذين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل أجهزة المخابرات السورية التي تعمل في الفندق وتتهمهم بإرسال تقارير إلى إحدى وكالات الإعلام الغربية. وتقوم هذه المسرحية التي تتفاعل مع الجمهور بشكل كبير، بأخذ الجمهور وهو مغطى الرأس إلى حافة تقلهم إلى مكان مجهول ليتم استجوابهم هناك ونقلهم من غرفة إلى أخرى. وفي كل غرفة من تلك الغرف، يواجه السجناء الذين يوجدون هناك منذ فترات مختلفة، ولكل منهم حكايته الخاصة التي تتضح من خلال الحوار معهم. وفي إحدى تلك الغرف، دخلت فتاتان في نقاش عندما حان الوقت لحمل السلاح بدلا من الاحتجاج السلمي. وعلى الرغم من أنه من الواضح أن الجمهور يعلم أنهما جزء من المسرحية، فإن شكل وطريقة وجودهما في تلك الزنازين يعكس شجاعتهما الكبيرة». واستطرد بول قائلا: «الذي تغير الآن مقارنة بعام 2009 هو أن صناع المسرح الشباب قد أصبحوا على استعداد أكبر لاستخدام المسرح بطريقة تعكس التحديات الاجتماعية والسياسية، وللتعبير عن القضايا التي تهم الناس. في الحقيقة، رأيت إقبالا كبيرا على المسرح هنا. وأنا مندهش من حقيقة أن الفنانين الشباب على استعداد للبحث عن سبل وطرق جديدة لتحدي الرقابة».

وفي تعليقه على التطور الذي طرأ على الجمهور في إنجلترا، قال بول: «ثمة تغير ملحوظ على الجمهور هنا في إنجلترا، حيث أصبح هناك حالة تشبع من المعلومات والأخبار، وما إلى ذلك. وفي عام 2010، كان هناك جمهور يشاهد الأعمال، ولكن كان معظمه من العالم العربي، أما الآن فهو مزيج من العرب والإنجليز على حد سواء».