وزير الأوقاف المغربي يحاضر حول الثوابت الدينية للمغرب وجذورها في عمل السلف الصالح

انطلاق الدروس الرمضانية بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس

العاهل المغربي الملك محمد السادس يترأس الدرس الرمضاني الافتتاحي في القصر الملكي («الشرق الأوسط»)
TT

استبعد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أي مبرر شرعي «للخوف على الدين أو التخوف منه» في المغرب، ما دامت تحدده ثوابته الدينية، مشيرا إلى أن حالتي «الخوف والتخوف» تصدران عن شعور سلبي، وهو أمر يستدعي أهمية سؤال الحرية، الذي يدور حول مسألتين؛ تصور لدى الخائفين لما ينبغي أن يكون عليه السلوك الفردي في نظر الدين، واعتقاد عند بعض المتخوفين أن الحل يكمن فيما يسمى «الزمنية»، أي سحب الدين من الساحة العامة.

واعتبر التوفيق أن المغرب هو نوع من المجتمعات الذي لا معنى فيه للزمنية لا رمزيا ولا موضوعيا، مشددا على أن المسألة الأهم هي حضور الدين في استمرارية ترقية المؤسسات وترقية التعليم كما وكيفا. وذكر التوفيق، أن من شروط نجاح هذه السيرورة ألا يكون في الناس من يرفع شعار الإكراه على أساس أن فيه خدمة للدين، وبالمقابل ألا يكون فيهم من يحسب أنه يبني تقاليد الحرية باستفزاز المتدينين «فالإسلام تصور في الحرية يجمع بين البعدين الفردي والجماعي»، موضحا أنه مقام يتوقف على تبني نمط عيش يسهل على الناس العبادة وقيام العدل بجميع أبعاده، إضافة إلى تفعيل وازع القرآن ووازع السلطان.

أفكار أحمد التوفيق جاءت في سياق موضوع اختار له عنوان «الثوابت الدينية للمملكة المغربية وجذورها في عمل السلف الصالح»، وهو الدرس الافتتاحي الذي ألقاه في القصر الملكي بالرباط، ضمن سلسلة «الدروس الرمضانية»، بحضور العاهل المغربي الملك محمد السادس وعلماء ومفكرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي.

وأوضح التوفيق أن الغرض من الدرس هو ذكر الثوابت الدينية للمملكة المغربية وتقريب بعض عناصرها الفكرية لعامة الناس، مشيرا إلى أن المقصود بلفظ الثوابت هو الإطار الذي استقر عليه العمل بالدين، ويستأنس في تأصيل هذا اللفظ بقوله تعالى «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ».

ويرى التوفيق أن وصف هذه الثوابت بـ«الدينية» لا يعني مقابلتها بثوابت أخرى غير دينية، كما لا يعني أنها تقتصر على مجال العبادة بين المؤمن وربه، وإنما يعني أنها تعكس إطارا اجتهاديا للتدين بالمعنى الشامل إيمانا وعملا صالحا.

واعتبر التوفيق أن لفظ السلف ينطبق على المؤسسين الذين صاغوا هذه الثوابت تأصيلا في الكتاب والسنة باجتهاداتهم، حيث وقعت صياغة هذه الثوابت زمنيا بين القرن الأول والقرن الرابع الهجريين، وفي تبنيها إقرارا بجهود الأئمة في بناء العلوم الدينية ورفض اللامذهبية التي تهدف في العصر الحالي إلى زرع الفوضى في مجال الإفتاء، بجراءة أشخاص ليس لهم لا علم الأُول ولا أسبقيتهم ولا ورؤاهم.

وذكر التوفيق الثوابت الدينية على ترتيب ظهورها في التاريخ، والمتمثلة في المذهب المالكي في الفقه وطريقة الجنيد في التصوف والمذهب الأشعري في العقيدة، متحدثا عنها عبر ثلاثة محاور؛ التأصيل أي بيان جذورها في أسئلة بداية حياة الدين، التفاعل والتفعيل أي بين اختيارات المغاربة ثوابتهم وتفاعلها في تاريخهم، التنزيل أي منافسة موقع الثوابت في أسئلة الحاضر.

وقال التوفيق، إن هذه الثوابت ذات وظيفة تأطيرية فهي تؤطر أمرين أساسيين هما العمل والإيمان، مصداقا لقوله تعالى «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا»، موضحا أن عمل الصالحات في العلاقة بالاستخلاف في الأرض في هذه الآية، ينطبق بالخصوص على عمل الأمة وعلى رأسها الدولة في عملها السياسي.

وخلص وزير الأوقاف المغربي، إلى أنه من غير المفيد إعادة الكلام عن الثوابت الدينية إلى طاولة الاختيارات، ولا سيما في الجانب العقدي والمذهبي، لأن ذلك سيعيدها إلى درجة الصفر، أي إلى جذورها في السياسة يوم كانت عاجزة عن حل مشاكل المشروعية والعدل بآليات ذلك الوقت ولغته.

وأكد أن الضرورة تقتضي نوعا من جعل هذه الثوابت ضمن مؤسسات حيث إنه بفضل توجيهات العاهل المغربي تم قطع أشواط في هذا الاتجاه، وذلك بإصدار عدد من الضوابط القانونية التي تهم الشأن الديني. وأضاف الوزير قائلا، إن تقدم البلد لن يتأتى إلا عبر المؤسسات السياسية التي تضمن الشروط المنصوص عليها في كليات الشرع المبنية عليها البيعة.

وفي سياق ذلك، شدد التوفيق، على أن آفاق النموذج المغربي في علاقة الدين بالسياسة يقوم على التوازي بين المؤسسات السياسية والثوابت الدينية، وعلى حماية تلك الثوابت بالدستور وأن ترجمة هذه المعادلة يكون بالتزام الدولة ممثلة في إمارة المؤمنين بجماعة الملة والدين، وفي المقابل التزام الفاعلين السياسيين وجمعيات المجتمع المدني بجميع أطيافهم ومواقعهم بالحياد إزاء الدين، موضحا أن المهمة الأساسية التي تبقى في مواكبة هذه السيرورة التاريخية هي مهمة العلماء في شرح الثوابت شرحا دينيا سياسيا واضحا في ضوء الأثر والتاريخ والمقاصد ومقتضى التنزيل على حال العصر.