رؤية هلال شهر رمضان تثير جدلا سنويا بين المسلمين الهنود

قد يوجد تعارض بين المسؤولين عن الإفتاء فيما يتعلق برؤيتة

التضارب في بداية شهر رمضان يسبب التوتر بين المسلمين الهنود («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت الهند هذا العام، ومثل كل عام، ارتباكا ملحوظا في بداية شهر رمضان المعظم. وعلى الرغم من وضوح وسهولة تعاليم الإسلام في هذا الشأن – رؤية الهلال يعني بداية الشهر الكريم وعدم رؤيته يعني أن شهر شعبان سيتم 30 يوما ثم يبدأ رمضان في اليوم التالي – فإن الأمر كان معقدا بعض الشيء في الهند، فعلى مدار عقود فشل المسلمون بالهند في أن يكون لديهم سلطة مركزية منظمة تدار بشكل جيد لكي تعلن بداية ونهاية شهر رمضان وموعد الاحتفال بعيد الفطر المبارك.

وخلال العام الحالي أيضا، جاءت الأنباء بعد منتصف الليل تفيد بأن لجنة الهلال في مومباي برئاسة المفتي، أزيزور رحمان قالت إن رؤية الهلال لم تكن مؤكدة، وبالتالي سيكون يوم السبت هو المتمم لشهر شعبان، على أن يكون الأحد الموافق الثاني والعشرين من شهر يوليو (تموز) الحالي بداية شهر رمضان. ونتيجة للتأخير في اتخاذ القرار، ظل كثير من المسلمين مستيقظين طوال ليل يوم الجمعة لا يعلمون ما إذا كان يتعين عليهم الصوم في اليوم التالي أم لا.

وفي وقت سابق من مساء يوم الجمعة، أعلن الشيخ سيف عباس ناكفي، رئيس لجنة «تشاند» الشيعية في مدينة لكنو الهندية أنه لم يتم رؤية الهلال، ولذلك سيكون يوم الأحد هو بداية شهر رمضان المعظم. وعلاوة على ذلك، أعلنت لجنة مركزي «تشاند» في مدينتي فرنجي محل، ولكنو في التاسعة مساء أنه لا توجد أي تقارير عن رؤية الهلال في أي مكان، ولذلك سيكون الأحد هو بداية شهر رمضان، ولكن اللجنة غيرت رأيها بعد مرور ساعتين فقط، وأعلنت أنها قد تلقت تقارير عن رؤية الهلال في مناطق مختلفة من البلاد، ولذلك سوف يبدأ رمضان يوم السبت.

ولم يكن من الواضح من الجهة التي قامت برؤية الهلال وأين رأته، ولكن بدأ شهر رمضان المعظم في معظم الولايات الهندية يوم السبت الماضي، أما الذين لم يبدأوا الصوم يوم السبت فمعظمهم ينتمون لجماعات إسلامية مثل «جماعة إدارة الشريعة» في ولاية بيهار، و«لجنة هلال مومباي»، والمفتي المكرم لمسجد فاتح بوري بنيودلهي، و«جماعة الشيعة» في مدينة حيدر آباد.

وبينما تتجه معظم الدول الإسلامية إلى المملكة العربية السعودية أو تعتمد على الحسابات الفلكية لتحديد بداية شهر رمضان الكريم، فإن الهند تعتمد على اللجنة المركزية لرؤية الهلال لتحديد بداية الشهر المعظم. وفي حالة الشك، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».

ومع ذلك، ما زال المسلمون في الهند يتبعون تعاليم المسؤولين عن الإفتاء، الذين ما زالوا يعتمدون على رؤية الهلال بالعين المجردة من خلال اثنين من المسلمين الموثوق بهم. ولا يعتمد المسؤولون عن الإفتاء على ما يصدر من دول مثل المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنهم يتقبلون في بعض الأحيان ما يصدر عن لجنة رؤية الهلال الباكستانية.

وعلاوة على ذلك، توجد لجنة لرؤية الهلال في كل مدينة من المدن الهندية، يترأسها مفتٍ أو إمام الجامع الأكبر في المدينة، كما توجد لجنة مركزية لرؤية الهلال في مدينة نيودلهي، وهي التي تحدد بداية شهر رمضان بعد التأكد من رواية الأشخاص الذين يقولون إنهم شاهدوا الهلال.

وفي بعض الأحيان يكون هناك تعارض بين المسؤولين عن الإفتاء فيما يتعلق برؤية الهلال، ولذا قد نجد بعض التقارير التي تشير إلى انتهاء شهر رمضان، وحلول عيد الفطر في الوقت الذي تشير فيه تقارير أخرى إلى أن رمضان لم ينته بعد، وما زال هناك يوم آخر للصيام. وفي الغالب يحاول المسؤولون عن الإفتاء التوصل إلى إجماع حتى يتم تجنب هذا التعارض الذي يثير حالة من الاستياء بين المسلمين.

أما بالنسبة للعرب الذين يعيشون في الهند فإنهم يتبعون ما تعلن عنه المملكة العربية السعودية. وفي نيودلهي، هناك مسجد خاص للعرب في منطقة مستعمرة الدفاع الراقية، كما يوجد مسجد في السفارة السودانية بالهند يتم الاحتفال فيه بعيد الفطر المبارك قبل يوم أو يومين من انتهاء شهر رمضان في الهند.

وقال سيد طارق بخاري، وهو عضو اللجنة الاستشارية للمسجد الجامع بدلهي، الذي يعود للقرن السادس عشر: «تتبع المساجد في ولاية كيرالا الهندية الجنوبية ما تعلن عنه المملكة العربية السعودية لأنها على علاقة وثيقة بالشرق الأوسط، أما المقيمون في ولايتي جامو وكشمير في الشمال فيسيرون وفقا لما يحدث في باكستان لأنهم أقرب إليها من الناحية الجغرافية».

وفي الحقيقة، يؤدي التضارب في بداية شهر رمضان وحلول عيد الفطر في نفس المدينة مزيدا من التوتر بين المسلمين، وهو ما دفع صهيل كازي، الذي يعيش في مومباي إلى أن يتساءل على «تويتر»: «ماذا أفعل؟ أستمر في الصوم أو أفعل مثل الآخرين؟ إنني أكره ذلك، وكل عام تعترض بعض الجماعات على ما تعلن عنه الجماعات الأخرى».

كانت هناك ثمة محاولات لاستخدام الحساب والتقويم لإزالة الشكوك حول حالة الارتباك التي تحيط برؤية هلال رمضان في كل عام. وفي العام الحالي، أعلن الدكتور قالبي صادق، نائب رئيس مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند والداعية الإسلامي البارز، أن الأول من شهر رمضان سيوافق يوم السبت 21 يوليو (تموز) الحالي، بينما سيتم الاحتفال بعيد الفطر يوم 20 أغسطس (آب) المقبل.

يدافع صادق منذ عدة سنوات عن استخدام الوسائل العلمية الحديثة، حيث قال منذ ثلاث سنوات: «اليوم، وبعد أن تقدم العلم بصورة كبيرة، فإن أقل ما يمكننا القيام به هو الاعتماد على الحقائق الفلكية للتأكد من تاريخ مولد القمر الجديد قبل حدوثه بوقت طويل، وهو الأمر الذي من شأنه عدم التسبب في حالة الارتباك التي تحدث غالبا جراء رؤية الهلال في إحدى المدن وعدم التمكن من رؤيته في مدن أخرى».

يقول عبد الشكور، من لجنة التقويم الهجري في الهند: «لا يستطيع المرء رؤية الهلال في أول ليلة لمولد القمر الجديد، حيث لا يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة إلا بعد غروب شمس اليوم الأول من الشهر القمري الجديد. ولذا، يخطئ الأشخاص الذين يقررون أن الشهر القمري الجديد لن يبدأ إلا بعد رؤية الهلال، حيث إنهم بذلك سيقومون بصورة خاطئة باعتبار اليوم الثاني من الشهر القمري على أنه اليوم الأول، حيث يعتبرون ظهور القمر بمثابة الإعلان الرسمي عن بداية الشهر القمري، وأن اليوم التالي هو اليوم الأول في الشهر، بينما من المستحيل علميا رؤية القمر الجديد في الليلة السابقة لليوم الأول في الشهر».

وأضاف عبد الشكور أنه من «غير المنطقي الذهاب للبحث عن الهلال في يوم واحد فقط من كل شهر، وبدلا من ذلك، ينبغي تبني المنهج العلمي الذي يقوم بحساب كل مراحل تطور القمر على أساس منتظم». تتحدى «لجنة التقويم الهجري في الهند» تلك المنظمات التي تدعي رؤية الهلال في الوقت الذي يكون فيه من المستحيل علميا القيام بذلك.

وبينما تتزايد حالة الإحباط حول تأخر الإعلان عن بداية شهر رمضان، والاختلافات الموجودة بين المنظمات الإسلامية المختلفة، سوف يتحول كثيرون إلى تبني المزيد من الطرق العلمية في تحديد بداية ونهاية شهر رمضان. ولكن العلماء الذين يترأسون لجان استطلاع الهلال في الهند يمتلكون الحق في إصدار الكلمة الأخيرة في المساجد التي يديرونها، والتي تقوم بتنظيم صلاة التراويح والعيد، ويجبرون الجميع على اتباع تصريحاتهم، حتى وإن كانت غير ذات معنى.

وتكرر حدوث نفس الحالة من الفوضى والارتباك التي تقع كل عام في شتى المناطق الهندية حول الإعلان عن بداية ونهاية شهر الصيام.