«حقوق الإنسان» تطالب بإعادة النظر في عقوبة السجن في الديون التعاقدية

الجمعية مع إقرار نظام خاص بالمعسرين

TT

طالبت جمعية حقوق الإنسان السعودية الجهات المختصة بإعادة النظر في إقرار نظم السجن بحق الأشخاص المطالبين بحقوق خاصة، مؤكدة وجود اتفاقية دولية تشير إلى عدم إقرار عقوبة السجن في الديون التعاقدية «الدين الخاص».

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة بوجود ما يزيد على 5 آلاف سجين لا تزال قضاياهم منظورة في المحكمة الشرعية في جدة، ووجود ما يقرب من ألفين وثمانمائة سجين على ذمة قضايا ديون متعثرة.

وبين الدكتور مفلح القحطاني، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن المطالب بحق خاص يفترض الحجز على أمواله، وليس على بدنه، مبينا أن سجنهم وبقاءهم في السجون لفترات طويلة، إلى جانب عرضهم على القاضي بين الحين والآخر، للنظر في إثبات إعسارهم من عدمه، ليس فيه مصلحة الدائن ولا المدين، ولا حتى الدولة التي تحظى برعايتهم، ومتابعة أحوالهم في السجون.

ولفت القحطاني إلى ضرورة تطبيق نظام واضح، بحق هؤلاء الأشخاص المعسرين، معتبرا بيع أملاكه في حال التثبت من ذلك يكفي لسداد دينه، أما في حالة عدم وجود أملاك له، فيجب العودة إلى القاعدة الشرعية التي تقول «فنظرة إلى ميسرة»، وتركه حرا دون سجنه، ليعمل ويسترزق من أجل أن يسدد دينه.

وأشار رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى الأضرار والآثار السلبية المترتبة على سجن الأشخاص المطالبين بحقوق خاصة، والذي يترتب عليه فصلهم من عملهم، وضياع مستقبلهم، ومستقبل أسرهم، مبينا أن سبب سجنهم ليس بسبب انحراف خلقي أو سلوك إجرامي، ولكن السبب وراء سجنهم هو إعسارهم. واستغرب الدكتور مفلح القحطاني من مقولة بعض الأشخاص التي تؤكد أن عدم سجن المطالبين بالحقوق الخاصة يساعد في ضياع الحقوق، مبينا أن هناك نوعين من الأشخاص المدينين، منهم المدين بحسن نية، ومنهم من يتلاعب بأموال الناس، مشيرا إلى ضرورة التفرقة بين النوعين، وتطبيق العقوبة بالشكل الصحيح.

وأشار القحطاني إلى أن جمعية حقوق الإنسان تتفق مع السلطات في إقرار العقوبة الجنائية على من يماطل في السداد ويستغل أموال الناس، ويدخل في مساهمات مشبوهة، ومن ثم يعمل على ضياع أموال الناس، إلا أنها تطالب بإقرار نظام خاص بالمعسرين، وعدم سجنهم، ومعرفة ما لديهم من أملاك والعمل على بيعها، لسداد الديون، وفي حال عدم وجود أملاك فنظرة إلى ميسرة، كما تقول القاعدة الشرعية، ويتم تركه يعمل لكي يسدد دينه.

وقال الدكتور مفلح «بالنظر في الشريعة الإسلامية، نجد أن النظرة إلى ميسرة هي القاعدة، وأن السجن مفسدة»، وطالب «بإعادة النظر في سجن المطالبين بالحقوق الخاصة، خاصة من التزم بسداد ديونه، بأن يعطى مدة خارج السجن للعمل والترزق لسداد دينه، وهذا إذا ما صدر نظام يحدد متى يسجن أصحاب الحقوق الخاصة ومتى لا يسجنون».

ومن جهته، اعتبر الدكتور عبد الرحمن العطوي، عضو مجلس الشورى، عقوبة السجن من العقوبات السالبة للحرية والمقيدة لها، والتي تنتج عنها آثار نفسية وتربوية واجتماعية واقتصادية وأمنية، لا تنحصر أو تتوقف على من تطبق عليه، بل تشمل آخرين، ربما الضرر الواقع عليهم أشد بكثير من الضرر الذي يقع على من تطبق بحقه. واستدرك بالقول «للأسف يبقى عار هذه العقوبة وتبعات آثارها زمنا طويلا، حتى تنسى أو تمحى من سجلات السوابق الأمنية، مما يؤكد على ضرورة إعادة النظر في صلاحية ومناسبة استخدامها عقوبة رادعة، أو آلية إصلاح مناسبة، في ظل أوضاع السجون ونوعيات الجرائم والموقوفين والمسجونين».

ويرى العطوي أن وزارة العدل أحسنت صنعا بتبني مشروع نظام العقوبات البديلة للسجن والجلد، تقديرا منها للضرر المتعدي لعقوبة السجن وعدم جدواها، كعقاب إصلاحي لبعض أنواع الجرائم والجنح والمخالفات.

وأوضح الدكتور عبد الرحمن أن مشروع النظام المكون من 33 مادة في طريقه إلى مجلس الشورى بعد دراسته من قبل هيئة الخبراء، وتحديد موقف مجلس الوزراء حياله، مبينا أن هذا النظام من أهم الأنظمة العدلية التي سوف تظهر عدالة الشريعة الإسلامية وسماحتها، ومراعاتها لحال مرتكب الجريمة أو الجنحة أو المخالفة، ومراعاتها أيضا حال من وقعت ضده تلك الأمور.

واعتبر الدكتور العطوي حالات السجن بسبب الديون القليلة والكثيرة أو المستحقات المالية، عقوبة أو استظهارا لحالة المطالب بالحقوق المالية، من أكثر الحالات التي تحتاج إلى نظر عاجل لمعالجتها، خصوصا أن الأنظمة المعمول بها لا تمنع من الاستبدال بعقوبة السجن في بعض الحالات. وأشار عضو مجلس الشورى إلى اجتهادات بعض أصحاب الفضيلة القضاة، واستخدام مبدأ العقوبة البديلة، وأن اجتهادهم كان محل قبول من الكثير من المهتمين بهذا الأمر. وتمنى الدكتور عبد الرحمن العطوي أن تبادر وزارة العدل بالتوجيه بذلك، خاصة في عقوبة بعض القضايا البسيطة، وبعض المطالبات المالية القليلة، إلى حين صدور نظام العقوبات البديلة.

من جهته، قال الشيخ السيد عبد الله فدعق، المفكر الإسلامي، إن الله تعالي قال «وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة»، وهذه الآية تفيد وجوب النظر إلى المعسر، بمعنى إمهاله، حتى ييسر الله سبحانه وتعالى عليه، فإذا ثبت إعساره لا تجوز مطالبته بالدين. واعتبر فدعق السجون مكانا خاصا بالمنحرفين، وليس بالمعسرين، فالسجن فرض للمجرمين والإرهابيين، وتجار المخدرات، والنصابين، مشيرا إلى ضرورة التفريق بين المعسر وهذه الفئات.

واعتبر وجود المطالبين بالحقوق الخاصة داخل السجون يحمل الكثير من الضرر، على مستوى عمله وحياته الشخصية، إلى جانب الضرر على مستوى أسرته، خاصة إذا كان المسجون أبا وله أبناء، وكل ذنبه أنه معسر. وبين أن هناك اتفاقية دولية وقعت عليها السعودية بعدم سجن شخص ثبت إعساره، مطالبا الجهات المختصة وكل المعنيين بمصلحة هذا الوطن بوضع نظام يراعي عدم انتهاك حقوق الإنسان، وسلب حريته، من أجل دين مستحق عليه، مع ضرورة وضع الآليات اللازمة لتنفيذه وضمان كفاءته وتحقيق فوائده على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.

يشار إلى أن المملكة العربية صادقت على عدد من الاتفاقيات الدولية، التي تؤكد على حق الإنسان في عدم احتجازه وحرمانه من حريته حال ثبوت إعساره، وعلى رأسها الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان، خاصة الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1948، والميثاق العربي لحقوق الإنسان المعتمد من القمة العربية في تونس 2004، كما صادقت المملكة على إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر في 1990.