ذكريات كيكي «الكوافيرة» صاحبة الميدالية الفضية في دورة مكسيكو

كانت أول فرنسية تحمل علم بلادها في حفل افتتاح دورة أولمبية

«كيكي» تشارك في إيقاد شعلة دورة بكين عام 2008
TT

عندما هبطت الشعلة الأولمبية في لندن، استعدادا لانطلاق الدورة الأولمبية الجديدة، كانت مصففة الشعر الفرنسية كريستين كارون (64 عاما) تفتح ألبومات صورها القديمة وترمق الرف الذي تستقر عليه كؤوسها وميدالياتها التي فازت بها يوم كانت بطلة محلية وأولمبية في سباحة المسافات القصيرة على الظهر. لكن أهم ما تتباهى به البطلة المعتزلة هو أنها كانت أول امرأة تحمل العلم الفرنسي وتسير في مقدمة وفد بلدها الأولمبي في الدورة التي جرت في المكسيك، عام 1968. وقد حصلت على ذلك التكريم بعد أن كانت قد فازت بميدالية فضية في دورة سابقة.

كريستين، الشهيرة بـ«كيكي»، اعتزلت المباريات وافتتحت صالونا لتصفيف الشعر في بلدة «لابانوز»، جنوب فرنسا، وما زالت تديره وتعمل فيه منذ 34 عاما. إنها اليوم جدة عاملة سعيدة وما زالت تحافظ على لياقتها وحسن مظهرها. أما زبوناتها، فإنهن يعتبرن التردد على صالونها نوعا من التسلية والمتعة، مثل الذهاب إلى المسرح، لأنها تجيد الاستقبال والإصغاء ولها نصائح مفيدة وحكايات تبعث على التفاؤل والسرور.

عرف الفرنسيون كيكي كارون يوم كانت سمكة رشيقة ذات شعر داكن قصير، تنزلق في المسابح وتعوم على ظهرها وتخطف الميداليات من رفيقاتها. لقد حصلت على بطولة فرنسا في السباحة على الظهر 29 مرة. كما حققت، عام 1966، رقما قياسيا عالميا في سباحة 100 متر على الظهر، إضافة إلى بطولات أوروبية. وفي دورة بكين، وقع عليها الاختيار لتكون واحدة من الرياضيين الذين أوقدوا الشعلة الأولمبية.

قبل أن تستقر في مهنتها الأخيرة، جربت كيكي أعمالا كثيرة، فقد احترفت الفن والغناء، لفترة قصيرة، كما حصلت على أدوار سينمائية؛ أبرزها ظهورها في فيلم «المسبح» للمخرج جاك دوراي، أواسط ستينات القرن الماضي، مع النجمين ألان ديلون ورومي شنايدر، وفي فيلم «زنبقة البحر»، بل وجربت قيادة السيارات السريعة وشاركت في عدد من سباقاتها وقادت سيارة في «رالي باريس - داكار». وقد منحت اسمها لعلامة تجارية تنتج حمامات السباحة المنزلية كما عملت في تسويق كابينات حمامات البخار «الساونا». ومع اقترابها من عامها الستين أصدرت مذكراتها التي حملت اسم «كيكي بقلم كريستين كارون». وقد كتب المغني جوني هاليداي مقدمة الكتاب. ماذا روت السباحة السابقة، الكوافيرة حاليا، عن الدورة التي أصبحت فيها بطلة أولمبية؟

«نزلنا من الطائرة في العاصمة المكسيكية نيو مكسيكو، تحت شمس ساطعة. وتدربنا في ظروف ممتازة، وكل منا يحلم بأن لا يعود إلى بلاده خائبا. لقد كانت الأجواء تشبه مهرجانا شبابيا صاخبا والفرق الفنية تعزف على الغيتارات في أرجاء الملاعب، والكل سعيد بالمشاركة، رغم الضغوط النفسية وتأثير ارتفاع المدينة على بعض اللاعبين. أما أنا، فكنت أعرف أنها المرة الأخيرة التي سأدخل فيها ملعبا أولمبيا بصفة لاعبة متسابقة. ولم يكن عمري يزيد على العشرين، لكنني أدركت أنني مضيت إلى نهاية الشوط وأعطيت كل ما يمكنني إعطاؤه. لقد تمتعت بالبطولات والأسفار والدوران حول العالم، وحان الوقت لبدء حياة مختلفة. كانت الأحلام تزدحم في رأسي وأتمنى العمل عارضة أزياء أو مغنية أو ممثلة. وقد كانت الشهرة التي حققتها في المسابح الأولمبية قد فتحت لي أبواب تحقيق بقية الأحلام.

جاء ختام حياتي الأولمبية رائعا عندما حملت راية بلادي في الاستعراض الذي تقوم به الوفود في حفل الافتتاح، وهو شرف يمنح للمرة الأولى لفرنسية، ولعل لجنتنا الأولمبية كانت تحت تأثير انتفاضة الشباب الشهيرة في ذلك الربيع، وأراد أعضاؤها تأدية التحية للحركة النسوية التي كانت فاعلة في الانتفاضة. لكنني لم أكن الرائدة الوحيدة؛ ففي دورة مكسيكو أوكلت مهمة حمل الشعلة الأولمبية إلى العداءة المكسيكية نورما أنريكيستا بازيليو، وهي مهمة لم توكل لامرأة من قبل.

نهار 17 أكتوبر (تشرين الأول) كنت في الملعب أتابع سباقات الساحة والميدان، وكان كل شيء يسير على ما يرام، والمدرجات مليئة بالمتفرجين والشمس حاضرة، دون أن يتوقع أي منا أنه سيكون شاهدا على حدث تاريخي نادر. فبعد سباق الجري لمسافة 200 متر، توجه الفائزون الثلاثة إلى المنصة لتسلم ميدالياتهم. وعندها، أثناء عزف النشيد الوطني الأميركي، رأيت اللاعبين جون كارلوس (ميدالية ذهبية) وتومي سميث (ميدالية برونزية) يرفعان قبضتيهما بقفازين أسودين. وتلفت حولي فوجدت ردود الفعل متباينة.. فقد كان هناك من يصفق وكان هناك من التزم الوجوم. وعلى الفور، عادت بي الذاكرة إلى رحلتي إلى جنوب أفريقيا واكتشافي بشاعة التمييز العنصري.. كنت في السادسة عشرة، لكن صورة الأطفال البيض الجالسين على المصطبة بينما تجلس المربيات السوداوات تحت أقدامهم، كانت صورة لا تنسى. لقد فهمت على الفور المغزى الرمزي للقبضتين السوداوين، لكنني لم أدرك أهميتهما. وبعد أيام قلائل عرفنا أن جون كارلوس وتومي سميث قد شطبا من الألعاب الأولمبية، بشكل نهائي، ومن كل مباريات المستوى العالي. لقد كانت تلك مجرد المقدمة.