فوضى «الألقاب العلمية».. أصابع الاتهام تشير إلى الإعلام

«خبير.. ناشط.. مستشار».. ألقاب يروجها المزيفون

تبعات الألقاب للمتحدثين تلقى على عاتق الإعلام («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن المتهم الأول في الترويج لصفات ومسميات اعتبارية، كـ«الناشط والمستشار والخبير» هو الإعلام، غير أن نفي التهمة أو إلصاقها بالإعلام يعتمد على صاحب المبادرة في إطلاق الاسم، الأمر الذي أثار جدلا بين الإعلاميين والحقوقيين على أحقية وجدوى إطلاق تلك الصفات على شخصيات لا تحمل في الغالب ما يثبت حصولها على اللقب، في ظل غياب جهات تمنح هذه المسميات. غير أن الإعلاميين دافعوا عن أنفسهم، مؤكدين أن استقاء هذه المسميات يرجع للشخصيات ذاتها، وأن استخدامها بعد أن يصرح بها صاحب اللقب لا يعتبر خطأ، مبينين أن الإعلام قد يسهم في تكريس هذه الصفات، إلا أنه «ليس صاحب المبادرة في إطلاقها».

وأوضح أحمد الفهيد مدير تحرير جريدة «الحياة»، أن حدوث ذلك «خطأ مهني فادح»، موضحا أن استخدام تلك المسميات، يأتي وفقا لخبرات هؤلاء الأشخاص في مجالات مختلفة.

من جانبها، بينت سميرة الغامدي رئيسة مجلس إدارة جمعية حماية الأسرة، أنها لم تطلق على نفسها لقب ناشطة حقوقية، ملقية باللوم على الإعلاميين الذين منحوها لقب ناشطة حقوقية.

وقالت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «في كل مرة يتواصل معي الإعلاميون كمصدر لأحد مواضيعهم، أؤكد لهم أني أفضل استخدام المسمى الوظيفي أو الأكاديمي، إلا أني أفاجأ في كل مرة بمسمى ناشطة حقوقية».

واتهمت الغامدي الإعلام بتضخيم بعض المسميات من دون التأكد من حقيقة المسمى والجهة المانحة له، وطالبت بتحري الدقة في إطلاق المسميات، تجنبا لإلحاق الضرر بالمجتمع، واصفة الإطلاق العشوائي لهذه المسميات بـ«التضليل الإعلامي».

وفي المقابل تعتقد روضة اليوسف أنها تستحق لقب ناشطة توعوية، باعتبارها تمتلك مؤسسة خاصة بتنظيم فعاليات توعوية، إلى جانب تبنيها للعديد من القضايا التي تهم المرأة السعودية، خاصة بعد إطلاقها لحملة «ولي أمري أدرى بأمري» منذ أكثر من عام، والتي على أثرها منحت هذا اللقب، مبرئة وسائل الإعلام من إطلاق اللقب عليها، معتبرة أن هذه أسباب كافية لمنحها لقب ناشطة.

وفي ذات السياق، بين الدكتور مفلح القحطاني رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أن المؤسسات الإعلامية هي المسؤول الأول عن نشر هذه الألقاب لأنهم لا يتأكدون من مصداقيتها قبل النشر، طالبا منهم تحري الدقة والمصداقية، معتبرا ما يحدث «نوعا من ترويج المعلومات الزائفة».

وزاد «لا بد أن يكون لدى المؤسسات الإعلامية قبل أن يكون لدى الصحافيين أدوات للتحقق من مطابقة المسمى للشخص المتحدث».

من جهته، أوضح الكاتب عبد الله فراج الشريف أن المجتمعات الأقل تحضرا لا تهتم بتوثيق الشهادات، لافتا إلى أن ذلك الأمر من شأنه أن يؤثر على المجتمع ويسمح بنشر الخديعة وتضليل الأفراد الذين يثقون بتلك الشخصيات المزيفة.

وفي الوقت الذي كثر فيه إطلاق المسميات، علماء الدين والمشايخ، أكد الشريف على أن من يطلقون على أنفسهم خبراء في الرقية الشرعية وحائزين على تصنيف عالمي في هذا المجال، يدخل ذلك ضمن التزييف، مؤكدا على أن الرقية الشرعية لا تحتاج لخبير، وهو ما يبدو واضحا في إمكانية أن يرقي الشخص نفسه، واصفا ما وصلنا إليه من منح الألقاب بـ«الأمر المؤسف أن يصبح للخرافة لقب وتصنيف!».

وبين أن العلماء والسلف سابقا كانوا لا يتفاخرون بعلمهم، وقال «في الماضي كان العلماء إذا سئلوا عن علمهم يردون بـ(أقول رأيي وأنا أقل أهل العلم علما)، فلا يفاخر بأنه أعلاهم درجة، في حين أصبح لكل فرد خبير ومستشار».

من ناحيتها، وصفت الغامدي الاستخدام المفرط للألقاب بأنه «مسرحية هزلية» في محاولة من البعض لخلق نوع من الشهرة لأنفسهم، مؤكدة على أن استخدام هذه الألقاب لا يقف ضرره على مستخدمه، بل يتجاوزه إلى حد الإساءة للغير، مطالبة هؤلاء الأشخاص أن يكتفوا بالتعبير عن آرائهم، من دون الدخول في متاهة مستشار وخبير، مضيفة أن هذه المسميات عبء كبير على حاملها.

من جهته، دافع الفهيد عن مهنته التي اعتبرها غير مسؤولة عن إضفاء هذه الصفات على الأشخاص سواء كانوا يستحقونها أو لا يستحقونها، مؤكدا أن الإعلاميين يستقون هذه المسميات من الأشخاص أنفسهم. ورد الفهيد على من يطالبون بضرورة التأكد من المسميات قبل إطلاقها قائلا «الإعلام ليس من دوره البحث في تاريخ الأشخاص».

من جانب آخر، طالب حقوقيون ومفكرون بضرورة إنشاء هيئة خاصة تتعقب حقيقة الألقاب والمسميات التي يطلقها الأشخاص على أنفسهم، بهدف التأكد من مصداقيتها وأحقيتهم بها، وبين الشريف أن عدم وجود من يتعقب هؤلاء يساعد على الاستمرار في تزييف الحقائق ونشر الغش والخداع.

وأشار إلى أن وجود النقابات والجمعيات لأصحاب التخصصات المختلفة مهم جدا، لافتا إلى أن هذا الأمر موجود في الغرب وبعض الدول العربية، حيث يوجد نقابات لأصحاب المهن المختلفة، تعتبر مرجعية في موضوع الخبرة، بحسب معايير تضعها النقابة، مؤكدا أن هناك من يقضي في عمله قرابة ثلاثين عاما ويؤدي أداء روتينيا، الأمر الذي لا يمنحه لقب خبير.

يأتي كل ذلك في وقت يعتبر فيه إطلاق الألقاب، أمرا منوطا بالشخص نفسه، وهو ما أكده القحطاني قائلا «مثل هذا الأمر يحتاج إلى التزامات من قبل الأشخاص أنفسهم، بألا يطلقوا على أنفسهم ألقابا غير مؤهلين لحملها، حتى لا يحملوا أنفسهم مسؤوليات قد لا يستطيعون القيام بها».