دراسة مصرفية: التعثر ومشاكل السيولة وراء بيع البنوك المصرية

قالت إن فوائض النفط وأحداث 11 سبتمبر وراء جذب العرب والأجانب للبنوك المصرية

TT

وصفت دراسة مصرفية مصرية عمليات بيع البنوك المصرية التي تمت في السنوات الأخيرة، بأنها استعمار اقتصادي وسط ضبابية وصمت من قبل المسؤولين.

وتؤكد الدراسة التي أعدها الباحث المصرفي أحمد آدم أن الاقتصاد المصري قد شهد بدءا من منتصف تسعينات القرن الماضي حالة من التباطؤ في معدلات نمو السيولة المحلية لأسباب متعددة، أهمها خروج أموال من الداخل للخارج عن طريق خروج رجال أعمال مصريين تاركين وراءهم مديونيات كبيرة للبنوك، وكذلك دخول الأموال الحمراء للبورصة المصرية وخرجت بمكاسب طائلة، تاركة وراءها المتعاملين المحليين يعانون خسائرهم حتى اليوم. هذا بخلاف استثمارات كبيرة بمشاريع ضخمة لم تدر العوائد الواجبة أو المخطط لها ولفترة طويلة ما زالت بعضها لم تدر هذه العوائد حتى الآن، وأهمها مشروع توشكى.

وأدت حالة تباطؤ معدلات نمو السيولة المحلية التي كشفت عنها الدراسة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إلى كساد بالأسواق وجد معه التجار صعوبة في سداد التزاماتهم المالية، ثم ما لبث أن تحول الأمر لظاهرة عامة أدت في النهاية لحالة التعثر التي شهدها القطاع المصرفي المصري في بداية القرن الحالي والتي ما زال ملفها مفتوحا حتى الآن.

وقد تأثرت البنوك كثيرا بأزمة التعثر وبشكل أثر على كل أنشطتها المصرفية، فنتيجة لتباطؤ معدلات نمو السيولة اشتدت المنافسة بين البنوك على اجتذاب الودائع، فارتفعت أسعار فائدتها آنذاك، علاوة على ذلك ساهمت أزمة السيولة في حساسية مفرطة عند سحب ودائع بكميات كبيرة من البنوك لأي غرض، سواء لشراء البنوك لأذون خزانة مطروحة بأسعار جيدة، أو لشراء سندات خزانة أو أسهم بأسعار جيدة، أو لشراء سندات خزانة أو أسهم بأسعار مشجعة بالبورصة، وهو ما كان يؤدي وبسرعة لارتفاع في أسعار فائدة الإنتربنك (الودائع المتداولة بين البنوك بعضها وبعض) ووصلت في بعض الأحيان إلى 18 في المائة، وهو ما أدى لارتفاع تكلفة الودائع بجميع البنوك. وقد ارتفعت تكلفة الودائع، فمن الطبيعي أن تقوم البنوك برفع سعر الفائدة على القروض والتسهيلات الائتمانية للعمل على الحفاظ على استقرار هامش العوائد فيما بين العائدين الدائن والمدين لمحاولة الحفاظ على مجمل أرباحها.

وقالت دراسة آدم إن أزمة السيولة وانخفاض معدل التدفقات النقدية في السوق خلقا صعوبة في سداد التزامات العملاء للبنوك، وبدأت الديون غير الجيدة في الظهور، وهو ما بدأت معه البنوك في التحوط بزيادة تكوين المخصصات العامة، وكذا المحددة للقروض، وهو ما أثر سلبا على صافي أرباحها.

وتشير الدراسة إلى أنه من الطبيعي في ظل أزمة السيولة أن يحدث نوع من الانخفاض والتدني في معدل التعاملات اليومية لعملاء البنوك من سحب وإيداع واستخدام حدود ائتمانية وتحصيل شيكات وكمبيالات، وهو ما أدى لانخفاض عائد الخدمات المصرفية بأغلب بنوك مصر، وأثر ذلك أيضا سلبا على ناتج أعمال البنوك.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تحولت القروض إلى طويلة الأجل بسبب عدم سداد العملاء الفوائد والأقساط المستحقة لهذه القروض، وهو ما أدى لفجوة رهيبة فيما بين الأصول والخصوم، وبدأ تدشين أزمة التعثر إعلاميا وبشكل أساء للمصرفيين، فتوقف رؤساء البنوك عن منح القروض، وكذا عن عقد التسويات الائتمانية حتى مع العملاء الجادين، وهو ما دفع البنك المركزي المصري لتغيير قيادات البنوك وإحلال قيادات جديدة بغرض عقد تسويات جادة لإصلاح الفجوة فيما بين الأصول والخصوم والحفاظ على حقوق المودعين، إلا أن اختيار هذه القيادات قد جانبه الصواب آنذاك ولم ينجح منهم إلا عدد قليل جدا، وبات الأمر يشكل كارثة حقيقية، فأموال المودعين باتت تواجه خطورة كبيرة في ظل التعثر وعدم قدرة البنوك على تحقيق إيرادات لتكوين مخصصات كافية.

وقالت الدراسة إنه للظروف السابقة قام رئيس الحكومة وقتها، الدكتور عاطف عبيد، بتطوير قانون البنوك وإصدار قانون جديد للحد من إمكانية تكرار أزمة التعثر، وتضمن القانون المادة 32 التي جعلت الحد الأدنى لرأسمال أي بنك يعمل في مصر لا يقل عن 500 مليون جنيه (82.6 مليون دولار)، ولم يكن هناك أي بنك مصري وصل رأسماله لهذا الحد وقت مناقشة القانون لإقراره بمجلس الشعب سوى البنك التجاري الدولي (CIB) وكان رأسماله آنذاك 650 مليون جنيه.

كما كان عدد كبير من البنوك لا يوزع أرباحا على المساهمين، وتقوم أغلب البنوك بتحويل مجمل أرباحها إلى مخصصات للقروض، وبالتالي فرفع رؤوس أموال البنوك عن طريق طرح مباشر لأسهم الزيادة في رأس المال بالبورصة لم يكن ليتم بنجاح لعدم قدرة أغلب بنوك مصر على حث مساهميها على الاكتتاب في زيادة رأس المال في ضوء توقفها عن توزيع أرباح.

وانتهت المهلة التي حددها البنك المركزي المصري للبنوك لتوفيق أوضاعها طبقا للقانون الجديد وترفع رأسمالها للحد الأدنى، وهو ما لم تفعله أغلب البنوك، وكان قرار الدمج الحل الوحيد المتوفر أمام البنوك لتوفيق الأوضاع، إلا أن فشل كل حالات الدمج التي تمت بمصر، وكذا بالوطن العربي، كان سببا في التراجع عن هذا الحل، خصوصا بعد إعلان بعض الدراسات أن هناك احتمالات مؤكدة بأن إتمام الاندماجات المخطط لها ستنشأ عنه كيانات هشة أكثر سوءا، وبات الوضع في ظل هذه الظروف أكثر كارثية.

وظهرت الأمور وقتها أن ترك الوضع على حاله سيكون أمرا واقعا على الرغم من أن غض الطرف عن مخالفة البنوك للمادة 32 من القانون الجديد سيفقد البنك المركزي المصري مصداقيته أمام الرأي العام. والواقع يؤكد أنه، حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، لم يكن أحد يتصور أن تأتي بنوك عربية وأجنبية ذات أسماء معروفة عالميا وإقليميا لشراء بنوكنا المصرية ونقل عبء إصلاحها من البنك المركزي لهذه البنوك.

وترصد الدراسة عوامل داخلية تضافرت معها عوامل خارجية أدت لأن يكون قطاع البنوك من أكثر القطاعات جذبا للاستثمارات غير المصرية، منها خروج مصر من قائمة الدول التي بها نشاط غسل أموال؛ لأن دول هذه القائمة تجد صعوبات جمة وإجراءات معقدة عند التعامل مع أي بنوك خارجية، كما تجد صعوبات في دخول وخروج رؤوس الأموال، وهي ما تمثل عوامل طرد لأي استثمارات مباشرة. بالإضافة إلى صدور قرار تحرير سعر الصرف، وهو القرار الذي أثار مخاوف عند صدوره، إلا أن قيام البنك المركزي بتفعيل نظام الإنتربنك الدولاري جعل العملات الأجنبية متوافرة بالبنوك عند طلبها، وخصوصا لفتح الاعتمادات المستندية الخاصة بالاستيراد، وهو ما أدى في النهاية للقضاء تماما على السوق الموازية وتوفير العملات الأجنبية بشكل سمح بحرية تامة في تحويلها داخل أو خارج حدود البلاد، مع الإسراع في برنامج الخصخصة الذي أدى لزيادة الاستثمارات المباشرة ودخول مستثمرين أجانب، خصوصا بعد السماح ببيع صناعات استراتيجية كان الاقتراب منها فيما سبق خطا أحمر، مثل صناعات الإسمنت.

وقالت الدراسة إن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وتداعياتها المستمرة جعلت الاستثمارات العربية تواجه صعوبات ومشكلات بالغة في أوروبا وأميركا، هذا بخلاف أن البنوك العربية وكذا فروع البنوك العربية بأميركا وأوروبا، وجدت صعوبات حدت من معدلات أدائها، وبدأت الاستثمارات العربية في البحث عن فرص توسعية خارج حدود أميركا وأوروبا، مع وجود فوائض البترول الضخمة التي حققتها الدول البترولية العربية بعد الطفرة التي حققتها أسعار البترول، حيث بلغ معدل النمو بالسعر الاسمي للبرميل بالدولار 119 في المائة فيما بين عامي 2001 و2005، وهو ما أدى لزيادة عائدات البترول بشكل كبير، وهو ما يجعلها تبحث عن فرص خارجية لاستثمار فوائضها المالية.