البيت الأبيض يحذر ثوار سوريا من تكرار أخطاء التجربة العراقية

دعاهم إلى نبذ الأعمال الانتقامية وهدم المؤسسات بعد سقوط الأسد

TT

صرح مسؤولون أميركيون بأن إدارة أوباما حذرت قوات المعارضة السورية من مغبة تسريح القوات الأمنية التابعة للرئيس بشار الأسد والأجهزة الحكومية بشكل كامل إذا ما قتل أو أجبر على مغادرة السلطة، لتجنب الفوضى وفراغ السلطة الذي شهده العراق عام 2003.

تحول الزخم سريعا ضد الأسد، لكن الجيش السوري رد مؤخرا بشن هجوم على حلب، أكبر مدن سوريا. فبعد حشد قواته خارج المدينة على مدار الأيام القليلة الماضية، قصفت الدبابات المدعومة بمروحيات هجومية يوم السبت الأحياء التي يسيطر عليها الثوار.

وقد حث المسؤولون الأميركيون الثوار قادة المعارضة السياسية السورية، في جلسات استراتيجية مفصلة بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، على نبذ الأعمال الانتقامية الطائفية إذا ما سقطت حكومة الأسد. ويشير المسؤولون إلى أنهم يسعون لمساعدة الثوار على الاستفادة من الأخطاء الأميركية في العراق، لما قد يؤدي إليه حل الجيش والمؤسسات الأخرى من وقوع المزيد من الاضطرابات.

وقال المسؤول الأميركي، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية المحادثات مع المعارضة السورية المنقسمة: «لا يمكنك حل هذا النظام بشكل كامل؛ لأن هذه المؤسسات ركن أساسي في عملية التحول السياسي». وتابع المسؤول مشيرا إلى حركة الأسد القومية العربية الحاكمة: «نحن بحاجة إلى منع اجتثاث البعث من البلاد». ويذكر أن حزب البعث (العراقي) كان يهيمن على مقاليد الحكم في العراق في عهد صدام حسين.

ومما يؤكد اتساع مناقشة سياسات ما بعد الأسد تنامي ثقة المسؤولين الأميركيين في أن الأسد لا يستطيع التشبث بالسلطة لفترة أطول. وعلى الرغم من الموقف العسكري المتفوق لقوات الأسد؛ فإن المسؤولين الأميركيين يرون أن المكاسب الأخيرة التي حققها الثوار والانشقاقات تدعم توقعاتهم بأن الأسد سيطرد أو يقتل.

وقال مايكل هامر، مساعد وزير الخارجية للشؤون العامة، للصحافيين هذا الأسبوع: «نحن على يقين من أن أيامه صارت معدودة، وأنه يفقد سيطرته على البلاد، فالزخم كله يقف ضده». لكن الكثير من الدبلوماسيين الأميركيين والشرق أوسطيين ومحللي الاستخبارات يعتقدون أيضا أن النظام لا يزال يمتلك الموارد الكافية للسيطرة على الجيش السوري والمدن الرئيسية لبضعة أشهر مقبلة، وهو ما يعني أن العنف يتوقع أن يزداد سوءا على المدى القريب. وقد دارت معارك طاحنة بين الثوار السوريين والقوات الحكومية داخل دمشق والمناطق المحيطة بها خلال الأسبوع الماضي، مما أسفر عن أسوأ عمليات العنف خلال 16 شهرا من الصراع، وراح ضحيتها ما بين 15 إلى 20 ألف شخص، بحسب مجموعات مراقبة وناشطين.

«يناضل الأسد.. ولا يتوقع له أن يستسلم»، بحسب دبلوماسي شرق أوسطي يراقب الأوضاع في سوريا. وقال الدبلوماسي، الذي أصر على عدم ذكر اسمه في مناقشة التقييمات الداخلية لدولته في سوريا: «نعتقد أن الثوار اجتازوا المرحلة الحرجة.. لكن من المتوقع أن يكون الأسد أكثر عنفا بعد أن أدرك أن أيامه صارت معدودة.. سيضرب بقوة الآن، وإيران تدعمه بكل ما تملك». ويقدر محللون مستقلون، بما في ذلك مسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية، أن الأسد قد يتمكن من الصمود لعدة أشهر، لكنه لن يتمكن من الصمود إلى الأبد.

وتأتي تحذيرات إدارة أوباما لمجموعات الثوار في خضم حرب أهلية ذات طابع طائفي قوي. ومن الممكن أن يتبع انهيار النظام الأمني للأسد فترة مطولة من القتل الانتقامي؛ أيا كانت خطط الولايات المتحدة أو من تتصل بهم من المعارضة السياسية الآن.

بيد أن الإدارة حثت قوات المعارضة، التي تهيمن عليها الطائفة السنية، على احترام حقوق الأقليات في سوريا ما بعد الأسد، في الوقت الذي تحاشت فيه بشكل علني عقد مقارنات مع العراق. وتعد أخطاء التجربة العراقية؛ بما في ذلك الرهانات الخاطئة على قوى المعارضة وفراغ السلطة الذي تبع إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003، من الأسباب الرئيسية في استبعاد الرئيس أوباما تقديم المساعدة العسكرية المباشرة للثوار في سوريا. وكانت الولايات المتحدة قد أخذت بنصيحة بعض خصوم صدام حسين السياسيين، ودعمت سياسة اجتثاث البعث التي طردت كل رموز النظام من أصحاب الرتب الصغيرة من الوظائف الحكومية. وهو ما تسبب في فراغ الوزارات الحكومية وأطلق مارد الغضب الطائفي.

ويمثل العلويون نسبة 12 في المائة من عدد سكان سوريا، ويستحوذون على غالبية المناصب الرفيعة في الدولة، بينما يشكل المسلمون السنة 75 في المائة من عدد السكان، فيما يشكل المسيحيون والطوائف الأخرى النسبة الباقية.

وكانت الإدارة الأميركية قد حثت سابقا على الالتزام بالتوجه المحافظ في مصر، بما في ذلك فترة تولي المجلس العسكري إدارة البلاد، الذي أثار غضب الناشطين المؤيدين للديمقراطية، والذي يفضله البيت الأبيض خشية وقوع انفلات أمني يمكن أن يهدد أمن إسرائيل قد تضطر معه الولايات المتحدة إلى التدخل. ويقف المجلس العسكري والرئيس المنتخب ديمقراطيا في مصر على طرفي نقيض، وتبدو البلاد في حالة من الشلل. ولم يتضح بعد كيف سيتمكن هؤلاء القادة من مواجهة التحديات الكبيرة، لكن المسؤولين الأميركيين يرون أن النموذج الديمقراطي المصري مشجع على الرغم من ذلك.

وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، على أهمية التعددية السياسية في سوريا الحرة المقبلة، بعد عدد من اللقاءات مع رموز المعارضة خارج البلاد.. وفي غياب مثل هذه التحذيرات - والتهديد الضمني بأن المساعدات الأميركية والدعم السياسي متعلق بالسلوك الجيد - لم تتحدث إدارة أوباما عن كيفية ضمانها معاملة عادلة للموالين لنظام الأسد.

وكان المسؤولون الأميركيون قد شعروا بالارتياح في أعقاب تصريح للجيش السوري الحر هذا الشهر يتعهد فيه بـ«سوريا ديمقراطية وحرة، يعيش فيها كل المواطنين السوريين بغض النظر عن أعراقهم ودياناتهم وهوياتهم الطائفية». وكان حذر الولايات المتحدة في دعم الثوار قائما في جانب منه على الأدلة بأن بعض المجموعات التي تقاوم القوات الحكومية تابعة لـ«القاعدة» أو تتلقى دعما منها.

فالزيادة في استخدام القنابل المصنعة محليا والتفجيرات الانتحارية بسيارات مفخخة في سوريا تضفي نوعا من المصداقية على هذا القلق، وربما تكون مؤشرا على تنامي نفوذ الشبكة الإرهابية في سوريا. وتظهر الإحصاءات التي حصلت عليها «واشنطن بوست» أن معدل الهجمات بقنابل بدائية الصنع زادت إلى أربعة أضعاف خلال العام الماضي. وقال مسؤول أميركي بارز إنه تم تسجيل ما يقدر بـ273 حادثة من هذا النوع بين الأول من ديسمبر (كانون الأول) والسادس من يوليو (تموز)، وكانت الشرطة السورية الهدف الأبرز فيها.. ويعتبر استخدام السيارات المفخخة في الهجمات الانتحارية السمة البارزة لدى فرع تنظيم القاعدة في العراق. ويقول المسؤول، الذي رفض الكشف عن مصدر المعلومات بسبب سريتها: «التقارير الأميركية الموثوقة محدودة في سوريا، لذا هناك الكثير مما لا نعرفه».. لكن على الرغم من ذلك، فإن الإدارة وسعت تدريجيا من دعمها للثوار على الرغم من الافتقار إلى المعلومات بشأن خلفياتهم وأجنداتهم، في دولة تتميز إلى حد بعيد بانقساماتها الطائفية والعرقية. وقد حاولت الإدارة البحث عن وسائل لتوسيع الدعم عدا تسليح الثوار، بحسب مسؤولين. فزودت واشنطن المقاتلين بوسائل المساعدة «غير القاتلة»، مثل معدات الاتصالات التي يمكن استخدامها من قبل الثوار للتنسيق وتوجيه الهجمات بدقة تماثل تلك التي يستخدمها الجيش السوري. لكن على الرغم من ذلك فإن الثوار لا يزالون يعانون نقصا حادا في السلاح. وتقوم بعض الدول بإرسال السلاح إلى الثوار، لكنهم لا يملكون قوة جوية أو دفاعات جوية لما يعتقد المحللون أنه ثاني أفضل قوة عسكرية بعد إسرائيل في الشرق الأوسط.

وحتى الآن قدمت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية بقيمة 64 مليون دولار داخل سوريا وللاجئين في الدول المجاورة، بحسب تومي فيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض. ويشير المسؤولون الأميركيون إلى أن الإدارة لا تزال تحاول جاهدة الحصول على فهم أوضح لقوات المعارضة داخل سوريا. وفي هذا الإطار وسعت وكالات الاستخبارات الأميركية، وفق مسؤولين طلبوا عدم تعريفهم، من جهودها لجمع المعلومات الاستخبارية عن قوات الثوار ونظام الأسد في الشهور الأخيرة عن بعد.

وقال جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما والمتخصص في الشأن السوري: «كان أوباما مترددا للغاية، لأنه كان يعتقد أن ذلك منحدر زلق؛ فلكي تدخل إلى هناك وتعود منتصرا، يجب أن تكون على يقين من أنهم انتصروا بالفعل».

* شارك غريغ جاف في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»