إسطنبول تشهد معرض «مساجد تشد إليها الرحال»

استقطاب فنانين من ثقافات مختلفة أبرز مفهوم الأمة الإسلامية

الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم السعودي خلال حفل الافتتاح («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت مدينة إسطنبول التركية مؤخرا معرض مساجد تشد إليها الرحال وسط حضور عدد من الشخصيات وجمهور غفير وأعلن الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، أنه «سعيد جدا بهذا المعرض الذي يزخر بتصوير ثلاث مناطق مقدسة، عزيزة على قلوب المسلمين في العالم أجمع، وأن فكرة استقطاب فنانين من مختلف دول العالم وثقافات مختلفة للمشاركة أبرز تجمعا لمفهوم معنى الأمة الإسلامية المتجذرة في أرواحنا وقلوبنا» فيما قال الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، وزير التربية والتعليم السعودي ورئيس مجلس أمناء مؤسسة «ليان» للثقافة: «إن المساجد الثلاثة تشكل وحدة المسلمين ومصدر عزتهم؛ فالبيت الحرام قبلة المسلمين، والمسجد النبوي الشريف انطلقت منه رسالة الإسلام إلى أقصى بقاع الأرض، والمسجد الأقصى قبلة الأمم السالفة ملتقى الأنبياء ومنه عرج بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفي الحديث الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)». وأعرب عن شكره وتقديره للدكتور عمر دينجار وزير التربية والتعليم والدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، أمين عام «منظمة التعاون الإسلامي» والدكتور خالد آرن المدير العام لمركز الأبحاث للتاريخ والفنون والأستاذ أرشد هرمزلي ممثل الرئيس عبد الله غل، لتشريفهم حفل افتتاح المعرض معربا عن شكره وتقديره للرئيس التركي عبد الله غل على رعايته الكريمة للمعرض.

وقد شارك في المعرض 26 فنانا من 17 دولة فيما عرضت 31 لوحة على جدران قاعة «دولمة باغجة» التاريخية وقالت إرينيا كوندا، فنانة غينية من أصل روسي: «عندما طلب مني إنجاز لوحة عن الأماكن المقدسة ترددت كثيرا، خيم علي الخوف، وبدأت أتحسس ما وراء قدسية المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وتوسلت إلى زوجي أن يعينني على الأمر وعندما اقتنعت بالأهمية التي تنطوي عليها إنجاز هذه أعمال اعتكفت تسعة أشهر أقرأ عن المساجد الثلاثة بنهم لأصل إلى ما يمكن أن أستلهمه من وراء هذه البقاع الربانية المقدسة»، وأضافت كوندا: «لم أصدق رد الفعل والعظمة النورانية التي لمستها من وراء إنجاز هذه التجربة، فأنا فخورة ومندهشة لأن هذه الأعمال علمتني ما لم أكن أعلمه من قبل».

محمد كريش من المغرب، قال عن مشاركته: «أعرف الفرق بين مجال الانطباع الفني الخالص، حيث تعبر الخطوط والألوان والأضواء والظلال عن رؤية الفنان لهذه الأماكن العظيمة، وبين كينونة الحرمين الشريفين والسير في ردهاتهما والصلاة والدعاء، وهو ما أتاح لي خوض التجربة إضافة إلى أن المعرض أسهم في التقاء فنانين من ثقافات مختلفة». وأضاف: «لقد تعمقت الألوان والخطوط لتلامس شغاف القلب.. وتحدث الروح بكلمات خالصة لله تعالى».

وقالت رائدة عاشور، فنانة سعودية: «إنني سعيدة بشرف هذه المشاركة مع فنانين من مختلف ثقافات العالم»، مضيفة: «تنطوي أعمالي على اختياري اللون الأبيض في الخلفيات تعبيرا عن الروحانية التي يتمتع بها ديننا الحنيف فيما استخدمت التذهيب والنقوش التي تشبه صفحات القرآن الكريم لتعميق وحدة الفن الإسلامي ورسالته الخالدة والنبيلة».

وقال ضياء عزيز ضياء، من السعودية: «قضيت في مكة المكرمة طفولتي فلعبت في حاراتها، وصليت تحت باب البيت وبكيت طالبا الرحمة ومتشبثا بذلك الثوب الأسود وكلي إحساس بأني أحد مخلوقات الله التي لا حيلة لها، ولا قوة سوى الاستسلام لقدره ورحمته التي وسعت كل شيء، وعندما بدأت العمل على هذه التجربة ذهبت إلى مكة، وصعدت الجبال المطلة على قلب الوادي وتنقلت من مكان لآخر أبحث عن الزاوية التي أستطيع منها أن أرى مكة بوديانها وجبالها بما في ذلك جبل النور حيث (غار حراء). ولكن المكان الذي وجدته كان جبلا صغيرا من الناحية الجنوبية الغربية مليء بالمباني التي تحجب رؤية المسجد الحرام عدا الأجزاء العليا من بعض منارات مكة. فوجدت أن الحل هو أن أرتفع بخيالي إلى الأعلى نحو السماء، لأرى الحرم الشريف متوسطا الوادي وأرى جبل النور مطلا عليه، وقدرت أن الثلث الأخير من الليل هو وقت الاتصال والمناجاة بين العبد وربه، فكانت لوحة مكة المكرمة معبرة عن هذا الوصف ولن أنسى أن اللحظة التي بدأت فيها إنجاز الأعمال الثلاثة عن مكة والمدينة والقدس، كنت أشعر بكثير من الرهبة والخشوع وهو شعورلازمني حتى النهاية، وكأن الرسم استحال عبادة، فكل مدينة تتميز بقدسيتها وروحانيتها الاستثنائية، ولكن في النهاية يجمع هذه المقدسات شيء واحد، وهو نور الله عز وجل».

خوسرو حسن زاده، من إيران قال: «لقد قمت بعمل كثير من اللوحات بخصوص موضوع مكة» وأضاف: «إن نفسي لا تطاوعني في استخدام أية ألوان عدا اللون الأبيض الرامز للسلام والحرية، بينما اللون الذهبي يدل على القدسية والطهارة». مضيفا: «في الواقع هذان اللونان يمثلان أنقى وأقدس مفاهيم للسلام وللمواقع المقدسة نفسها».

جميل أحمد بلوشي، من باكستان قال: «كوني فنانا مسلما، فإنني أشعر بالصدق والحماس لهذه المشاركة، لقد شعرت في داخلي بالبراءة والنقاء خلال هذه التجربة، لذا ركزت على رسم المفاهيم الرمزية والروحية النقية، مستخدما في جميع أعمالي اللون الأبيض خلفية للوحاتي، وهو رمز (السلام) ومن هذا الرمز يستمد ديني قيمه الخالدة» مسرول هندريك زول، من إندونيسيا قال: «إن تلك المساجد التي لها جاذبية كبيرة للأمة الإسلامية وفيها حضارة الإسلام والأمم جعلتني أكتشف محاولة التعبير عن عظمة الإسلام وشرفه بكل إمكانياتي، متمنيا أن أكون قد وفقت في إعطاء لون مختلف وعميق عما يدور في داخلي».

عادل السيوي، من مصر قال: «لم تشغلني في هذه الأعمال المدينة باعتبارها وعاءا ماديا متفردا، أو تخطيطا مدنيا وعمارة، بقدر ما انشغلت بمعالمها ودلالاتها المقدسة في الأساس، اخترت في الأعمال الثلاثة الكشف عن انصهار القداسة بالتوحيد، وذلك بالتركيز على بؤرة بصرية واحدة تحتل موقعا مركزيا في قلب اللوحة، وهذا يشكل علامة بارزة للمدن التي تعاملت معها، لقد حاولت أن يبدو معمار المدينة ثانويا وتابعا لمركزها المقدس، ففي المدن المقدسة لا يبرز مركز المدينة التبادلي أو السياسي ولا حتى مركزها التاريخي، بل حول قلبها الديني، لقد جاءت التجربة تلقائية، تتعمد تصورا مجردا لما هو إلهي».

وقال نصرة قولبان، من تركيا - يرحمه الله - قبل وفاته عام 2008 إنه عند رسمه لأي مدينة يقوم أولا بزيارتها لتثبيتها في ذهنه مثل المدينة المنورة، ومكة المكرمة التي قام بزيارتها كثيرا لغرض الحج والعمرة، بينما شجعته المغامرة على رسم القدس مما يحمله لها في قلبه فجاءت الرسومات الثلاثة معبرة فالسماء تشكلت باللون الأزرق أو الكحلي المائل إلى السواد بالنسبة لمكة المكرمة مستخدما مجازية الألوان التي تشبه كثافة الغيوم لإبراز الكعبة وهى أصل الموضوع ومن حولها التموج الدائري الذي يوحي بالتفاف المصلين وطوافهم أو انتشارهم من المركز، أما بالنسبة للمدينة المنورة ففكر في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعند النظر إلى هذه اللوحة نراه صغيرا، لهذا السبب قمت برسمه بشكل أكبر في القسم العلوي، أما بالنسبة للقدس فقد أراد أن يستكشف منظرها في الليل حيث زمن معراج النبي الكريم علاوة على أنه أبرز الطراز المعماري لقبة الصخرة».

محمد صالح بشناق، من فلسطين أوضح أن مكة المكرمة نور الهدى والعلم والمعرفة وانطلق منها الإشعاع لينير دياجير الظلمة والضياع التي كانت تعيش فيها البشرية، وحل الأمن مكان الخوف وتحقق العدل والمساواة بين الناس وفي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت انطلاقة الدعوة، وتحقق لهذا الدين بعدالته وسماحته ما يسعد هذه البشرية ويحقق آمالها وطموحاتها ومن المسجد الأقصى بمدينة القدس كانت معجزة الإسراء والمعراج لنبي هذه الأمة وهي مصدر إشعاع ونور وحضارة وتفاعل بناء من أجل السلام والتعايش والحوار بين الشعوب، وهو يتطلع لأن يتم تحريره ليعاود أداء دوره الذي تعطل بعد احتلاله.

وقال عبد الرحمن أمجد، خطاط وزائر للمعرض: «الحدث مهم جدا وأن الفنانين رغم تعدد ثقافاتهم أبرزوا الجوانب المتعلقة بالمقدسات بشكل أذهلني للغاية، وقد لمست في هذا المعرض أن الفنون البصرية عندما تجتمع في مكان واحد ومن ثقافات مختلفة فإن رسالتها الحقيقية تصبح مؤثرة وعميقة في النفس» شارك في المعرض كل من أحمد مصطفي وعادل السيوي من مصر، آدم سقال وداود بكتاش وفرهاد قورلو والمرحوم نصرت قولبان من تركيا، ورائدة عاشور ونوال مصلي وضياء عزيز ضياء وعبد الله حماس وعبد الله الشلتي من السعودية، ونصار منصور وعرفات النعيم من الأردن ومسرول هندريك من إندونيسيا، ومحمد كريش من المغرب، ومحمد بشناق من فلسطين، ومحمد عايش من ماليزيا، ومحمد الشمري من العراق، وشاهنوزة مومينوفا من أوزبكستان، ورانيا سراقبي من لبنانن وخسرو زادة من إيران، وجميل بلوشي من باكستان وبيل ويست من بريطانيا، وبيتر جولد من أستراليا، وإيرينا كوندا من غينيا، وآديمي عبد الفتاح من نيجيريا.