الأزهر يتمسك بفتوى رفض تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الدرامية

رفض عرض مسلسل «الفاروق عمر» في مصر.. واعتبر تجسيد آل البيت «حرام شرعا»

«برومو» مسلسل الفاروق عمر على شاشة الفضائيات («الشرق الأوسط»)
TT

تواصل القنوات الفضائية في مصر عرض المسلسل السوري «الفاروق عمر» خلال شهر رمضان، وبينما جدد الأزهر رفضه تجسيد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الدرامية على الشاشة الصغيرة، استنادا إلى فتوى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بتحريم تجسيدهم في الأعمال الدرامية، رحل عن عالمنا قبل يومين الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وصاحب أول فتوى لرفض تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدرامية.

وأثار المسلسل السوري «الفاروق عمر» الذي يتضمن قصة حياة الخليفة عمر بن الخطاب، كثيرا من ردود الأفعال بين الأوساط الدينية في مصر، وبينما أيد التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين موقف الأزهر الرافض للمسلسل، باعتبار أن تجسيد شخصية الخليفة عمر بن الخطاب غير لائق، قال علماء دين إن «تجسيد الصحابة يقلل من شأنهم في نفوس المشاهدين».

وقال الدكتور عبد المعطي بيومي رأيه في المسلسل قبل رحيله بأيام قليلة، وهو «يتمسك الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بمنع تمثيل الرسل والأنبياء وآل بيت الرسول، والعشرة المبشرين بالجنة، ومنهم الخلفاء الراشدون»، موضحا: «أما من ناحية الرسل والأنبياء فهؤلاء نوعية من البشر اصطفاهم المولى عز وجل عن سائر خلقه، وتنطق بهذا آيات القرآن الكريم في قول المولى عز وجل (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين)».

وقال الدكتور بيومي، «إذا كان الله عز وجل قد اصطفى هؤلاء البشر، فهل من اللائق أن يتقمص أحد شخصياتهم؟، فالتمثيل استحضار صورة الشخصية التي يقوم بها الممثل، ومهما بالغ الممثل في الإجادة، فلن يستطيع أن يكون طبق الأصل من شخصية ليست كسائر البشر».

وأضاف الدكتور بيومي إن، «الممثل الذي يقوم بتجسيد شخصيات الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة، يكذب ويدعى ادعاء غير صحيح»، موضحا أن الممثل حينما يقوم بدور عمر بن الخطاب، فكأنه يقول إنه تمثيل وهذا ليس بصحيح، ولعله أقرب إلى الكذب.

والراحل الدكتور بيومي أول من أفتى أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تجسيد الأنبياء والصحابة وآل البيت وتصويرهم في الأعمال الدرامية، وذلك اعتراضا على عرض المسلسل الديني يوسف الصديق، ودعا وقتها مجمع البحوث الإسلامية لاجتماع عاجل للتأكيد على ذلك.

وكان الأزهر برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قد نعى إلى الأمة الإسلامية والعربية وفاة الدكتور بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر، الذي غيبه الموت قبل يومين عن عمر يناهز 72 عاما بعد معاناة مع المرض.

وقال الأزهر في بيان له، إن «الإمام الأكبر وعلماء الأزهر وطلابه يحتسبون عند الله تعالى فقيد الأزهر، داعين المولى سبحانه وتعالى، أن يجزيه خير الجزاء على ما قدمه من علم في خدمة الأمة الإسلامية».

وقال الدكتور الطيب، «ستظل ذكراه حية في نفوس زملائه الكثيرين، رحمه الله، وعوض الأزهر بفقده خيرا».

وتعليقا على فتوى الدكتور بيومي رفض تجسيد الصحابة، قال الشيخ علي عبد الباقي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن «الأزهر يرفض عرض مسلسل الفاروق عمر»، مؤكدا أن قرار المجمع بالرفض، جاء استنادا إلى فتوى مجمع البحوث التي تحرم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت في الأعمال الدرامية، مشيرا إلى أن الأزهر خاطب جميع الجهات المسؤولة لمنع عرض المسلسل على شاشة الفضائيات في مصر، موضحا أن الأزهر ليس له أي سلطة لمنع عرض المسلسل خارج مصر.

وأضاف الشيخ عبد الباقي: «قرار مجمع البحوث برفض عرض المسلسل صدر بالإجماع، مستندا إلى أن ظهور الأنبياء وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة على الشاشة حرام شرعا، وبالتالي فظهور شخصية عمر بن الخطاب في أي عمل ممنوع وغير مقبول».

وأوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، أن قرار منع تجسيد الخلفاء الراشدين وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة، يشمل الأعمال الفنية التي تنتج أو تعرض داخل مصر وخارجها، لافتا إلى أن تجسيد النبيين والملائكة والصحابة أمر مرفوض، مضيفا: «لا يجوز تصوير الرسل والأنبياء أو ظهورهم في أعمال فنية؛ لأن هؤلاء لا يوجد من يماثلهم من البشر في القدر أو القدوة».

في السياق ذاته، أعلن سيد درويش، مسؤول اللجنة الفنية بجماعة الإخوان المسلمين، تضامن الجماعة مع موقف الأزهر الرافض لعرض المسلسل تماما، لافتا إلى أن تجسيد عمر بن الخطاب في عمل درامي غير لائق.

وأيد حزب النور (السلفي) موقف الأزهر، معلنا رفضه تجسيد الصحابة والأنبياء، وقال محمد نور المتحدث الرسمي باسم الحزب، إن «عرض هذه الأعمال ستقلل من شأنهم في نفوس وقلوب المشاهدين».

وللدكتور بيومي كثير من المؤلفات والكتب والدراسات في مختلف العلوم الإسلامية، كما أشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعة الأزهر.

وأبدى علماء الأزهر حزنهم الكبير على وفاة فقيد الأمة الإسلامية، مؤكدين على أن العالم الإسلامي فقد علما من أعلامه، مشيدين بمواقفه الكثيرة الطيبة.

وقال الدكتور محمد وهدان، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «الفقيد أفرز علما غزيرا، وكان صاحب عطاء في مجال الدين والحياة، وقام بواجبه نحو وطنه ودينه، وكان رمز الإسلام العلمي على مستوى العالم أجمع».

ولد الدكتور بيومي بمحافظة كفر الشيخ في 21 يوليو (تموز) عام 1940، ومن أهم الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم الشيخ عبد المنعم حجاب، والشيخ حجاج السيد إبراهيم، والشيخ عبد المنعم النمر، والدكتور محمد عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر الراحل، وتخرج في كلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة بالأزهر عام 1965، وحصل على الماجستير عام 1968 في «فلسفة العلوم بين اليونان والمسلمين»، وحصل على الدكتوراه عام 1972 عن رسالة عنوانها «تجديد الفكر الإسلامي في العصر الحديث».

وعمل محررا بمجلة «الوعي الإسلامي» الكويتية عام 1965، وعمل لعدة سنوات مدرسا في كلية أصول الدين عام 1972، ثم أستاذا مساعدا، ثم أستاذا، ثم رئيس تحرير «مجلة منبر الإسلام» المصرية مرتين، ثم رئيس تحرير «مجلة الأزهر»، وتولى منصب وكيل كلية أصول الدين ثلاث مرات، كان آخرها في عام 2003. وهو عضو باتحاد كتاب مصر، وشارك في عدة مؤتمرات في كثير من الدول الإسلامية وأوروبا وفرنسا وألمانيا واليونان.

اتسم المنهج الذي اتبعه بيومي بالبعد عن التشدد والمغالاة، وهو ما أبقاه في صفوف الفريق المدافع عن وسطية الإسلام ومنهجه المعتدل، الذي يتسم به الأزهر، وهو ما تدلل عليه آراؤه في قضايا جدلية كثيرة، من بينها «حكم ارتداء النقاب»، الذي اعتبره بيومي أمرا لم يرد كفريضة أو في السنة النبوية، مؤكدا أنه «عادة»، وكذلك فتواه الشهيرة الخاصة بـ«إباحة تأجير الأرحام».

وكان للدكتور بيومي مواقفه وآراؤه السياسية؛ حيث أبدى تحفظه على مصافحة شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، كما أبدى رأيه مؤخرا فيما يتعلق بالجمعية التأسيسية الأولى المنوط بها إعداد الدستور الجديد، وانسحاب الأزهر منها وأوضح أن «الجمعية التأسيسية للدستور باطلة لأسباب كثيرة جدا من بينها سيطرة الإسلاميين».

كما أنه واجه الرافضين لتعيين نائب مسيحي للرئيس المصري محمد مرسي، قائلا، إن «المعترضين على تولي مسيحي نائبا للرئيس لا يفقهون شيئا على الإطلاق عن التعامل الإسلامي في هذه المسألة، أولا التاريخ الإسلامي في عز ازدهاره في الدولة العباسية وفي المصرية القديمة أيام أحمد بن طولون، كان المسيحيون هم من يتولون الحسابات في الدولة وكان لهم المكان الثاني بعد الخليفة».

عانى الدكتور بيومي مؤخرا من مرض سرطان الكبد، وهو ما لم يمنعه من أداء خطبة الجمعة الأخيرة من شهر شعبان الماضي. والفقيد متزوج، وله ولدان، هما أشرف وأمجد، وابنتان، هما أماني وإيمان.