«الروبيان».. رحلة صيد لما يزيد على 680 طنا يوميا

مداخيله شرق السعودية تتجاوز 10 ملايين ريال

صيادو الروبيان بالسعودية يطالبون بتحسين ظروفهم وحماية الثروة السمكية («الشرق الأوسط»)
TT

مع إطلالة شهر أغسطس (آب)، أقسى شهور السنة من حيث الرطوبة وارتفاع معدلات الحرارة بشرق السعودية، تنطلق رحلة صيد الروبيان. وعلى الرغم من وصف الموسم بالشاق فإنه يكون موسما واعدا للصيادين الذين خلدوا إلى الراحة لستة أشهر كاملة، هي المدة الزمنية التي يحظر فيها الصيد على امتداد الخليج العربي.

وزارة الزراعة والثروة السمكية السعودية كانت قد حددت انطلاقة موعد صيد الروبيان في المياه الإقليمية بالخليج العربي على مساحة قدرها 600 كيلومتر، هي حدود البلاد البحرية مع دول الجوار.

في اليوم الأول للصيد، دخل إلى البحر قرابة 750 مركبا بحريا و1000 مركب بحري سريع (طراد وقارب)، حيث أكد لـ«الشرق الأوسط» العقيد خالد الغرقوبي، المتحدث باسم قيادة حرس الحدود بالمنطقة الشرقية، أن هذا العدد هو المصرح له تقريبا بدخول البحر لصيد الروبيان. ويبلغ معدل الصيد اليومي للمركب البحري قرابة 15 ثلاجة (بانة) زنة 32 كيلوغراما، فيما يبلغ صيد الطراد الواحد قرابة الـ10 ثلاجات مع اختلاف أن المراكب العادية تبقى في العادة ما لا يقل عن ثلاثة أيام في البحر، فيما تعود المراكب السريعة يوميا إلى اليابسة. فيما يقدر حجم صيد الروبيان بما يقارب 680 طنا يوميا، منها 360 طنا من خلال المراكب حيث إن بقاءها في البحر لفترة أطول يساعدها على استغلال الفترة الزمنية برفع نسبة الصيد والإنتاج على اعتبار أن كل مركب في الغالب لا يعود إلى اليابسة إلا بعد إكمال تعبئة 45 ثلاجة، في حال البقاء في البحر لمدة تصل لثلاثة أيام، وأحيانا أكثر، حيث إن بعض المراكب تبقى في البحر لقرابة الأسبوع، ويرتفع إنتاجها جراء ذلك، أما المراكب السريعة فمعدل إنتاجها اليومي عشر ثلاجات تعادل 320 طنا.

ومن المعروف أن الروبيان في الأيام الأولى من صيده يكون عالي السعر، وتحتكره لمدة ثلاثة أيام على الأقل الشركات الكبيرة، التي تحجزه مبكرا من كبار الصيادين، ولذا يكون في الأيام الأولى شحيحا، لأنه محتكر، إلا أنه بعد أقل من أسبوع يكون متوفرا بشكل كبير في الأسواق مما يجعل أسعاره في متناول الجميع.

وتبلغ قيمة الثلاجة التى تحوي 32 كيلوغراما ما يقارب الـ500 ريال في الوضع الطبيعي، أو تقل أحيانا، لكنها في أحيان أخرى خصوصا في الأيام الأولى من إنتاجه ونتيجة شح المعروض نتيجة احتكاره يصل سعر الثلاجة إلى 800 ريال، أي أن الكيلوغرام يصل إلى 25 ريالا، وهو سعر مرتفع جدا على اعتبار أنه في الوضع الطبيعي يصل إلى 16 ريالا فقط، إن لم يكن أقل، خصوصا إذا توافرت الكميات وتم التخلص من الاحتكار.

وبنظرة على سوق الروبيان، يتضح أن دخل جملة الصيادين يتجاوز أكثر من 10.2 مليون ريال يوميا، في حال وصل الناتج المباع حدود الـ680 طنا، بسعر 16 ريالا للكيلوغرام.

وتستوطن في السعودية خمسة أنواع من الروبيان، هي روبيان أم نعيرة (جمبري مخطط) وهو النوع السائد في الخليج العربي والبحر الأحمر، وروبيان شحامية (الجمبري الخشن)، وروبيان الأبيض (الجمبري الهندي)، والروبيان النمراني الأسود (الجمبري العملاق). كما توجد أنواع أخرى بنسب قليلة جدا مثل الروبيان الياباني.

ويوجد الروبيان في الخليج العربي بشكل رئيسي في شمال الخليج بالجبيل والسفانية وجنوب الخليج العربي من جنوب الجبيل إلى منفذ سلوى على الحدود القطرية وكذلك صفوى ودارين وتاروت وغيرها من سواحل الشرقية. ويتوقع خبراء أن يكون إنتاج الروبيان وفيرا هذا الموسم، خصوصا مع فتح منطقة الصيد في مدينة صفوى بعد أن كانت مغلقة الموسم الماضي.

لكن قد يتحمل الصيادون في ظل هذه الأجواء أعباء بدنية كبيرة من أجل الصيد الوفير، وذلك نتيجة درجات الحرارة العالية التي تجعل الروبيان يهرب لمناطق بحرية بعيدة تمتاز بعمق كبير. وكنتيجة طبيعة لوفرة الروبيان في الأسواق، فمن المتوقع أن تنخفض أسعار عدد من أنواع اللحوم سواء الحمراء أو البيضاء أو حتى أنواع الأسماك خصوصا أن الروبيان يعد من أفضل الوجبات المفضلة لشريحة واسعة جدا من أبناء الشرقية خاصة والخليج عامة. ويستخدم الروبيان عادة في إعداد أطباق خليجية كثيرة من أبرزها طبخه مع الأرز والتوابل الحارة لإعداد المجبوس والروبيان المقلي وسلطة الروبيان وغيرها من الأطباق البحرية.

جعفر الصفواني، نائب رئيس جمعية الصيادين ورئيس لجنة الزراعة والثروة السمكية بغرفة المنطقة الشرقية، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الروبيان سيكون وفيرا جدا هذا الموسم، خصوصا مع تنوع ووفرة أماكن الصيد، وإن كانت هناك مشاكل كثيرة سيعانيها الصيادون في هذه الفترة ومن أبرزها الشروط الجديدة المتعلقة بخفض وزارة العمل لنسبة العمالة الهندية إلى 40 في المائة فقط، والباقي من جنسيات أخرى.

واعتبر الصفواني القرار غير صائب، وغير مبرر أبدا، على اعتبار أن العمالة الهندية وتحديدا من القادمة من (كيرلا) بالقرب المحيط الهندي، تعود أبناءها على الأجواء البحرية القاسية، وبالتالي يكون إنتاجها ممتازا جدا، أما العمالة التي تأتي من دول أخرى فيكون إنتاجها أقل، هذا إن كان لديها إنتاج أو تحمل للأجواء القاسية، حيث يهرب الكثير منهم من كفلائهم للبحث عن أعمال أكثر راحة.

وأضاف جعفر «من المشاكل التي تحاصر الصيادين في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص ردم ودفن مناطق ساحلية كثيرة، مما سبب تراجع كميات الروبيان والأسماك بشكل عام، نظرا لانحسار مناطق التفريخ والحضانة لبيض الأسماك والروبيان، والتي تمثل الرحم الذي يحفظ استمرار تكاثر الثروة السمكية، حيث كانت السنوات السابقة للردم تمتاز بالكميات الوفيرة التي تجعل صيادي القوارب الصغيرة يملأون ثلاجاتهم بكمية تصل إلى 1600 كيلوغرام في أول 15 دقيقة من الفسح، بينما تخلو العديد من المناطق في الفترة الحالية من الروبيان، كما حدث مع ساحل مدينة صفوى، الذي سجل في الفترة القريبة الماضية ولأول مرة منذ عشرات السنين خلوه من الروبيان، لكن التفاؤل عاد نسبيا ليكون إنتاج ساحل صفوى على قدر التطلعات في الفترة الحالية».

وطالب الصفواني بضرورة العمل على دراسة متخصصة بخليج تاروت والخليج العربي للتعرف على أسباب تراجع كميات الروبيان، ولإيجاد طرق للمحافظة على الثروة السمكية، خصوصا أن المملكة تتمتع بمساحة شاسعة على ساحل الخليج العربي، إلا أن دول الخليج العربي ذات السواحل الصغيرة تقوم بتصدير كميات من الأسماك والروبيان إلى أسواق المملكة.

وبين أن عمليات الردم الجارية في سواحل المنطقة تسببت في تدمير غالبية مبايض الروبيان ومحاضنها، وبالذات في المناطق الواقعة بين صفوى ورأس تنورة وغرب قناة جزيرة تاروت والسواحل المحيطة بالجزيرة، وكذلك جنوب الميناء، إضافة إلى سوء تخطيط الجهات المعنية.

وطالب نائب رئيس جمعية الصيادين بتدخل أهل الاختصاص والمسؤولين لدراسة أسباب تراجع الإنتاج للروبيان والأسماك، وعرض نتائج الدراسة بشكل علني للوصول لحل ينهي المشكلة قبل أن تتفاقم وبالتالي يصعب إيجاد حلول لها، مضيفا «أعتقد أن القادم أسوأ إذا لم تتوقف أعمال ردم أشجار المنجروف ومبايض ومحاضن الروبيان على سواحل الخليج العربي. وعلى الجميع تحمل المسؤولية والاختيار بين الحفاظ على ثروة الخليج من الروبيان والأسماك بأنواعها أو إقامة مشاريع تنموية وغيرها».

وأشار رئيس لجنة الزراعة والثروة السمكية بغرفة المنطقة الشرقية إلى أن التعديات الكثيرة على السواحل من قبل بعض المتنفذين تخالف القرارات الوزارية التي صدرت بشأن عدم التعدي على البحر في أعوام 1403 و1406 و1419 وغيرها من السنوات، لكن الوضع مستمر بحجة تحسين واجهات وغيرها، مما يسبب القضاء على الحياة البحرية، وهناك أسباب أخرى منها التحجج بالأملاك للمتنفذين. وطالب الصفواني بتحقيق لهيئة مكافحة الفساد من أجل وضع حد نهائي لهذه التعديات.

واعتبر الصفواني أن من أبرز المشاكل التي تقلل من صعوبة توفير الأسماك والروبيان الجيد مشكلة الصرف الصحي بنسبة 40 في المائة، و30 في المائة وجود مواد بترولية تنفق الأسماك، وباقي النسبة المئوية بسبب الجرف. وقتل السواحل يعني قتل الدورة السمكية الطبيعية بشكل تدريجي.

وبين نائب رئيس جمعية الصيادين أن قرابة الـ40 في المائة من القوارب متوقفة حاليا نتيجة الشروط العديدة لوزارة العمل، منها ما ذكر آنفا وأيضا تطبيق الخطوط الحمراء وغيرها من الشروط والأنظمة التي طفشت عشرات الصيادين وجعلتهم يغادرون مجبرين هذه المهنة التي عملوا فيها عشرات السنين، مشيرا إلى أن عدد المراكب فقط يصل إلى أكثر من 1200 مركب، والمراكب السريعة قد تتخطى الألفين، لكن بعضها لم يعد مشجعا على العمل.

واستغرب الصفواني من قيام الجهات ذات الاختصاص بمراقبة إنتاج الصيادين برمي الأسماك التي يتم اصطيادها مع الروبيان نتيجة ملازمتها للروبيان في حال تجاوزت نسبة محددة بأربع ثلاجات، وتغريم الصياد خمسة آلاف ريال، معتبرا أن الحل لا يكمن في ذلك، بل في مصادرة هذه الأسماك الزائدة، وتوزيعها على الجمعيات الخيرية لاستفادة الفقراء منها بدلا من رميها في البحر، وتغريم الصياد الذي يبحث عن قوت يومه من خلال مهنة خطرة ومرهقة، وقال «حقيقة، اقترحنا زيادة الكمية التي يسمح بها لكن رُفض طلبنا».