معركة حلب: الجيش الحر يتوقع حسما قريبا.. والمراقبون يرصدون استخدام الطيران الحربي

اشتباكات في أحياء مسيحية وسط دمشق للمرة الأولى.. ومجزرتان في بلدتي جديدة عرطوز ويلدا

أحد المباني التي دمرتها القوات النظامية في حي القابون بدمشق أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

تجددت الاشتباكات بين قوات الأمن السورية والجيش السوري الحر أمس في العاصمة دمشق، لتبلغ وسط العاصمة للمرة الأولى، قرب حي باب توما المسيحي، في وقت استخدمت فيه القوات النظامية مجددا الطائرات والمدافع لقصف أحياء عدة في مدينة حلب. وأعلنت الناطقة باسم بعثة المراقبين الدوليين في سوريا سوسن غوشة، وفق ما نقلته عنها وكالة الصحافة الفرنسية، أن «وفدا من المراقبين في حلب شاهدوا أول من أمس طائرة حربية تقصف المدينة».

وقال ناشطون سوريون إن حي صلاح الدين تعرض لقصف عنيف أمس بطائرات «ميغ» روسية ومروحيات هجومية ومدفعية، كما طال القصف أحياء أخرى يسيطر عليها «الجيش الحر»، الذي واصل محاولات الاستيلاء على مزيد من المقرات الأمنية السورية، ومنها مقر الأمن العسكري. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن اشتباكات وقعت فجر أمس في محيط قاعدة عسكرية في قرية حندارات استمرت لساعات، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل قائد سرية من «الجيش الحر».

وأكد أحد الناشطين في مدينة حلب لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر من «الجيش الحر» تمكنوا من السيطرة في اليومين الأخيرين على عدد من المراكز الأمنية ومخافر الشرطة تحديدا في أحياء هنانو وباب النيرب والصالحين، حيث أسروا عددا من الجنود النظاميين والشبيحة الذين يقاتلون بضراوة أكثر من الجنود النظاميين في حلب.

ويستخدم الجيش السوري الطيران الحربي في قصف مدينة حلب، بحسب ما أفادت الناطقة باسم بعثة المراقبين الدوليين في سوريا وكالة الصحافة الفرنسية، حيث أكدت سوسن غوشة، في رد على أسئلة للوكالة عبر الإنترنت، أن وفدا من المراقبين في حلب «شاهدوا أول من أمس طائرة حربية تقصف» المدينة. ولفتت إلى أن المراقبين الدوليين يملكون كذلك «معلومات مؤكدة عن أن المعارضة (المسلحة) في حلب تملك أسلحة ثقيلة بما في ذلك دبابات».

وقالت غوشة إن هناك تقارير عن «نزوح جماعي من المنطقة»، مضيفة أن العديد من السكان يلجأون إلى المدارس وغيرها من المباني الرسمية في الأحياء المجاورة التي يعتبرونها أكثر أمنا. وأشارت إلى وجود «نقص في الأغذية والوقود والغاز».

ولفتت إلى أن الأمم المتحدة «ذكرت الطرفين (المتقاتلين) بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي الذي يفرض عليهما حماية المدنيين». وأضافت «دعونا الطرفين إلى إظهار أقصى درجات ضبط النفس والانتقال من عقلية المواجهة إلى الحوار».

وبينما نقلت تقارير إخبارية أن وحدات من الجيش الحر تمكنت من ضرب مجموعة قوية من الشبيحة تعرف باسم شبيحة آل بري في حلب، تساند النظام في قمع المظاهرات والتحركات الاحتجاجية، وقتلت زعيمها ويدعى «زينو بري»، أكد مصدر قيادي في الجيش السوري الحر، لـ«الشرق الأوسط»، أن «اشتباكات عنيفة وقعت بين عناصر من الجيش الحر وشبيحة آل بري المسلحين وتحديدا في حي باب النيرب»، مشددا على أن «القوات الأسدية ورغم كل عتادها العسكري واستخدامها للطيران الحربي فإنها لم تتمكن بعد مرور 5 أيام من التقدم والسيطرة على حي واحد». وأشار إلى أن «معنويات وحداتنا مرتفعة والوضع تحت السيطرة في معظم أحياء حلب»، متوقعا «معارك حاسمة في الأيام المقبلة».

وقام مسلحون «شبيحة» من عائلة بري بمهاجمة مواقع للجيش الحر في أحياء حلب بقذائف الـ«آر بي جي» بعد أقل من 24 ساعة من إعدام الجيش الحر لزعيم عائلة بري زين العابدين بري. وقالت وسائل إعلام سورية مؤيدة للنظام إن شبابا من عشائر في محافظة حلب أصدروا بيانا أعلنوا فيه «النفير العام» ضد الجيش الحر، ووضعوا أنفسهم «تحت تصرف القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية في حربها ضد الإرهاب وداعميه»، وذلك في رد فعل على قيام مقاتلين في لواء التحرير التابع للجيش الحر يوم أول من أمس الثلاثاء باعتقال زعيم عائلة بري زين العابدين بري الملقب بـ«زينو» مع عشرات من أفراد العائلة، ليتم تنفيذ إعدام ميداني بحقهم، إثر اشتباكات عنيفة استمرت لعدة ساعات.

وعائلة بري البدوية معروفة في حلب بموالاتها للنظام، والانخراط مع الشبيحة في قمع المتظاهرين، الذين يلقبون زينو بزعيم «الشبيحة». وقال الناشط خالد الحلبي لـ«الشرق الأوسط» إن «عائلة بري معروفة في محافظة حلب كأكبر وأكثر العشائر الحلبية تأييدا للنظام، تم تسليحها من قبل النظام». ويقدر الناشط عدد أفراد عائلة بري بأكثر من 5000 شخص شكلت منهم «مجموعات شبيحة انتشرت في حلب وريفها» ومقرهم الرئيسي في النيرب القريب من مطار حلب.

ويتابع الناشط «يوم الثلاثاء تمكن لواء التوحيد من السيطرة على مقر آل بري، واعتقلوا زينو لينفذوا فيه حكم الإعدام، وذلك كرد فعل على نقض هدنة تجمع الطرفين وفي البيان الذي نشرته وسائل إعلام موالية للنظام وعلى صلة وثيقة مع الأجهزة الأمنية وقالت إنه صادر عن شباب من عشائر حلب، أعلن «النفير العام» ضد من وصفهم بـ«مرتزقة الناتو من الجيش الحر»، وتوعد البيان بالقصاص من «آخر عنصر ممن يسمون أنفسهم الجيش الحر، وأن «حلب مقبرتهم». إلا أن عضو القيادة العسكرية المشتركة عدنان الأحمد نفى أن يكون الجيش الحر من قام بعملية إعدام لمن سمي بـ«زعيم الشبيحة» وعائلة بري، مشيرا إلى أن هذا «الفعل ليس من أخلاق الجيش الحر». وقال العميد الركن في اتصال مع «سكاي نيوز عربية» إن «من قاموا بعملية القصاص هم أهالي القتلى الذين فقدوا أبناءهم تحت تعذيب الشبيحة أمثال بري الذين بالمقابل لقنوا المتظاهرين دروسا لن ينسوها وانتهكوا الأعراض وأعدموا الكثيرين».

وبالإشارة إلى اتفاقية جنيف الرابعة المختصة بمعاملة الأسرى، أكد الأحمد على أن «الجيش الحر يلتزم بها ويعامل الأسرى بشكل جيد». وأعلن الأحمد عن تشكيل مجموعات محاسبة مهمتها تقديم من يخالف القانون ويقوم بإعدامات عشوائية إلى القضاء، قائلا «نحن لا نعامل بالمثل ولا نريد الانتقام، فنحن بصدد تشكيل نظام جديد خال من تصفية الحسابات».

وبعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على قيام لواء التوحيد بالهجوم على مقر آل بري في باب النيرب حلب، نقلت مواقع إلكترونية حلبية عن مصادر من آل بري أن «مجموعة من مسلحي العائلة هاجمت يوم أمس الأربعاء تجمعات للجيش الحر في بعض أحياء حلب: الشعار والميسر والجزماتي والمدرسة التي أعدم فيها زينو بري». وبحسب هذه المصادر، استخدم المسلحون القذائف الصاروخية في استهداف المدرسة. وتنذر هذه التطورات بتعقيد الأوضاع في حلب التي تشهد اشتباكات عنيفة من 20 يوليو (تموز) الماضي، مع تقدم مقاتلي الجيش الحر للاستيلاء على مقرات النظام في المدينة، رغم القصف العنيف لقوات النظام على المدينة واستخدام الطيران الحربي والمروحيات.

يأتي هذا في وقت تقول فيه السلطات السورية إن وحدات الجيش النظامي تواصل «عمليتها التطهيرية ضد الإرهاب والإرهابيين في أحياء ومناطق عدة من محافظة حلب»، وإنها «تمكنت من توجيه ضربات موجعة للإرهابيين».

وفي دمشق، اندلعت اشتباكات عنيفة فجر أمس للمرة الأولى في محيط حيي باب توما وباب شرقي المسيحيين، في وسط العاصمة القديمة. وأوضح مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن أن هذه الاشتباكات «وقعت في مناطق كانت لا تزال تعد بعيدة جدا عن متناول مقاتلي المعارضة»، مشيرا إلى أن «إطلاق النار الكثيف خلال الاشتباكات يدل على اشتراك أعداد كبيرة من المقاتلين من الجهتين في المعارك». وفيما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شاهد عيان قوله إن «مسلحين مجهولين هاجموا مركزا للجيش النظامي مقابل باب شرقي حيث استمرت الاشتباكات زهاء ربع ساعة»، ذكرت لجان التنسيق المحلية في سوريا أن أصوات إطلاق النار الكثيف تجددت في وسط دمشق وتحديدا في شارع بغداد وشارع الملك فيصل، وحيي العمارة وباب توما. وأفادت بأن «قصفا عنيفا بقذائف الهاون حدث على جنوب حي التضامن»، بينما شهد حي قبر عاتكة «خروج مظاهرة بعد صلاة الفجر تهتف للحرية ولإسقاط النظام».

وذكرت الهيئة العامة للثورة السورية أن حي القدم تعرض «لاقتحام بموكب كبير من قوات الأمن والشبيحة وسط مخاوف من حملة دهم في الحي»، لافتة إلى «قصف بالهاون تتعرض له بلدات الغوطة الشرقية ودير العصافير والضمير وجسرين في ريف دمشق».

وفي ريف دمشق، واصل النظام السوري تصعيد عملياته العسكرية ضد مدن وبلدات عدة، فاقتحمت قوات الأمن مدينة جديدة عرطوز «بالمدرعات والدبابات وأعداد كبيرة من الجنود والأمن من المحاور كافة»، وقالت لجان التنسيق المحلية إن أكثر من «25 شخصا قتلوا في حصيلة أولية نتيجة حملة عسكرية شنتها قوات النظام على المدينة بعد يومين من الحصار، وأسفرت عن تدمير مبان سكنية ومنازل ودهس السيارات في الشوارع بالدبابات»، لافتة إلى «أنباء عن إعدامات ميدانية وحرق للجثث». كما أسفرت الحملة عن اعتقال نحو 150 شخصا.