رئيس الاستخبارات الباكستانية الجديد.. لغز بالنسبة إلى واشنطن

ينتمي إلى عائلة عسكرية.. ومرشح لخلافة قائد الجيش الحالي.. والمسؤولون الأميركيون يريدون معرفة موقفه من أفغانستان

ظهير الإسلام
TT

ثمة قدر كبير من الغموض يحيط برئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني الجديد، ظهير الإسلام، الذي يزور واشنطن بصفته الرسمية لأول مرة. وبعيدا عن التفاصيل المجردة لسيرته الذاتية، يعترف المسؤولون الأميركيون بأنهم لا يعرفون سوى القليل عن ظهير الإسلام، فهو رجل طويل القامة في العقد السادس من عمره، وما عدا ذلك فهو يتمتع بقلة الكلام وعمق التفكير وعشقه للرياضة. وكانت أول زيارة لظهير الإسلام إلى الولايات المتحدة عام 1984، حسب تصريحاته هو شخصيا لأحد المسؤولين في الآونة الأخيرة، لحضور دورة الألعاب الأوليمبية في لوس أنجليس. وبعد عقد من الزمان، عاد ظهير الإسلام إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، ولكن هذه المرة لحضور إحدى الدورات التدريبية في كلية الحرب العليا التابعة للجيش الأميركي في كارلايل بولاية بنسلفانيا، وطوع مهاراته في لعبة الكريكيت لكي يشارك في مباراة لإحدى الفرق المحلية للعبة البيسبول الأميركية.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لأنها كانت محادثة خاصة: «كان يبدو وكأنه يريد أن يقول: انظروا.. أستطيع أن أتفوق في رياضتكم أيضا». ومع ذلك، كان من الصعب الوصول إلى أرضية مشتركة عندما التقى ظهير الإسلام بمسؤولين أميركيين، بمن فيهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ديفيد بترايوس، في وقت كانت تشعر فيه الولايات المتحدة بالإحباط وعدم الثقة تجاه جهاز الاستخبارات الباكستاني.

وكانت العلاقات بين جهازي الاستخبارات الأميركي والباكستاني قد تدهورت خلال العام الماضي عقب سلسلة من الأحداث المثيرة للجدل، بما في ذلك الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وقيام عميل الاستخبارات المركزية الأميركية ريمون ديفيس بقتل باكستانيين اثنين، فضلا عن الاتهامات المستمرة لجهاز الاستخبارات الباكستاني بأنه يؤوي المتشددين الإسلاميين. وصرح مسؤولون باكستانيون وأميركيون بأن بترايوس وظهير الإسلام سوف يبحثان كيفية إعادة بناء العلاقات في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، التي تأثرت بشدة في الآونة الأخيرة.

وقال مسؤول بارز في إدارة الرئيس أوباما: «سوف يحاول بترايوس إقامة علاقات معه. لدينا عمل يتعين علينا القيام به، ودعونا نتجاوز هذا الأمر». ومنذ توليه منصب رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني في شهر مارس (آذار) الماضي، بدأ ظهير الإسلام يبتعد عن الأضواء، فبعدما ظهر اسمه في عدد قليل من المقالات التي عادة ما تشيد بالجنرالات الأقوياء، بدأ ظهير الإسلام يبتعد بصورة كبيرة عن الأضواء في استراتيجية متعمدة من وجهة نظر كثيرين.

وقد شهد جهاز الاستخبارات الباكستاني، الذي كان يتم النظر إليه طويلا باعتباره أداة قوية من أدوات الجيش الباكستاني، اضطرابا غير عادي على مدى الأشهر الـ12 الماضية، حيث أدت الغارة الأميركية على بن لادن على مرأى ومسمع الجهاز إلى تقويض وإضعاف هيبته وسط العامة وداخل أروقة الجيش أيضا. وعلاوة على ذلك، كانت هناك إدانة دولية كبيرة للاستخبارات الباكستانية بسبب الاعتقاد السائد بتورطها في مقتل الصحافي سيد سليم شاه زاد. وعلى الجانب السياسي، كان خليفة ظهير الإسلام، أحمد شجاع باشا، متورطا في أزمة سياسية كادت تتسبب في إسقاط حكومة الرئيس آصف علي زرداري. وعلاوة على ذلك، أثارت المحكمة الباكستانية العليا كثيرا من علامات الاستفهام حول دور جهاز الاستخبارات الباكستاني في كثير من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدام خارج نطاق القضاء وإنفاق الجهاز ملايين الدولارات على تزوير الانتخابات في مطلع التسعينات من القرن الماضي. وقال كامران بوخاري، وهو محلل في مجموعة «ستراتفور» للأبحاث: «كانت هناك ضجة كبيرة مصاحبة لتولي ظهير الإسلام لهذا المنصب، ثم من المنطقي أن يبتعد الرجل عن الأضواء لكي يقوم بإعادة تقييم الأمور ويرى إلى أين تتجه». وعلى النقيض من أحمد شجاع باشا، الذي كان معروفا بلسانه السليط وبثورته وهيجانه في بعض الأحيان، يوصف ظهير الإسلام بأنه لا يبحث عن الأضواء والظهور. وقال ضابط في الاستخبارات الأميركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «إنه هادئ الطباع»، ولكنه أشار إلى عدم سيطرة أحمد شجاع باشا على عمليات جهاز الاستخبارات الأميركية في باكستان. وقال مسؤول أميركي بارز إن مسؤولي جهاز الاستخبارات الباكستانية يتعاملون مع نظرائهم الأميركيين بقدر كبير من العداء، حيث يتم رفض تأشيرات وكالة الاستخبارات المركزية في كثير من الأحيان، كما يتم توقيف مسؤولي الوكالة وتفتيشهم بصورة دورية. وقال المسؤول إن الموظفين الباكستانيين الذين يعملون في السفارة والقنصليات الأميركية في باكستان يتعرضون لتهديد شديد، ويتم تجريدهم من ملابسهم للتفتيش، ويتم اعتقالهم لعدة أسابيع، كما يتم تحريضهم للعمل ضد الولايات المتحدة، وتهديدهم بالأسلحة في بعض الأحيان. وأضاف المسؤول: «إنهم يتبعون الإجراءات التي تتبعها موسكو مع المسؤولين الأميركيين، وأصبح جهاز الاستخبارات الباكستانية يشبه إلى حد بعيد جهاز الاستخبارات السوفياتية (كيه جي بي)، ولكن من دون ضبط للنفس».

ونفى مسؤول بارز في جهاز الاستخبارات الباكستانية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، تلك الاتهامات، وألقى باللوم على وكالة الاستخبارات المركزية في تدهور العلاقات التي كانت وثيقة في السابق بسبب غطرستهم. وأثناء الجدل المثار عن ديفيس في يناير (كانون الثاني) 2011، كان أحمد شجاع باشا غاضبا، لأن مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، ليون بانيتا، كان قد نفى في البداية أن يكون ديفيس يعمل لحساب الوكالة. وخلال الصيف الماضي ترك رئيس مركز الاستخبارات المركزية السابق في باكستان، الذي كانت علاقته مع باشا سيئة للغاية، منصبه بعد 5 أشهر فقط بزعم معاناته من مشكلات صحية. ومنذ ذلك الحين، تم استبدال ضابط استخبارات يصفه مسؤولون من الجانبين بأنه أكثر انفتاحا به، لتعزيز علاقة وكالة المخابرات المركزية مع جهاز الاستخبارات الباكستانية.

وأشار مسؤول في جهاز الاستخبارات الباكستانية إلى أن ظهير الإسلام سيقوم خلال مباحثاته في واشنطن بالضغط على وكالة الاستخبارات المركزية لكي تتوقف عن استخدامها للطائرات من دون طيار في المناطق القبلية. وبدلا من ذلك، سوف يقترح ظهير الإسلام أن تقوم الولايات المتحدة بتحديث أسطول باكستان من طائرات الـ«إف 16» حتى تتمكن من القيام بالمهمة نفسها، وهو الاقتراح الذي وصفه أحد المسؤولين الأميركيين بأنه «محكوم عليه بالفشل».

بالإضافة إلى ذلك، سوف يطلب ظهير الإسلام مساعدة الولايات المتحدة الأميركية في وقف عمليات التسلل عبر الحدود التي تقوم بها حركة طالبان الباكستانية انطلاقا من قواعدها في أفغانستان، وهو ما يمثل مصدر قلق متزايد بالنسبة لباكستان لدرجة أدت إلى حدوث تلاسن حاد في الأسبوع الماضي بين شيري رحمان، سفيرة باكستان في واشنطن، وأحد المسؤولين البارزين في إدارة الرئيس أوباما في المؤتمر الذي عقد في ولاية كلورادو.

ينتمي ظهير الإسلام إلى عائلة عسكرية قوية للغاية، ويعتبره كثير من المحللين المرشح المحتمل لخلافة قائد الجيش إشفاق برويز كاياني عندما يترك منصبه في أواخر عام 2013. يتحدر ظهير الإسلام من عائلة عسكرية قوية تمتد إلى نقطة تمركز الجيش الباكستاني في ولاية البنجاب؛ فوالده وإخوته كانوا ضباطا في الجيش، بينما تقاعد اثنان من أعمامه برتبه جنرال. وفي ما يعد أمرا غير عادي بالنسبة لمديري وكالة الاستخبارات المركزية، يمتلك ظهير الإسلام خبرة في مجال التجسس، حيث أدار الجناح الداخلي في جهاز الاستخبارات الباكستانية في الفترة بين 2008 و2010، وهو الجناح الذي يراقب الشؤون الأمنية داخل باكستان.

وبالنسبة للأميركيين، يعد موقف ظهير الإسلام تجاه الوضع في أفغانستان هو أكثر المواضيع المجهولة إلحاحا، فمع مغادرة أكثر من 100.000 جندي من قوات حلف شمال الأطلنطي لأفغانستان بنهاية عام 2014، سوف تكون مساعدة باكستان على إحباط حركات التمرد هناك أمرا شديد الأهمية. يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من العلاقات التي تربط جهاز الاستخبارات الباكستانية بشبكة «حقاني»، وهي جماعة مسلحة تنتشر على طول الحدود بين باكستان وأفغانستان. تعتبر مساعدة جهاز الاستخبارات الباكستانية في عقد محادثات سلام محتملة مع المتمردين أمرا شديد الأهمية أيضا. ولكن حتى الوقت الراهن، تتركز مهمة ظهير الإسلام على الجانب الشرقي، أي على خصم باكستان اللدود؛ الهند، فقبل تعيينه في وكالة الاستخبارات، كان ظهير الإسلام يحارب في جبال كشمير وقاد فيلق الجيش في كراتشي. يقول أحد المسؤولين الأميركيين: «تتوقف أمور كثيرة على هذا الرجل الذي لا نعرف أي شيء عنه».

* أسهم في كتابة التقرير ديكلان والش من إسطنبول، ومارك مازيتي من واشنطن وإسلام آباد، وإريك شميدت من واشنطن، وسلمان مسعود راوالبيندي من باكستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»