الجيش الأفغاني يصارع وحده بعد بدء رحيل الأميركيين

قائد كتيبة أفغانية: رحلوا مبكرا دون أن يمنحونا ما نحتاج إليه فارتفعت معنويات الخصم

«عبر هذه الأبواب، مر الشقاء» عبارة تركها الأميركيون في قاعدة «كونلون» بوادي جالريز
TT

بعد مغادرة الجنود الأميركيين موقع «كونلون» القتالي في فبراير (شباط)، معبئين أسلحة ومولدات ومراحيض متنقلة، هرع خلفاؤهم الأفغان إلى الثكنات الأميركية ومركز القيادة متلهفين على معاينة ما خلفوه. أعاد الأفغان تسمية «كونلون» بلغة الداري ونقشوا آيات قرآنية على الجدران. وقد أصبحت القاعدة الآن ملكا لهم، وباتوا في حالة من الفخر.

لكن بعد أشهر، يبدو المشهد مؤسفا. فلم يعد الجنود الأفغان البالغ عددهم 240 جنديا ينعمون بالكهرباء إلا لمدة ثلاث ساعات في اليوم. كما تعطلت كل سياراتهم، وهم لا يملكون نظارات الرؤية الليلية المطلوبة لحراسة قاعدتهم بعد الغروب.

ومع تكثيف حركة طالبان هجماتها في إقليم وارداك (شرق) ربيع هذا العام، توصل الجنود الأفغان هنا إلى استنتاج مؤلم، وهو أنهم ليسوا مستعدين لخوض المعركة بمفردهم. لكن كان قد فات الأوان - فالأميركيون لن يعودوا.

وكان تسليم موقع «كونلون» القتالي إلى السلطة الأفغانية، وهو حدث تجلى في احتفالية رفع العلم وزيارة من مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى، علامة مبكرة على تقليص قوات حلف شمال الأطلسي الذي سيستمر حتى 2014.

غير أن المسؤولين الأفغان يساورهم القلق من احتمالية أن تنتشر المشكلات التي تجتاح «كونلون» عبر أنحاء أفغانستان، مع تسليم الجيش الأميركي السلطة، تاركا 200 ألف جندي أفغاني من دون التجهيزات أو الأموال الكافية لهزيمة عدو يتسم بالمرونة في الحركة. ويقول اللفتنانت كولونيل حميد الله كوهداماني، قائد الكتيبة: «لقد غادر الأميركيون مبكرا جدا وتركونا من دون أن يمنحونا ما نحتاجه».

ويقول مسؤولون أميركيون إنه بعد سنوات من الاعتماد على الأميركيين في الدعم التكتيكي واللوجيستي، عادة ما يصارع الجنود الأفغان من أجل التكيف مع الزيادة المفاجئة في حجم المسؤولية. «إنهم فقط لم يعتمدوا من قبل قط على قادتهم. فدائما ما كان الأميركيون يدعمونهم»، هذا ما قاله اللفتنانت كولونيل، كلينت كوكس، رئيس الفريق الاستشاري العسكري الأميركي الذي يشرف على الوحدات الأفغانية في إقليم وارداك. وأضاف: «الأمر سيستغرق بعض الوقت. الوضع أشبه بما هو عليه الحال مع الأطفال - أحيانا ما يحتاجون لدرس عسير كي يتعلموا».

في عام 2009، أقامت أول القوات التي أرسلها الرئيس أوباما موقع العمليات القتالية «كونلون» في وادي جالريز، معقل حركة طالبان الذي يبعد بمسافة 50 ميلا عن كابل. وقد أطلق الضباط على وادي جالريز اسم «وادي الموت»، بعد تعرضهم لهجمات متكررة أثناء حراستهم القرى المحلية. لكنهم حققوا تقدما سريعا، بإعادة فتحهم طرقا وبازارات كانت تحت سيطرة المتمردين من قبل.

في عام 2011، أعلن مسؤولون عسكريون أميركيون أن موقع «كونلون» - الذي تمت تسميته بهذا الاسم نسبة إلى القائد العسكري بول كونلون، الذي قتل في المنطقة في عام 2008 - ستصبح لها سمة مميزة أخرى: سوف تصبح أول قاعدة أميركية في وارداك يتم تسليمها إلى سلطة أفغانية. وفي فبراير (شباط) من هذا العام، بعد مراسم رفع العلم، قام مسؤولون أفغان بتغيير اسم كونلون إلى «خوت أشرو»، أو «منزل أشرو»، نسبة إلى اسم جد أكبر للقبيلة المحلية. وسارع جنود من الفيلق 203 بالجيش الوطني الأفغاني بالاستحواذ على غرف صغيرة كانت تقيم بها من قبل قوات أميركية.

يقول محمد حليم فيضاي، حاكم الإقليم: «دائما ما كان إقليم وارداك مختبرا لقوات التحالف. أحيانا ما تجدي التجارب نفعا، وفي أحيان أخرى، لا تفيد». ويقول فيضاي والمسؤولون العسكريون الأفغان رفيعو المستوى في الإقليم إن تجربة نقل السلطة في خوت أشرو قد فشلت ليس لأن القوات تعوزها الشجاعة أو القدرات، بل لأنها تفتقر إلى الموارد التي كانت متاحة عندما كان الأميركيون يشاركونهم القاعدة العسكرية، أو التدريب اللازم للحفاظ على التجهيزات.

وأثناء تجوله حول خوت أشرو الأسبوع الماضي، عاين الجنرال صديق عبد الرازق، قائد الفيلق المسؤول عن جنوب شرقي أفغانستان، ما خلفته مركبات القاعدة. تعرضت شاحنتان لهجوم هذا الأسبوع وأصبحتا معطلتين. كما تم إطلاق النار على سيارة «هامفي» أثناء كمين هذا الشهر وأصبحت عديمة الفائدة. ولم يعد لدى المائتين والأربعين رجلا هنا الآن سوى شاحنة واحدة مدرعة. بعدها، سار عبد الرازق إلى برج الإرسال، الذي لا يملك الجنود الوقود اللازم لتشغيله. لكنهم يستخدمون هواتفهم الجوالة في مناقشة خطط العمليات، حتى مع علمهم أن حركة طالبان تقوم بالتنصت على تلك المحادثات الهاتفية. وقال عبد الرزاق: «لا يعرف هؤلاء الرجال كيفية إصلاح هذه الأشياء عند تعطلها. اعتاد المتعهدون الأميركيون إصلاحها لأجلنا، لكنهم قد رحلوا».

الآن، تعود القوات التي تحرس المناطق القريبة من القاعدة قبل الغسق وذلك لأن الجيش الأفغاني لا يملك نظارات للرؤية الليلية، والتي اقترضتها القوات من الأميركيين وقتما كانت القاعدة مشتركة. كما لم تعد الدوريات - التي تم أخذها من نظرية مكافحة التمرد - شائعة مثلما كانت من قبل، ويقول ضباط أفغان إنها ليست لها أهمية كبيرة. ويقول كوهداماني: «زادت قوة الخصم منذ أن رحل الأميركيون، وارتفعت روحه المعنوية».

ويقول الكابتن عزيز الله، أكبر القادة على القاعدة، والذي على غرار الكثير من الأفغان اكتفى بذكر اسمه الأول فقط: «نحن نتحدث إلى الأفراد المحليين كثيرا. لكن الأمر يشبه الحديث إلى حمار. فرغم ما نقوله، فإنهم يدعمون طالبان».

يذكر أن كثيرا من العبارات في خوت أشرو تبدأ الآن بـ«حينما كان الأميركيون هنا». ويقول عزيز الله: «حينما كان الأميركيون هنا، كان لدينا دعم جوي وتنسيق وثيق». ويقول الملازم أحمد ضياء مرادي: «حينما كان الأميركيون هنا، كنا نتلقى إرشاداتهم يوميا. كانوا برفقتنا في عدد كبير من الدوريات».

الآن، أصبحت حتى الآثار المادية للوجود الأميركي السابق قليلة - مجرد كتابات باللغة الإنجليزية على الحواجز الواقية من الانفجارات وجدران الثكنات التي يكافح ملاك القاعدة الجدد من أجل فك شفرتها. ومن أمثلة كلمات هذه الكتابات: «الحافز» و«عبر هذه الأبواب، مر الشقاء».

وخلال أقل من شهرين، سيتم نقل القاعدة الأميركية الأخرى الوحيدة في جالريز، وهي موقع «غاردا» للعمليات القتالية، إلى السلطة الأفغانية، على نحو يسطر نهاية آخر فصل من حملة مكافحة التمرد الأميركية التي استمرت لمدة ثلاثة أعوام في الوادي. وسيتم نقل ثلاث قواعد أخرى في المنطقة المحيطة إلى السلطة الأفغانية خلال الأشهر المقبلة. وبالنسبة للكثير من المسؤولين الأميركيين، يعد هذا رمزا للتقدم. الأفغان يسدون الفجوة في الأماكن التي دائما ما كان محتوما على الأميركيين مغادرتها.

في أبريل (نيسان) 2011، حدث تحول مماثل في موقع «تانغي» القتالي، الذي يفصله نحو 10 أميال عن وادي جالريز. وفي غضون عدة أشهر، غادر الجنود الأفغان تلك القاعدة، قائلين إنها كانت على درجة بالغة من الخطورة بحيث لا يمكنهم الاحتفاظ بها. وفي سبتمبر (أيلول)، نشرت حركة طالبان مقطع فيديو يظهر فيه عشرات المتمردين يدخلون القاعدة الشاغرة راكبين دراجات بخارية وحاملين بنادق هجومية وقاذفات قنابل يدوية. «هؤلاء هم مجاهدو تانغي الشجعان الذين قضوا على المحتلين والغزاة ومن خلال تضحيتهم وبسالتهم»، هذا ما جاء على لسان رجل في مقطع الفيديو.

وقال مسؤولون أفغان إنهم لا يتوقعون أن يسقط موقع غردة أو كونلون في أيدي حركة طالبان، لكنهم يعترفون بالتحديات التي سيواجهونها في المستقبل. علاوة على ذلك، فإن الأميركيين واعون جيدا بالخطر. قال كوكس: «يتعين على هؤلاء القادة الأفغان التصعيد. وإذا ما اختاروا ترك الانضباط يتداعى، فسيصبح للعدو صوت».

في حالة استمرار المشكلات اللوجيستية، فلن يكون أمام الجيش الأفغاني أي خيار سوى إغلاق بعض قواعده، من بينها خوت أشرو، مفسحا لطالبان مجالا أكبر للمناورة.

استشعر عبد الرازق النقص الحاد في الموارد قبل عدة أشهر عندما قتل ثمانية من رجاله جراء قصف جهاز تفجيري على بعد 50 ميلا شمالي جالريز. وتناثرث أشلاؤهم عبر طريق ضيق لا يبعد عن قاعدة عسكرية أفغانية، لكن لم يكن لدى عبد الرازق مروحية لالتقاط الجثث. وتطلب الأمر من مروحية أميركية يوما كاملا من أجل استردادها.

يواظب رجال خوت أشرو الشباب على مراقبة الحدود التي تطوق المنطقة، متخذين موقف الدفاع ضد السيناريو المروع الذي يلوح في أذهان كثير من الضباط: احتمال أن يظهر مجموعة من المتمردين من مجموعة من الأشجار القريبة ويحاولوا الاستيلاء على القاعدة.

طوال اليوم، يحدق الجنود في الأغصان الكثيفة عبر الميكروسكوب ذي العينين. وحينما يحل الليل ويلف المنطقة الظلام، يأخذون فترة راحة مؤقتة لحفر كلماتهم على برج المراقبة المبني من الخشب الرقائقي، مثلما كان يفعل الأميركيون.

نقش أحد الضباط سطرا من قصيدة أفغانية شهيرة في داري هو: «أيتها الزهرة كفاك تباهيا بنفسك. فستذبلين في النهاية».

* ساهم جويد هامدارد في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»